أمـانـة الشــهـداء الأبـــرار

عبد القادر حمداوي

منذ أمد بعيد وأنا في رغبة قوية تدفعني باستمرار لأكتب بهذا القلم المجنون عن الذاكرة لإسكات صوت الضمير المزعج لأبوح بتلك الشهادة التي تسكن في صدري وفي أعماقي سنين أريد التخلص من مزاحمتها إنها أمانة الشهداء الأبرار، لكن الثورة تسمو فوق كل الاعتبار بقيت نفسي تواق لتسجيل تلك الحوادث في ذاكرتي، صور بشعة طيلة سنوات الجحيم عن الأرض المحروقة وعن النساء الحوامل اللواتي بقرت بطونهم من قبل الحركى الذين فقدوا الضمير كالوحوش المفترسة أخرجت الأجنة وهن واقفات وعن الذين أحرقوا وهم أحياء وعن الذين دفنوا في الحفر وهم أحياء وعن الذين غادروا هذه الدنيا ولم ينالوا شيئا.
لقد سجلت هذه الأحداث التي مرّت علينا تحت أهوال القنابل المدمرة والنابالم كانت تلاحقنا في كل مكان في قمم الجبال والكهوف والسهول والأودية، وفي القرى والمداهمات اليومية والمعارك الطاحنة بالإضافة إلى المحتشدات، حيث أغلقت جميع السبل الممنهجة من قبل لاصاص.
حاولت أن أروي أحداث التاريخ التي شاهدناها مباشرة على أرض المعركة لأستمع لدوي المدافع و أزيز الطائرات والمشاهد المرعية للجثث المتناثرة هنا وهناك.
لقد مسّنا التدمير في الصميم في الريق، لقد أحرقت المحاصيل الزراعية والغابات حتى الحيوانات.
إن معظم أبناء الثورة من سكان الريف لا يحسنون القراءة  والكتابة لحرمانهم دخول المدارس في أيام الثورة.
لم يدونوا الأحداث التي عاشوها وشاركوا وصنعوا ملامحها، كنا في صراع مع الحياة تضحيات شعب بأكمله.
أدركت أن أهمية التاريخ مهم جدا، بدأت اسأل لماذا لم يسجل التاريخ ؟ والبحث عن الكنز المفقود الثمين طيلة سنوات أقول إنها جريمة خاصة في حق الذين أزهقت أرواحهم فداء للوطن؟
لقد جلست مع الذين أعرفهم، هل صحيح أنهم مجاهدون لأضيف إلى معلوماتي رصيد فوجدت البعض محتفظات بأسرار الثورة رغم المتاعب الثقيلة.
للأسف الشديد غادر البعض منهم هذه الدنيا وهو يحمل معه مكتبة من أحداث تاريخ الثورة ولازال البعض لا يعرف إلى المتزايدات أغلبهم لم يشم رائحة البارود قط، ولم يسمع ولم يعش أحداث الثورة بل كان يسمع عنها في الخارج أو في الصحف.
لقد وجدوها فوق المائدة حاضرة فأكلوا منها حتى انتفخوا وبدءوا يشوهون وجادت كتاباتهم فن الثورة مشوهة للحقائق كمن يدس السم في العسل.
بل الممندسون كثيرون وبطرق شتى يذهبون إلى زردة في كل مكان وهم فرحوا حتى النسوة يتزينا لهذا اليوم كما يفعلن في مناسبات الزواج، وهم يعرفون أن الرجال رحلوا وتركوا خلفهم الغبار الذي غطى الوثائق.
لا أحد ينفض الغبار من هذه الوثائق الهامة ليجدوا أنفسهم تحت رحمة صلاد من بني جلدتهم الذين كانوا يمارسون معهم لعب الدومينوا ويعرفونهم حق المعرفة.
كم من ثكنة؟ وكم من سجن ومعتقل؟ وكم من أبراج نصبت للحراسة؟
على قمم الجبال والسهول وفي القرى وفي المدن.
واليوم لم نجد لها أثر، لقد اقتلعنا من جذورها أصبح المكان بناء سكنات وحقول عمل.
سجل يا تاريخ، محتشدات أقيمت سنة 1958 بخط شال بأسلاك شائكة الدخول إليها بالتفتيش اعرفها واليوم لا أثر لها حتى الأحجار التي بنيت بها مركز للعدو الفرنسي.
ويا للعجب حتى مكاتب لاصاص أو أماكن التعذيب حذفت ومضايقات المعمرين للسكان عجز القلم بتسجيل وجمع ووصف بكل دقة هذه الصور البشعة.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19526

العدد 19526

الأربعاء 24 جويلية 2024
العدد 19525

العدد 19525

الثلاثاء 23 جويلية 2024
العدد 19524

العدد 19524

الإثنين 22 جويلية 2024
العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024