نقطة انعطاف في علاقة الجزائر بالأسواق الإفريقية

معرض التجارة البينية.. رهان الاندماج الاقتصادي القاري

علي مجالدي

بوغابة لـ «الشعب»: تحويل الثقل السياسي إلى نفاذ إنتاجي وتمويلي

تضع الجزائر نفسها على خريطة القرار الإفريقي وهي تستعد لاستضافة معرض التجارة البينية الإفريقية خلال مطلع سبتمبر المقبل، والحدث -بحسب المتابعين- ليس مجرّد فضاء للقاءات، بل امتحان عملي لفكرة الاندماج الاقتصادي التي لطالما تردّدت في الخطاب الرسمي القاري.

الجزائر بثقلها السياسي وموقعها الاستراتيجي المطل على المتوسط وامتدادها نحو عمق الساحل، تراهن على تحويل «أسبوع المعرض» إلى نقطة انعطاف في علاقتها بالأسواق الإفريقية، من حيث التسوية المالية والتمويل والامتثال الفني، مع توقع حضور نوعي لقرابة خمسة عشر رئيس دولة، وما يرافق ذلك من وزن تفاوضي مرتفع. في سياق متصل، يتقاطع المعرض مع مسار منطقة التجارة الحرة القارية، بما يعني أن أي اتفاق صناعي أو تجاري يُبرم في الجزائر، سيُختبر سريعًا ضمن قواعد المنشأ وممرات العبور والمعايير الفنية، لا في خانة المجاملات البروتوكولية.
كذلك، تُدرك الأوساط الاقتصادية أن نجاح الأسبوع يقاس بالقدرة على نقل الكلمة إلى أمر شراء، ونقل مذكرة التفاهم إلى جدول زمني للتسليم، ونقل صورة الافتتاح إلى دفعات مالية تُسَوّى دون كلفة زمنية أو صرفية مُنهِكة.

الجزائر منصّة دبلوماسية اقتصادية

 تمنح الاستضافة للجزائر فرصة إعادة تعريف دورها في القارة من «ممرّ» إلى «منصّة». والمقصود بالمنصة هنا، منظومة متكاملة، قرار سياسي يفتح الأبواب ومؤسسات مالية قارية جاهزة للتسوية والتمويل والتأمين، وقواعد منشأ تضبط مسارات القيمة داخل إفريقيا.
في هذا الإطار، يبرز رهان الجزائر على أن يتحول حضور القادة والوزراء إلى طاقة ضغط لصالح اتفاقات عملية في سلاسل محددة، مثل الأدوية الجنيسة، مدخلات الأسمدة، المكوّنات الميكانيكية البسيطة والمستلزمات الطبية.
في سياق متصل، يمثّل ربط الشمال بالجنوب عبر موانئ الساحل الجزائري والطرق العابرة للصحراء، نقطة تفوق إذا اقترنت باتفاقات «ممرات» واضحة في التكلفة وزمن العبور.
علاوة على ذلك، يتقدّم ملف تسهيل تنقّل رجال الأعمال، باعتباره عاملًا حاسمًا وتخفيف قيود التأشيرات للوفود الإفريقية خلال الحدث وما بعده، وإتاحة نوافذ موحّدة للترخيص والاعتماد، وكلها خطوات منخفضة التكلفة عالية العائد.
وفي هذا الإطار، يؤكد أستاذ الاقتصاد الكلي، الدكتور عبد الرحيم بوغابة، في تصريح لـ»الشعب»، إن «قيمة الجزائر في هذه اللحظة تكمن في جمع القرار السياسي مع الجاهزية المؤسسية، لا في واحدٍ منهما فقط».

سيادة المدفوعات وتمويل المخاطر

علاوة على ذلك، يؤكد الدكتور بوغابة أن عمود النجاح المالي يبدأ من المدفوعات، لاسيما مسألة تشغيل التسويات بالعملات المحلية عبر الشبكات القارية المختصة، ما يقلّص كلفة التحوط ويختصر زمن التحصيل ويرفع كفاءة رأس المال العامل لدى المُصدّر الجزائري. ما ينعكس ذلك مباشرة على السعر النهائي والقدرة التنافسية في عطاءات غرب ووسط إفريقيا، حيث يصنع الفرقُ في الأيام والأسابيع. كذلك، يشكّل التأمين التجاري والاستثماري المتخصّص مظلة لا غنى عنها لصفقات تتوزع أطرافها عبر دول متباينة المخاطر، إذ تُحوِّل بوليصات مخاطر السداد والمخاطر السياسية المشاريع من «أفكار جيدة» إلى «مشاريع قابلة للتمويل» مصرفيًا. علاوة على ذلك، يوفّر التمويل الانتقالي القاري قناةً لتعويض أثر تخفيف الرسوم على المالية العمومية مقابل توطين صناعات قابلة للتصدير، بشرط ربطه بعتبات أداء لا شعارات.
وأكّد الدكتور بوغابة في تصريحه، أن «التسوية بالعملة المحلية تُعيد تعريف كلفة المعاملة عبر الحدود لصالح المنتج الوطني»، لافتًا إلى أن «المعادلة الأعلى عائدًا في الجزائر تقوم على ثلاث روافع تتحرك معًا، تسوية محلية سريعة، وتأمين تخصصي يخفض علاوة المخاطر، وتمويل انتقالي موجّه لسلاسل ذات أثر مضاعِف».
بالإضافة إلى ذلك، يرى أن «تجربة أسبوع الجزائر يجب أن تبرهن أن المصارف والشركات تعلّمت التشغيل الفعلي وليس الخطاب، وأن ملف الامتثال الفني جرى تبسيطه عبر مخابر اعتماد وخدمات ما بعد البيع داخل القارة».

من أسبوع المعرض إلى التزامات قابلة للمتابعة

من جهة أخرى، يؤكد العديد من المتابعين للشأن الإفريقي، أن معيار النجاح يكمن في تحويل الإعلانات المتوقعة، إلى التزامات واضحة تُنشر وتُراجع بشكل دوري. ويمكن للجهات المنظمة والحكومية اعتماد لوحة متابعة شهرية بعد المعرض، تتضمن عدد الصفقات التي نُفِّذت فعليًا بالعملة المحلية وقيمة الدفعات المسوّاة داخل القارة، وعدد المنتجات الجزائرية، مثلا، التي دخلت أسواقًا إفريقية جديدة مع تسمية البلدان، ومتوسط زمن التحصيل، مقارنة بما قبل الحدث على المسارات المتفق عليها.
وفي سياق متصل، تُرفق اللوحة بمؤشر لوجستي بسيط يرصد كلفة الشحن ووقت العبور في الممرات التي حُددت أثناء المعرض، بما يسمح بتصحيح سريع إذا ظهرت اختناقات. كذلك، يدعو مختصون إلى «إفصاح ما بعد المعرض» من جانب الشركات، يبيّن ما تم توقيعه وما دخل حيّز التنفيذ لتمييز مذكرة التفاهم عن طلب الشراء.
علاوة على ذلك، يضمن النشر الدوري لهذه البيانات انضباطًا تلقائيًا لدى الأطراف ويُسهّل الرقابة الصحفية ويمنح القارئ معيارًا موضوعيًا لقياس أثر أسبوع الجزائر، وهذا ما تسعى الجزائر وفق منطق براغماتي لتجسيده وتحويل التكامل الأفريقي إلى واقع يمكن قياسه وتحسينه وفق معطيات حقيقية، عكس ما تفعله بعض الدول.
ويؤكد المختصون أن الجزائر أمام فرصة ذات وزن كبير، حيث يجتمع في أسبوع واحد صناع القرار في إفريقيا مع أدوات مالية وتأمينية قارية، في سياق اتفاقية تجارة حرة تبحث عن أمثلة نجاح ملموسة. وإذا تمسّكت الجهات المعنية برفع كفاءة التسوية المحلية، وتحصين الصفقات بالتأمين المتخصص، وتوجيه التمويل إلى سلاسل قادرة على التصدير السريع، فسيتحوّل الحدث من «معرض» إلى «منصّة عقد».
في سياق متصل، تجعل «لوحة المتابعة» المقترحة النتائج مرئية ومقارنة بوضوح، وتُنهي عادة الاكتفاء بصور البروتوكول.
كذلك، يختصر الدكتور بوغابة المسافة حين يقول، إن «الاندماج الاقتصادي لا يُقاس بعدد الخطب، بل بسرعة التحصيل وجودة العقد»، وهي خلاصة تلائم اللحظة الجزائرية، من خلال تحويل الثقل السياسي إلى نفاذ إنتاجي وتمويلي داخل القارة وهو ما أكد عليه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون أكثر من مرة، وتثبيت صورة الجزائر كقوة مبادرة لا كفضاء عبور. علاوة على ذلك، فإنّ نجاح الجزائر في هذا الحدث القاري، سيبعث إشارة عملية إلى شركاء إفريقيا بأن منصة الشمال الإفريقي قادرة على إنتاج الصفقات، لا استقبال الوفود فقط، وهو ما ينتظره المستثمر والقارئ، على حد سواء.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19852

العدد 19852

الإثنين 18 أوث 2025
العدد 19851

العدد 19851

الأحد 17 أوث 2025
العدد 19850

العدد 19850

السبت 16 أوث 2025
العدد 19849

العدد 19849

الخميس 14 أوث 2025