تعتبر المجاهدة وارد عقيلة، أحداث 17 أكتوبر 1961 محطة هامة في تاريخ الجزائر، لا بد أن تعرفها الأجيال المتعاقبة، لأنها فضحت المستعمر الغاشم أمام العالم، حيث ما تزال صور المجزرة شاهدة على فضاعة ما حدث بنهر “السين” بباريس، وقد تحدثت بالتفاصيل عن هذا اليوم من منبر «ضيف الشعب».
تقول المجاهدة بعدما أحست السلطات الاستعمارية بأن نضال الجزائريين امتد إلى أرض فرنسا، أرادت أن تقطع كل طريق أمام المناضلين فلجأت إلى إصدار قرار حظر التجول في 5 أكتوبر 1961 طبقه السفاح موريس بابون بصرامة على الجزائريين المغتربين، مرسلا تعليمات لمختلف الدوائر الأمنية بباريس بمنع خروجهم إلى الشارع من الساعة الـ8 والنصف مساءا إلى الـ5 والنصف صباحا، وقد كان ذلك أحد أنواع القهر مارسته دولة من مبادئها الحرية والعدالة، وكان الهدف منه “تحطيم فيدرالية جبهة التحرير بفرنسا”.
كان القرار مستفزا دفع بفيدرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا لعقد اجتماع طارئ يوم 10 أكتوبر، تقرر من خلاله القيام بمسيرة سلمية حدد لها في الأول موعد 14 أكتوبر، لكن تم تأجيله إلى 17 أكتوبر لأسباب تنظيمية، واسترسلت المجاهدة بدار تقول أنه تم تقديم تعليمات للمناضلين والمناضلات بعدم المشاركة في هذه المسيرة حتى لا يثيروا انتباه السلطات الأمنية الفرنسية.
غير أن المجاهدة وارد التي كانت تحمل اسم “جاكلين” أرادت المشاركة بطريقتها، وبدون أن تشعر أحد بذلك، قالت أنها وقفت على جانب رصيف محاذي للطريق الذي سارت فيه قوافل من الجزائريين، فالجميع أراد أن يسمع صوته لفرنسا الاستعمارية، ويطالبها بأن تطبق مبادئ ثورتها.
وشكلت المسيرة كما ذكرت فرصة للشرطة الفرنسية آنذاك لتقضي على اكبر عدد من الجزائريين، فقامت بإلقاء القبض على الجزائريين وتعذيبهم ومنهم من ألقته في نهر “السين” بباريس، وتؤكد المجاهدة أنها شاهدت بعينها الوحشية التي تعامل بها أعوان الأمن مع المتظاهرين السلميين، حيث لم يستثنوا أحد منهم لا طفل ولا امرأة، مستعملين مختلف أنواع الأسلحة، وكان من بين الشهداء الذين سقطوا في ذلك اليوم الشهيدة فطيمة بدار صاحبة 15 سنة.
توقفت المجاهدة وارد خلال حديثها عن أحداث 17 أكتوبر أمام الشهيدة فطيمة بدار، التي لم تنل حقها الحديث كبقية الشهداء، قالت المجاهدة وهي تعرف أهل الفقيدة، أن والديها قالا لها أن تمكث في البيت لحراسة إخوتها الصغار، بينما خرجا للمشاركة في المسيرة، لكن الطفلة كانت قد طلبت المشاركة في هذه الأخيرة، وقد فعلت ذلك حيث أنها وبمجرد مغادرتها للمدرسة التحقت بالمتظاهرين، وتشاء الأقدار أن تكون من بين الضحايا الذين سقطوا في نهر “السين”.
وتضيف أنه لم يكن من السهل العثور على جثة الفقيدة لأنها أمضت وقتا قي النهر، وكانت قد بدأت تتحلل، لكن والدها تعرف عليها من خلال ظفيرتيها السوداويتين، ما تزال المجاهدة تحتفظ في ذاكرتها بهذه الشهيدة التي قدمت حياتها من أجل الجزائر وهي ما تزال في عمر الزهور.
وتستشهد المجاهدة بوحشية المستعمر بكتابات لفرنسيين شهدوا الأحداث الأليمة بباريس ذات 17 أكتوبر سنة 1961، منهم الكاتب “جان لوك” الذي أشار إلى أن عدد الشهداء الذين سقطوا في ذلك اليوم يصل إلى 300 شهيد.
وهنا تظهر المجاهدة قائمة لأسماء الشهداء، غير أن عددا كبيرا منهم غير معروفين، لأن المستعمر قد جردهم من كل وثائقهم قائلة “هل يوجد أبشع من هذا” وهذا أكثر ما آلمها، لأنهم أناس كانوا متواجدين وعاشوا ودافعوا عن الجزائر بأرواحهم، وهذا ما جعلها تستنكر بشدة، وتؤكد على ضرورة أن تعرف الأجيال القادمة الفاتورة الباهظة التي دفعتها الجزائر لافتكاك الحرية، ولا بد أن يحافظوا على هذه المكاسب وعليهم أن يعوا جيدا بان الاستقلال أُخذ بقوة السلاح والحنكة الدبلوماسية التي تميز بها قادة الثورة الذين كان لها احتكاك مع البعض منهم.
الشرطة الفرنسية طمست أسماءهم
قائمة كبيرة من ضحايا «السين» غير معروفين
حياة / ك
شوهد:288 مرة