المقاربـة الجـزائرية تظلّ الأكثر نجاعة والأعلـى كفـاءة

رمـال السّاحل تبتلـع أوهام الطغمة الانقلابية في مالي

حمزة - م

حلّ أزمات السّاحل الإفريقي..التّنمية الاقتصادية والتّضامن

 تزايدت الأنشطة الإرهابية والعمليات المسلّحة بشكل كثيف في الساحل الإفريقي خلال الأسابيع الأخيرة، مؤكّدة - مرة أخرى - فشل خيار الحسم العسكري، وصحة المقاربة الشاملة التي تقدّمها الجزائر وتدعمها الأمم المتحدة، باعتبارها ركيزة لبناء السّلم المستدام.

 حصل قادة الانقلاب العسكري في مالي على المعركة التي طالما سعوا إلى خوضها بفوهات البنادق وبدعم من المرتزقة الأجانب، ضاربين عرض الحائط بالأطر الدولية للسلم والاستقرار، وعلى رأسها اتفاق السلم والمصالحة الذي قادت الجزائر جهود الوساطة الدولية بشأنه، بطلب من الحكومة المركزية في باماكو قبل عشر سنوات.
لكن رياح هذه المعركة لا تجري بما تشتهي سفينة الانقلابيّين، حيث تتكرر يوميًا مشاهد إغارة الإرهابيين على نقاط وتجمعات الجيش المالي، والسيطرة عليها، واستعراض ما تمّ الاستيلاء عليه من عتاد حربي ولوجستي يُستخدم لاحقًا في هجمات أخرى دامية.
وبينما كان قادة الانقلاب يركّزون عمل طيرانهم المسيّر قرب الحدود الجزائرية، في منطقة تين زاواتين، تبيّن أن التنظيمات الإرهابية في وسط البلاد وشرقها، قرب الحدود مع النيجر وبوركينا فاسو، قد شكّلت جيوشًا مدججة بالأسلحة، وطوّرت عملياتها باستخدام المسيّرات وتوثيق هجماتها الدامية.
وفي شمال مالي، تجدّدت المواجهات المسلحة بين الجيش المالي والفصائل الموقعة على اتفاق السلم والمصالحة الذي تنصّل منه الانقلابيون. وأفادت تقارير إعلامية، أمس الأول، بوقوع اشتباك دموي في منطقة «أكلهوك» قرب كيدال، تكبّد فيه الجيش، المدعوم بالمرتزقة الأجانب، خسائر في الأرواح والمعدات، مع وقوع أسرى في يد الفصائل المسلّحة، حسب ما تمّ توثيقه.
كل المؤشّرات تُثبت تزايد النشاط المسلح في منطقة الساحل الإفريقي خلال الأسابيع الستة الأخيرة، بشكل مضاعف، أعاد المنطقة إلى نقطة الصفر من الناحية الأمنية، في حين يبقى الخاسر الأكبر من هذا الوضع هو شعوب المنطقة التي سيطول انتظارها أكثر لنيل السكينة والحقوق في التنمية الشاملة.
وتشير المعطيات الميدانية إلى سيطرة الجماعات الإرهابية على مساحات إضافية، بعدما ظهر مجددًا افتقار جيوش دول المنطقة إلى الجاهزية العملياتية والقتالية المطلوبة، رغم الخطاب الإعلامي للانقلابيين الذي ركّز بشكل حماسي مفرط على «السيادة».

تجريب الحل الفاشل

 انهيار الهدوء النسبي الذي شهدته المنطقة، وتحديدًا مالي، قبل خمس سنوات، يعود إلى الرغبة الجامحة لدى الانقلابيين في خوض معركتهم الخاصة تحت مبرر بسط السيطرة المطلقة والنفوذ بالقوة العسكرية، ولا شيء غيرها.
وقد بلغ عبث الانقلابيّين بالساحل حد التخلي عن كافة الأطر الدولية التي تأسّست سنة 2013 لإنقاذ الدولة المركزية في باماكو من الانهيار، وعلى رأسها البعثة الأممية المدمجة «مينوسما» التي عكست بوضوح نية المجتمع الدولي في مساعدة هذه الدولة.
ولم يأتِ تحرّك المجتمع الدولي من فراغ، فقد لعبت دول وازنة، في مقدمتها الجزائر، دورًا محوريًا في تعبئة المواقف الداعمة لوحدة مالي الترابية والوطنية، وقبلت تولي قيادة وساطة دولية أفضت إلى اتفاق السلم والمصالحة الموقّع عام 2015.
وقد تطلّب إعداد هذا الاتفاق ثمانية أشهر من العمل المكثف دون انقطاع، ما سمح في النهاية بتحييد العديد من المخاطر الوجودية التي هدّدت الجارة الجنوبية، ومنحها قرابة عشر سنوات من الهدوء النسبي، أعادت خلالها بناء مؤسّساتها الدستورية والدائمة.
لكن نزعة «السيادة المفرطة» لدى بعض النخب السياسية والعسكرية في مالي أعادت المؤشر إلى نقطة الصفر، عندما فضّلت تجريب الخيار العسكري، والاستعانة بالمرتزقة الأجانب وبعض أسراب الطيران المسيّر، معتقدة أنّها قادرة على الحسم في غضون أيام معدودة.
إلا أن وقائع الميدان أثبتت أن خيار الانقلابيين، المسيطرين على مقاليد الحكم منذ خمس سنوات، ليس سوى تجربة جديدة لحل فاشل جُرّب في محطات عدة من تاريخ مالي، وحقق النتيجة نفسها..الفشل.

الجزائر..المقاربة الشّاملة

 لا شك أنّ خسائر الجيش المالي، بدأت تُثير مشاعر الإحباط التي ستحل محل مشاعر الأمل والتفاخر بالحسم، نتيجة الاعتماد على حلول ضيّقة.
كانت الفرصة سانحة أمام الانقلابيّين للمضي قدمًا في إعادة تقويم مسار الدولة منذ عام 2021، دون العبث في شمال البلاد، أين تجتمع تهديدات وتحديات معقدة تشمل الإرهاب والجريمة المنظمة، ومطالب وحقوق السكان المحليين.
ولم يكن من الصّواب، لا سياسيًا ولا أخلاقيًا، التنكّر للدول والمنظمات التي ساعدت مالي في أحلك ظروفها، بنيّة صادقة، وعلى رأسها الجزائر والأمم المتحدة.
فقد أوقف قادة الانقلاب الدور الأممي عبر البعثة المدمجة، وتنصّلوا من اتّفاق السّلم بطريقة استعراضية فجّة، أرادوا من خلالها تصوير الجزائر كطرف خارجي متدخّل، لتبرير السيطرة على الحكم والبقاء فيه بطريقة غير دستورية.
حدث ذلك بكثير من سوء النية، وبمنطق التنافس على النفوذ الإقليمي بدلًا من قيم حسن الجوار التي كانت دومًا بمثابة الإسمنت الصلب الذي يربط دول الساحل.
ويُعد الحوار والمصالحة من القيم التي لطالما وضعتها الجزائر ضمن مقاربتها الشاملة، إلى جانب التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والتضامن، ورفض التدخل في الشؤون الداخلية كسبيل لحل الأزمات في الساحل الإفريقي.
مقاربة دعّمتها الأمم المتحدة بقوة، وكذلك الدول الكبرى، باعتبارها الطرح الأكثر عقلانية ونجاعة لتلبية تطلعات شعوب المنطقة، بعيدًا عن الأجندات الضيقة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19797

العدد 19797

الأحد 15 جوان 2025
العدد 19796

العدد 19796

السبت 14 جوان 2025
العدد 19795

العدد 19795

الخميس 12 جوان 2025
العدد 19794

العدد 19794

الأربعاء 11 جوان 2025