الفلاحة دافعة التنمية ورافعـة الاقتصـاد الوطنـي

الجزائر الجديدة تحصد ثمار الاستقلال الاقتصادي

خالدة بن تركي

 بوخالفة: القطاع الزراعي عماد السيادة ومستقبل التنمية 

إستراتيجية ناجعة تهدف إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي وضمان الأمن الغذائي

في الذكرى الثالثة والستين لاسترجاع السيادة الوطنية، تبرز الجزائر مكاسبها التنموية، وعلى رأسها القطاع الفلاحي الذي أصبح ركيزة أساسية في الاقتصاد الوطني، فقد وفر أزيد من 2.7 مليون منصب شغل، وساهم بأكثر من 14 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، مؤكدا دوره الحيوي في تحقيق الأمن الغذائي وتقليص التبعية للاستيراد.

يعد القطاع اليوم من أهم الرهانات الاستراتيجية لمستقبل التنمية الاقتصادية في البلاد، لأنه يساهم بشكل كبير في توفير فرص العمل، وزيادة الإنتاج المحلي، وتحقيق الأمن الغذائي، كما يساعد على تقليل الاعتماد على الاستيراد، خاصة في ظل التحديات العالمية، لهذا أصبح هذا القطاع في صميم جهود الدولة لبناء اقتصاد قوي ومتنوع، يخدم المواطن ويضمن تنمية شاملة في مختلف المناطق.
في هذا السياق، أوضح الخبير الفلاحي لعلا بوخالفة في تصريح لـ «الشعب» أن القطاع الفلاحي لم يحظ بالاهتمام الكافي بعد الاستقلال، حيث تم التركيز في تلك المرحلة على قطاعات أخرى، بينما بقيت الفلاحة في مرتبة ثانوية.
لكن مع بداية سنوات الألفين، وفي ظل التغيرات المناخية المتسارعة، وتأثيرات الاحتباس الحراري، إلى جانب الصراعات المتزايدة على مستوى العالم، بدأت الجزائر تدرك أهمية تأمين أمنها الغذائي بشكل جدي، وضرورة تقليص التبعية للأسواق الخارجية.
ولهذا، شرعت الدولة في وضع استراتيجية تهدف إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي وضمان توفير الغذاء للأجيال القادمة، وقد حققت الجزائر تقدما معتبرا في هذا المجال، خاصة في إنتاج الخضروات، الفواكه، واللحوم البيضاء، حيث أصبحت تغطي نحو 75 بالمائة من حاجياتها الغذائية، وهو ما أكدته تقارير من منظمات دولية متخصصة.
ورغم هذه النتائج المشجعة - يضيف المتحدث - تواصل الجزائر العمل على تطوير هذا القطاع الحساس، من خلال اتخاذ جملة من القرارات لتعزيز الأمن الغذائي، لا سيما في ما يتعلق بالمواد الأساسية ذات الاستهلاك الواسع مثل الحبوب، الحليب، اللحوم الحمراء، الزيت، والسكر، فمعظم هذه المواد لا تزال تستورد من الخارج، ما يشكل عبئا على الاقتصاد الوطني، بتكلفة سنوية تقدر بحوالي 10 مليارات دولار.
وأفاد الخبير، الجزائر كانت تستورد أكثر من 80 مليون قنطار من الحبوب سنويا، وهو ما كان يكلف الدولة حوالي 3 مليارات دولار، كما كانت تستورد نحو 600 ألف طن من بودرة الحليب كل سنة، بتكلفة تقارب 1.5 مليار دولار، ومن أجل تقليص هذه النفقات وتعويضها بالإنتاج المحلي، شرعت الجزائر في تنفيذ برنامج لتطوير الزراعات الاستراتيجية، خاصة زراعة الحبوب مثل القمح الصلب واللين، الذرة الصفراء، والشوفان.
وبالنسبة لمواد الحليب، الزيوت، والسكر، أوضح بوخالفة أن الجزائر اعتمدت على زراعة النباتات الزيتية والسكرية لتقليص الاستيراد، وأشار إلى وجود برنامج مكثف في مجال الزراعات الزيتية، خاصة زراعة عباد الشمس، التي تعرف اهتماما متزايدا على مستوى مختلف مناطق البلاد، وتستخدم هذه النباتات لاستخراج الحبوب الزيتية التي تعصر في المصانع، مثل مصنع بحاية، إضافة إلى المصنع الكبير الذي تم استرجاعه بولاية جيجل، والذي سيدخل حيز الخدمة خلال هذا الشهر.
كما تطرق إلى أبرز القرارات التي اتخذت لتطوير هذا القطاع، خاصة ما يتعلق بتشجيع المزارعين والمستثمرين، وتعزيز الشراكات في مجال الزراعات الاستراتيجية. وفي هذا الإطار، تم تعديل قانون الاستثمار والعقار الفلاحي الذي كان يعد من أبرز العراقيل، وذلك تنفيذا لتوجيهات رئيس الجمهورية، الذي شدد على ضرورة إيجاد حل لمشكلة العقار الفلاحي، انطلاقا من مبدأ أن «الأرض لمن يخدمها».
وأشار بوخالفة إلى امتيازات أخرى تخص دعم الإنتاج الفلاحي، من بينها الاهتمام بالبذور والأسمدة، ففي هذا السياق، تم إنشاء البنك الوطني للبذور بهدف تطوير واسترجاع الأصناف المحلية القديمة، أما بخصوص الأسمدة، فقد أوضح أن الجزائر تعد من الدول الرائدة، خاصة في إنتاج مادة «الأوريا 46»، حيث تحتل المرتبة الأولى عالميا وتلبي حاجيات السوق الوطنية، كما أشار إلى مشروع الفوسفات الجاري تنفيذه في تبسة بالشراكة مع شركة صينية، والذي من المنتظر أن يدخل حيز الإنتاج قريبا، وأضاف أن الدولة رفعت نسبة الدعم الموجه للأسمدة من 20 إلى 50 بالمائة، في إطار دعم الفلاحين وتشجيع الإنتاج المحلي.
وتحدث عن برامج السقي الذكي التي أطلقتها الدولة لمواجهة تحديات التغيرات المناخية، في وقت أصبحت فيه المياه موردا نادرا وذا أهمية كبيرة، وبين أن هذه البرامج تهدف إلى ترشيد استهلاك المياه وتوفيرها، من خلال إدماج التقنيات الحديثة في الزراعة، وذلك عبر اتفاقيات تعاون بين وزارة الفلاحة والجامعة ومراكز البحث العلمي، بهدف رفع المردودية وتحسين الإنتاج.
وأوضح الخبير أنه تم التوجه نحو الاستثمار في الصحراء، نظرا لتوفر كل الإمكانات اللازمة، خاصة الموارد المائية، حيث تحتوي على أكبر احتياطي من المياه الجوفية يقدر بنحو 45 ألف مليار متر مكعب، وقد عملت السلطات على تهيئة الظروف الملائمة، من خلال ربط المناطق المعنية بالطاقة الكهربائية وفتح المسالك لتسهيل وصول المستثمرين، كما تم في الفترة الأخيرة توقيع اتفاقيات وعقود مع مستثمرين محليين وأجانب لتنفيذ هذه المشاريع.
وفي هذا السياق، بدأت الجزائر تجني ثمار المجهودات المبذولة، حيث حققت خلال موسم الحصاد لسنة 2025 الاكتفاء الذاتي في مادة القمح الصلب، ومن المرتقب أن تستكمل خلال السنوات المقبلة تحقيق الأمن الغذائي في مادتي الذرة الصفراء والشعير، وهي نتائج تعكس نجاعة البرنامج الطموح الذي أطلقه رئيس الجمهورية للنهوض بالزراعة الاستراتيجية، خاصة في مناطق الجنوب الجزائري.
وعليه، فإن الفلاحة في الجزائر لم تعد مجرد نشاط تقليدي، بل أصبحت اليوم قطاعا مهما وحيويا يساهم في تنويع الاقتصاد وتعزيز استقراره، وفي هذه المناسبة الوطنية، يزداد دعم هذا القطاع أهمية، لأنه يجسد معاني السيادة والاستقلال، ويستجيب في نفس الوقت لحاجات التنمية والاستقرار.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19814

العدد 19814

السبت 05 جويلية 2025
العدد 19813

العدد 19813

الخميس 03 جويلية 2025
العدد 19812

العدد 19812

الأربعاء 02 جويلية 2025
العدد 19811

العدد 19811

الثلاثاء 01 جويلية 2025