ليــس مجــرد جمهــور موسمــي يعــود صيفـــا بـل جزء أساسي من نسيج الأمة
إعــادة بنــاء جســور الثقة وتحسّن ملمــوس في مستـــوى الخدمــات
بن رقيـــة: الرئيس تبون جعل الجالية عنصــرا فعـالا في التنميـة الوطنية
بن عـلاق: مقاربـــة الرئيس تبـون تؤسس علاقـة مستدامة مع الجاليـة
منح رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، للجالية الوطنية المقيمة بالخارج، اهتمامًا بالغًا، ووضعها في صلب سياساته، ضمن إستراتيجية قويمة رامية إلى تعزيز روابطها مع الوطن الأم، وإشراكها بفعالية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية الوطنية.
شدد رئيس الجمهورية في آخر اجتماع لمجلس الوزراء، تناول التحضيرات لموسم الاصطياف وترتيبات استقبال الجالية الوطنية بالخارج، على ضرورة اتخاذ كافة الإجراءات والتدابير اللازمة لضمان تكفل أفضل، وتقديم خدمات مفيدة لأفراد الجالية عبر المطارات والموانئ، بالنسبة لحاملي جوازات السفر الجزائرية طيلة فصل الصيف، وهذا باعتماد التسهيلات الممكنة لتبسيط الدخول إلى الوطن.
وفي هذا الشأن، قال رئيس الإتحاد العام للجزائريين بالمهجر، سعيد بن رقية، إن رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، لم يتردد ولم يقصر منذ توليه مقاليد الحكم، في خدمة ومرافقة الجالية الوطنية، واعتبرها جزءا لا يتجزأ من الوطن، وفعّل جسور التواصل معها، وفتح كل مجالات التكفل والعناية الخاصة بها.
وأوضح سعيد بن رقية، في تصريح أدلى به لـ«الشعب”، أن رئيس الجمهورية أصبح يجدد توصيات وتعليمات الاهتمام بأفراد الجالية في كل مناسبة لاحت له، خاصة مع بداية العطلة الصيفية، أين يتوافد عدد كبير من أبناء المهجر لقضاء العطلة في الوطن الأم مع ذويهم وأقاربهم.
وأضاف بن رقية أن الرئيس أسس لقطيعة مع المرحلة السابقة في التعامل مع الجالية، وأدرجها كعنصر فعال في التنمية الوطنية.
التعليمات الرئاسية الصادرة في مجلس الوزراء الأخير، أثلجت صدور أفراد الجالية الوطنية المقيمة بالخارج، وعززت من ثقتها في وطنها، وقلصت الهوة معه، وفقًا للمتحدث.
كما أشار بن رقية إلى أن استقبال المطارات عبر التراب الوطني، صار مميزا وبخدمات جيدة للجالية، في انتظار أن يشمل هذا الوضع موانئ الولايات الساحلية.
من التسهيلات الموسمية إلى الشراكة الإستراتيجية
يؤكد الخبير في القانون الدولي والشؤون الدبلوماسية معتمد بالاتحاد الأوروبي، الدكتور حمزة بن علاق، أن قرارات رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، لفائدة الجالية الوطنية في الخارج، تعد خطوة إيجابية، تعكس تحوّلًا استراتيجيًا في مقاربة الدولة الجزائرية تجاه مواطنيها المقيمين بالخارج.
وقال الدكتور حمزة بن علاق، وهو أستاذ باحث بجامعة الحرية بولاية فرجينيا في الولايات المتحدة الأمريكية، إن اجتماع مجلس الوزراء المنعقد يوم الاثنين 16 جوان 2025، برئاسة رئيس الجمهورية، أخذ حيزًا هامًا للجالية الوطنية، في ظل التحضيرات الجارية لموسم الاصطياف، من أجل تفعيل ترتيبات تسهيلية خاصة باستقبال المغتربين الجزائريين العائدين إلى أرض الوطن.
وأبرز بن علاق، في اتصال مع “الشعب”، أن التوجيهات الرئاسية جاءت في سياق يتجاوز الطابع الموسمي التقليدي المرتبط بعطلة الصيف، لتعبر عن رؤية جديدة تُعيد رسم العلاقة بين الدولة وجاليتها بالخارج، وتُدرج هذه الفئة في صلب السياسات العمومية، باعتبارها مكونًا بنيويًا من مكونات الأمة الجزائرية، ورافعة أساسية في مختلف الميادين الاقتصادية والثقافية والدبلوماسية.
ولفت محدثنا إلى أن المقاربة التي تبناها رئيس الجمهورية، في هذا الجانب، لا تقتصر على تسهيل ظروف العودة المناسباتية، بل تحمل أبعادًا أعمق تؤسس لعلاقة مستدامة بين الوطن وأبنائه في الخارج، قوامها التكامل والشراكة، وهو ما يتماشى مع التوجهات المعلنة للدولة الرامية إلى إشراك الكفاءات الجزائرية في الخارج في مسار التنمية الوطنية.
وأثبتت الجالية الجزائرية، التي يُقدّر عدد أفرادها بنحو سبعة ملايين عبر العالم، في العديد من المراحل، مستوىً عاليًا من الارتباط بالوطن، سواء من خلال المساهمات الاقتصادية والاستثمارية، أو من خلال الأدوار التي تلعبها في الدفاع عن صورة الجزائر ومصالحها العليا في الخارج، لا سيما في ضوء ما تشهده الجغرافيا الدولية من تحولات عميقة وتغيّرات جيوسياسية مثيرة للقلق، وفقا للمصدر ذاته.
وتابع الدكتور: “التسهيلات التي وجّه رئيس الجمهورية إلى تفعيلها، تشمل بوضوح الإجراءات الأمنية والإدارية واللوجستية في مختلف المنافذ الحدودية، كما تضع المسؤولية المباشرة على عاتق القنصليات والسفارات الجزائرية، التي يُفترض أن تتحول إلى مراكز خدمات متقدمة، توفر الرعاية الإدارية والقانونية والاجتماعية للجالية، وتلعب دورًا فاعلًا في ربطها بالوطن.
كما يتزامن هذا التوجه، مع دعوات متزايدة في أوساط الجالية ذاتها لتحديث آليات العمل القنصلي، وتوسيع مجالات الاستثمار للمغتربين، وتسهيل انتقال رؤوس الأموال والخبرات إلى الوطن، فضلاً عن تعزيز حضورهم الرمزي في الفضاء الداخلي، من خلال الإعلام، والتكوين، والمشاركة في الفعاليات الوطنية الكبرى”.
ومن جهة أخرى، أفاد بن علاق، أن هذه الخطوة الرئاسية البنّاءة، تعكس استجابة واضحة للانتقادات السابقة بشأن غياب التكفل الفعلي بالجالية، سواء في ما يخص الخدمات أو التواصل المؤسساتي، وهو ما فرض اليوم الانتقال من مستوى التوجيه السياسي إلى التنفيذ الفعلي من قبل جميع الهياكل المعنية، وفق مؤشرات أداء إيجابية واضحة وقابلة للقياس.
ويُنتظر أن تُسفر توجيهات رئيس الجمهورية، عن تحسّن ملموس في مستوى الخدمات، خلال موسم الاصطياف الحالي، ما من شأنه إعادة بناء جسور الثقة بين الجالية والدولة، ويؤسس لنقلة نوعية في التعامل الرسمي مع هذا المكوّن الحيوي من الشعب الجزائري.
طاقة في خدمة التنمية والسيادة الوطنية
أوضح الأستاذ بن علاق أن الجالية الجزائرية بالخارج، ليست مجرد جمهور موسمي يعود إلى الوطن في الصيف، بل هي جزء أساسي من نسيج الأمة، وفاعل اقتصادي وثقافي واستراتيجي يمكنه أن يلعب دورًا محوريًا في تحقيق أهداف الجزائر الجديدة، متى توفرت الإرادة السياسية والرؤية المؤسساتية الكفيلة بتحويل هذا الرصيد الرمزي والديمغرافي إلى طاقة حقيقية في خدمة التنمية والسيادة الوطنية.
ولعلّ ما يُميز مجلس الوزراء الأخير عن سابقه، ليس فقط نبرة الحزم في خطاب الرئيس، وإنما أيضًا المنحى التنفيذي الذي أُعطي لهذه التعليمات، حيث تم توجيه أوامر صارمة للشروع الاستعجالي في التجسيد الميداني للتسهيلات المقررة لفائدة الجالية.
كما سيجري تفعيل اللجنة الوطنية الدائمة للتكفل بالجالية الجزائرية في الخارج، المشكلة وفقًا للمرسوم التنفيذي رقم 21-83 المؤرخ في 25 فيفري 2021.
وتحدث بن علاق عن رقمنة المعاملات وتبسيط الخدمات القنصلية في إطار التحول الرقمي للدولة، حيث تمّ اعتماد برنامج استعجالي رقمي بالشراكة مع الجهات المعنية، يهدف إلى إطلاق بوابة إلكترونية مخصصة للجالية (e-djazair.dz)، تتيح حجز المواعيد، تعبئة البيانات، وتقديم شكاوى الدخول، وتعميم خدمة التصريح الإلكتروني المسبق عبر القنصليات، لتقليص مدة الانتظار في المنافذ الحدودية بنسبة 40%، وكذا توفير تطبيق هاتفي خاص بالمغتربين يرسل إشعارات حول الرحلات، المعابر، والخدمات القنصلية المتوفرة.
من اللحظة الرمزية إلى التحول المؤسساتي
يرى الأستاذ الباحث بجامعة الحرية بولاية فرجينيا في الولايات المتحدة الأمريكية، الدكتور حمزة بن علاق، أن الانتقال من إعلان النوايا، إلى إقرار إجراءات تنفيذية محددة بمراسيم تؤسس لمسار دائم، يُعدّ تقدمًا نوعيًا في ملف الجالية الوطنية، يُترجم الإرادة السياسية للرئيس تبون.
وأشار إلى أن الجالية الجزائرية لم تطلب سوى التكفل الكريم والمعاملة اللائقة، وقد وجدت اليوم صدى لمطالبها في أعلى هرم الدولة، إذ يبقى الرهان الأكبر على التجسيد الميداني، عبر مؤسسات فاعلة، ومسؤولين ملتزمين، وشفافية في المتابعة.
بهذه الرؤية، تكون الجزائر قد خطت خطوة أخرى نحو تأكيد بعدها العالمي، لا فقط من خلال علاقاتها الدولية، بل عبر قدرتها على احتضان كل جزائري، مهما بعدت به الجغرافيا، ضمن وطن رحب، عصري، وسيادي، يختم بن علاق.