حوار متواصل من أجل تكريس تنمية مستدامة ومنافع متبادلة
عقد أربع دورات للحوار الاستراتيجي.. مثال يحتذى به في التنسيق
تمثل العلاقات الجزائرية- الإيطالية مثالا ناجحا ونموذجيا للعلاقات الثنائية بين ضفتي المتوسط، وقد أخذت منحنى تصاعديا خلال السنوات الخمس الأخيرة، يتجلى ذلك في الارتفاع المتزايد لحجم الاستثمارات بين البلدين وكذا إطلاق الحوار الاستراتيجي، الذي عقد في أربع دورات منذ تأسيسه سنة 2020، وزيارات بين مسؤولين من أعلى مستوى، ما يؤكد عمق العلاقة الاستراتيجية بين بلدين يتقاسمان الرؤى نفسها في عديد القضايا ذات الاهتمام المشترك.
تعكس كثافة الزيارات المتبادلة بين مسؤولين جزائريين وإيطاليين، والفعاليات المشتركة، خلال السنوات الخمس الأخيرة، عمق العلاقات الثنائية بين البلدين، والتي تمتد إلى ثورة التحرير المظفرة، كما تبرز أهمية الطرفين لبعضهما، حيث تعتبر الجزائر بوابة إيطاليا إلى أفريقيا عبر استراتيجية «ماتي» للتنمية، بينما تشكل إيطاليا بوابة الجزائر إلى أوروبا في مشاريع الطاقة، كما تعكس الثقة الكبيرة بينهما، والتي ترجمت في إبرام شراكة واستثمار في قطاعات استراتيحية تمتد لعقود قائمة.
شريك موثوق
تعتبر الجزائر الشريك الطاقوي الأول لإيطاليا، حيث تزودها بأكثر من ثلثي احتياجاتها السنوية من الطاقة، والغاز على وجه التحديد. وفي مجال الكهرباء، تخطط الجزائر لتصدير الفائض منها نحو أوروبا عبر إيطاليا. كما تعمل على تصدير الفائض من الطاقة النظيفة، حيث تخطط الجزائر لإنتاج 15 ألف ميغاوات بحلول عام 2035، مع التركيز على الطاقة الشمسية.
في هذا السياق، سيتم مد كابل بحري لنقل الكهرباء بقدرة تصل إلى 2000 ميغاواط، لتصدير الطاقة المتجددة من الجزائر عبر إيطاليا إلى أوروبا.
هذا وتمثل الشراكة الطاقوية الجزائرية- الايطالية، نموذجا للتعاون بين ضفتي المتوسط. وفي هذا الصدد، ينوي مجمع «إيني»، عملاق الطاقة الإيطالي، رفع قيمة استثماراته في الجزائر إلى ثمانية ملايير دولار، بحسب ما أكده المدير التنفيذي للمجمع، كلاوديو ديسكالزي، مطلع جويلية، عقب استقبال رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون له.
ولا تقتصر استثمارات الطاقة على هذين الموردين، بل تعمل الجزائر على تصدير الهيدروجين الأخضر، عبر ممر الهيدروجين الجنوبي، الذي يربط الجزائر بشبكات أوروبا عبر إيطاليا. وهو المشروع الذي جاء بعد توقيع إعلان نوايا في روما مطلع عام 2025، وذلك في إطار التحول الطاقوي العالمي.
استثمار يتوسع
وفي مجال العلاقات التجارية، قفزت المبادلات الجزائرية- الإيطالية من خمسة ملايير يورو سنة 2019، إلى أكثر من ثمانية ملايير يورو العام 2021، لتسجل 14 مليار أورو بنهاية 2024، ما يعني أنها تضاعفت ثلاث مرات خلال خمس سنوات. ويعكس ذلك تزايد الأهمية الاقتصادية للبلدين بالنسبة لبعضهما البعض، وسعيهما لأن تصبح العلاقات الاقتصادية بقوة ومتانة العلاقات السياسية التاريخية التي تجمع الجزائر وإيطاليا. في حين بلغت المبادلات التجارية بين البلدين 4.49 مليار يورو خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري، بارتفاع قدره 6,7٪ مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي.
وسجل الميزان التجاري فائضا لصالح الجزائر بقيمة 11 مليار يورو، بحسب تقارير المعهد الوطني الإيطالي للإحصاء (Istat)، ووكالة الترويج للخارج (ICE)، نشرت شهر أفريل الماضي. وقدرت الصادرات الجزائرية من الطاقة نحو إيطاليا بأكثر من عشرة ملايير دولار، حيث تعتمد إيطاليا على الجزائر لتأمين 85٪ من احتياجاتها الطاقوية، بينما تمثلت الصادرات الإيطالية نحو الجزائر في مجملها في الآلات الصناعية ومعدات البناء، بحسب المصدر نفسه.
ورغم أن المبادلات التجارية بين الطرفين، يسيطر عليها قطاع الطاقة، إلا أن السنوات الثلاث الأخيرة شهدت توسيعا لمجالات الاستثمار إلى خارج قطاع المحروقات. نشير هنا، إلى أن إيطاليا أطلقت مشاريع استثمارية إستراتيجية في الجزائر، منها مصنع إنتاج السيارات من علامة «فيات» في وهران، ومشروع مع مجموعة «بي.إف» الإيطالية لإنتاج الحبوب والبقوليات على مساحة 36 ألف هكتار بولاية تيميمون بقيمة إجمالية 420 مليون يورو، يتضمن تشييد وحدات تحويلية لتصنيع العجائن الغذائية، وصوامع للتخزين وهياكل حيوية أخرى، وإنتاج البذور الزيتية، على أن يتم استثمار مجموعة «بونيفيكي فيراريزي بي.اف» ليشمل إنتاج الحليب واللحوم الحمراء والأعلاف.
حوار استراتيجي
على صعيد آخر، يربط الجزائر وإيطاليا حوار استراتيجي يهدف إلى بناء علاقات أقوى وأكثر استقرارا بين شريكين تاريخيين. ويرمي هذا الحوار إلى تحقيق تنمية مستدامة، من خلال معالجة القضايا المختلفة ذات الاهتمام المشترك في ميادين متعددة اقتصادية واجتماعية وبيئية وغيرها.. إلى جانب تنجيد الأهداف المشتركة بين البلدين. وفي هذا السياق، تم عقده أربع دورات للحوار الاستراتيجي الجزائري- الإيطالي وشكلت تلك اللقاءات فرصة لتقييم واقع التعاون الثنائي وآفاقه وكذلك بحث المواقف المشتركة من عديد القضايا في مجال التعاون الثنائي والقضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، سيما القضية الفلسطينية والصحراء الغربية.
وتأسس الحوار الاستراتيجي الجزائري- الايطالي في 05 ديسمبر 2020، إثر توقيع مذكرة التفاهم في الجزائر العاصمة. وعقدت الدورة الأولى لهذا الحوار في روما في 29 مارس 2022، في حين عقدت الدورة الثالثة يومي 2 و3 جويلية 2023، بينما عقدت الدورة الثالثة لهذه الآلية بالجزائر العاصمة يومي 2 و3 جويلية 2024. وقد تم خلال هذه القمة الأخيرة التحضير للقمة الجزائرية- الإيطالية الخامسة، التي تجري حاليا في إيطاليا.
وفي 30 جوان 2025 بالجزائر، احتضنت الجزائر العاصمة أشغال الدورة الرابعة للحوار الاستراتيجي الجزائري- الايطالي حول العلاقات الثنائية والقضايا السياسية والأمنية الشاملة. وجاء في بيان الخارحية الجزائرية، أن «هذه الدورة من الحوار الاستراتيجي الذي يندرج في إطار تقليد راسخ من التشاور السياسي المنتظم ما بين البلدين، فرصة من أجل تقييم شامل وبناء لحصيلة التعاون الثنائي في مختلف المجالات، من خلال استعراض مدى التقدم المحرز في هذا السجل منذ انعقاد الدورة السابقة بروما في 2024، والذي تجسد في العديد من الزيارات واللقاءات رفيعة المستوى، لا سيما الزيارة التي قام بها نائب رئيس الوزراء ووزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي، السيد أنطونيو تاياني، إلى الجزائر، بدعوة من نظيره الجزائري، وزير الدولة، وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج والشؤون الإفريقية، السيد أحمد عطاف. كما تم التحضير المحكم للقمة الحكومية الجزائرية-الإيطالية في دورتها الخامسة، تحت رئاسة رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، ورئيسة مجلس الوزراء للجمهورية الإيطالية، السيدة جورجيا ميلوني، والتي تجري حاليا في إيطاليا.