روتايو..الوزير الشرير يفقد البوصلة ويدخل المصيدة
إصدار جوازات السفر حق سـيــادي تكفله الدولة الجزائرية..وكرامة الجزائري خط أحمر
في مشهد لا يخلو من الدلالة على اضطراب المشهد السياسي الفرنسي، وتحديدا في ظل تصاعد الخطاب اليميني المتطرف، خرج وزير الداخلية الفرنسي، روتايو، بتصريحات وصفتها الجزائر، وبحق، بالتعسفية والتمييزية.
تصريحات لا تمت بصلة لا إلى القانون الفرنسي ولا إلى قواعد التعامل الدبلوماسي، بل تعكس انحدارًا أخلاقيًا وقانونيًا بدأ يتسع في خطاب بعض السياسيين الفرنسيين كلما اقتربت الاستحقاقات الداخلية، أو اشتدت الأزمات السياسية في الداخل الفرنسي.
الجديد في الأمر هذه المرة، أن الجالية الجزائرية أصبحت، مرة أخرى، هدفًا مفضلاً لمحاولات الابتزاز السياسي، في خطوة تكشف عن اختلال في موازين السلطة داخل الجمهورية الفرنسية، وتداخلًا غير مبرر في صلاحيات يفترض أن تبقى محفوظة داخل وزارات سيادية لا تدار بمنطق الشعبوية.
وقد شكل الرد الجزائري السريع والصارم على تصريحات الوزير الفرنسي رسالة واضحة لا لبس فيها، تؤكد أن الجزائر لن تقبل أي مساس بسيادتها أو بحقوق أبنائها، سواء داخل الوطن أو خارجه. كما أن هذا الموقف السياسي المدروس، يعكس يقظة الدولة الجزائرية تجاه محاولات استغلال الجالية لأغراض انتخابية أو سياسية، خاصة من طرف وجوه محسوبة على تيار لطالما أظهر عداءً مبيّتًا تجاه كل ما يمت للجزائر بصلة، تاريخًا وحاضرًا.
تصريحات بلا سند قانوني
في هذا السياق، جاء توضيح المصدر الرسمي بوزارة الخارجية الجزائرية ليضع النقاط على الحروف، حيث أكد بأن استصدار جوازات السفر هو حق سيادي تكفله الدولة الجزائرية لمواطنيها، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تخضع هذه الوثائق لمزاجية سياسية أو تعليمات خارج إطار القانون. علاوة على ذلك، فإن الجوازات التي تصدرها القنصليات الجزائرية لا تُمنح عبثًا، بل تُصدر بناء على طلبات صادرة من المحافظات الفرنسية ذاتها، في إطار تسوية وضعيات الإقامة، الأمر الذي يجعل من تصريحات وزير الداخلية الفرنسي انقلابًا على ممارسة إدارية معمول بها، وليس مجرد اقتراح سياسي.
كذلك، فإن عدم الاعتداد بهذه الجوازات، كما توعد الوزير الفرنسي، لا يمثل فقط خرقًا واضحًا للحقوق الفردية للمهاجرين، وإنما أيضًا خرقًا للاتفاقيات الثنائية بين الجزائر وفرنسا والتي يفترض أن تحكم العلاقات بين البلدين، لا أن تُداس كلما احتاج طرف ما إلى ورقة انتخابية مربحة، حتى وإن كانت على حساب مبادئ القانون والدستور.
تضارب السلطات في فرنسا
في نفس السياق، يطرح تدخل وزير الداخلية الفرنسي في مجال يفترض أن يكون من صلاحيات وزارة الخارجية، بل ومن صلاحيات رئيس الجمهورية الفرنسية نفسه، إشكالية أعمق تتعلق بتضارب السلطات داخل الجمهورية الخامسة. فهل أصبح من المسموح لوزير، أيًّا كانت خلفيته السياسية، أن يصدر قرارات تتعلق بالتعامل مع دول ذات سيادة خارج إطار التنسيق مع الخارجية الفرنسية؟ وهل ما يقوم به روتايو يعكس موقفًا رسميًّا لفرنسا، أم أنه مجرد تجاوز من وزير تحوّل إلى عبء على صورة بلاده الخارجية؟
الأسئلة كثيرة، غير أن ما هو واضح أن هذا النوع من التصرفات، التي تتصف بالتعسف والتمييز، يكشف عن غياب المرجعية السياسية الموحدة داخل الدولة الفرنسية، وعن عمق الأزمة المؤسساتية التي تعيشها فرنسا، حيث تغدو السلطة أداة لتغذية الصراعات الداخلية بدل أن تكون وسيلة لتأمين حقوق المواطنين والمقيمين على حد سواء.
الجزائر تدافع عن سيادتها
بالإضافة إلى ما سبق، فإن الرد الجزائري لم يكن فقط دفاعًا عن وثيقة رسمية تصدرها الدولة، بل كان موقفًا سياديًا متكامل الأركان، يبعث برسالة واضحة إلى كل الأطراف بأن الجزائر الجديدة، التي خطت خطوات مهمة نحو تثبيت مكانتها إقليميا ودوليا، لن تسمح باستهداف كرامة أبنائها في الخارج، ولا القبول بأي تمييز عنصري قد يُمارس تحت غطاء القانون، وهو في حقيقته ضرب من ضروب الانتقام السياسي أو الشعبوي.
كذلك، فإن هذا الموقف الجزائري يعكس إدراكًا عميقًا لمحاولات بعض الأطراف في فرنسا استخدام ملف الجالية الجزائرية كورقة ضغط أو ككبش فداء يُرمى به في أتون الصراعات الداخلية الفرنسية. وهو أمر ليس بالجديد، إذ اعتاد بعض ساسة اليمين المتطرف في فرنسا اللعب على هذا الوتر، كلما ضاقت بهم الخيارات أو فقدوا القدرة على التأثير في الرأي العام الفرنسي، لكن الجديد هذه المرة أن الرد الجزائري جاء مبكرًا، واضحًا ورافضًا لأي تهاون أو تساهل.
جراح الماضي غير المندملة
في سياق متصل، لا يمكن قراءة هذه التصريحات من الوزير الفرنسي بمعزل عن الخلفيات الأيديولوجية التي يحملها. فالرجل، المنتمي لتيار سياسي يميني متطرف، لطالما أبدى عداءه العلني تجاه الجزائر، ويبدو أن عقدة التاريخ لاتزال تطارده، خاصة حين يتعلّق الأمر بثورة حررت شعبًا من استعمار كانت بلاده جزءًا منه. الجزائر بثورتها وتاريخها تزعج هؤلاء، لأنها تذكرهم بالهزيمة والعار، وهو ما يدفعهم مرارًا وتكرارًا إلى التعبير عن هذه العقدة بشكل أو بآخر، من خلال تصرفات تفتقر إلى اللياقة والاحترام المتبادل بين الدول.
الخطورة في هذا المسار، لا تكمن فقط في الطابع العنصري لهذه السياسات، بل في الرسالة السلبية التي تبعثها الدولة الفرنسية، حين تسمح بأن تُدار بعض الملفات السيادية من طرف سياسيين لا يرون في الجالية الجزائرية إلا عبئًا انتخابيًا، أو أداة للهروب من الأزمات الحقيقية التي تعيشها فرنسا داخليًا.
كرامة الجالية خط أحمر
ومن الواضح أن الجزائر لن تسمح لأحد، كائنًا من كان، أن يعبث بحقوق أبنائها أو أن يستخدمهم كورقة في معركة لا ناقة لهم فيها ولا جمل. والرد الجزائري الحازم لا يأتي فقط لحماية وثيقة رسمية أو للرد على تصريح سياسي طائش، بل هو دفاع عن كرامة شعب وتاريخ أمة، وعن مبدإ جوهري مفاده، أن الجزائر دولة سيدة، تحمي أبناءها في الداخل والخارج، ولن تقف مكتوفة الأيدي أمام أي محاولة للمساس بحقوقهم.
وفي الوقت الذي تتخبط فيه بعض القوى السياسية في فرنسا في أوهام الماضي، وتبحث عن عدو خارجي لتبرير إخفاقاتها، تبقى الجزائر ثابتة في مواقفها وواعية بمصالحها ومدافعة بكل حزم عن كرامة أبنائها، في فرنسا أو في أي مكان آخر.