خطـاب اليمـين الفرنسي امتداد للسردية الكولونيالية.. عربي لادمي:

عــار الاستعمار الفرنسي لـن يمحـوه صـراخ التيــار الحاقد

علي عويش

الحقائــق التاريخية أكــبر مـن دعايـــات الحاقديـن المغرضة

يأتي إحياء الجزائر للذكرى الثمانين لمجازر 08 ماي 1945، وتمسكها بالذاكرة الوطنية، في سياق علاقة متأزمة مع فرنسا، وخاصة مع تيار حاقد عبّأ وسائل الإعلام المتطرفة ضد كل ما هو جزائري، مع محاولة تقديم سردية مزيفة تطفئ الحقيقة التاريخية، لكن عار جرائم الاستعمار الفرنسي لن يمحوه صراخ أحفاد منظمة الجيش السري الإرهابية، بحسب أستاذ العلاقات الدولية الدكتور عربي لادمي.

 كشف أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة تامنغست، د. محمد عربي لادمي، أن خطاب اليمين المتطرّف في فرنسا، اليوم، هو امتداد لسردية كولونيالية قديمة تسعى الجهات التي تقف خلفها إلى تبييض صفحة الاستعمار الفرنسي، وتقديمه كمشروع حضاري بدلاً من كونه غزواً دموياً، خاصةً في سياق صعود الخطابات الشعبوية المعادية للهجرة والمهاجرين.
واستطرد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة تامنغست، قائلاً: إن هذا التوجه العدائي الذي يمارسه اليمين الفرنسي المتطرّف، زادت حدّته عشية أحياء الجزائر لذكرى مجازر 08 ماي 1945، مبرزاً أهمية وسائل الإعلام الوطنية في الحفاظ على الذاكرة الجماعية وتعزيز الوعي التاريخي بحقيقة ما كان عليه الاستعمار الفرنسي.
وأضاف المتحدّث، أن هذه السردية اليمينية المتصاعدة، تهدف في جانب منها إلى طمس الذاكرة التاريخية للجزائريين، عبر نفي الجرائم التي ارتكبها المستعمر الفرنسي في حق الشعب الجزائري، من أجل قطع الطريق أمام أي مطالب جزائرية بالاعتذار أو التعويض التاريخي والرمزي في إطار فتح ملف الذاكرة.
 هذا الخطاب المتعالي لا يأتي من فراغ، بل في سياق أوسع يتّسم بعودة النزعة القومية المتطرّفة في أوروبا وإعادة الاعتبار للهوية الفرنسية، حتى وإن كان ذلك على حساب الحقائق التاريخية وذاكرة الشعوب التي عانت من ويلات الاستعمار.
وتابع عربي لادمي قائلاً، إن عويل اليمين الفرنسي المتطرّف لا يعدو كونه “جعجعة بلا طحين” وخطابا سياسيا فارغا يحمل رسائل سياسية مباشرة للجزائر بهدف الاستفزاز، كما أنه يأتي لاستمالة الطبقة السياسية المحافظة في فرنسا، من خلال استخدام نبرة منقّحة تخدم الأجندات الانتخابية. مشيراً الى اعتماد هذه “الزمرة” على خطاب مشحون بالكراهية والعنصرية تجاه الجزائر والجزائريين قصد تقديم النموذج الفرنسي كقوة حضارية ترفض الاعتراف بجرائم الاستعمار أو تقديم أي اعتذار، وهو ما يتناقض تماماً مع الخطاب الرسمي الذي انتهجه الرئيس ماكرون، بحسب تعبيره.
اليمين الفرنسي المتطرّف، يبني منهجه العدائي تجاه الجزائر على إنكار واضح للمجازر المرتكبة في حق الجزائريين إبان فترة الاستعمار، والحيلولة دون فتح ملف الذاكرة بين الجزائر وفرنسا، وهي سياسة قائمة على النفي والتشويه وتجاهل الحقائق المُثبتة بالأدلة الدامغة، واعتبار الاستعمار الفرنسي للجزائر كإرث حضاري لا فصلاً مظلماً من التاريخ الأسود لفرنسا.
ولَفَتَ المتحدث إلى أن اليمين الفرنسي المتطرّف يسعى إلى التشكيك في جرائم الإبادة المرتكبة في حق الجزائريين، بما فيها مجازر 08 ماي 1945، مستذكراً العلاقة التاريخية التي كانت تربط الجزائر بفرنسا ووقوع هذه الأخيرة تحت رحمة الأسطول الجزائري في البحر المتوسّط وتورّطها في ديون أثقلت كاهل حكّام فرنسا أنذاك، ما دفع بها إلى غزو الجزائر وانتهاجها سياسة الأرض المحروقة التي أثبتت للعالم أنها دولة همجية اعتمدت على القتل والنهب والتنكيل للهروب من داخلها المضطرب.
ويأتي خطاب اليمين الفرنسي المتطرّف –بحسبه- ليعكس حقيقة هذه الزُمرة التي لم تعد تخجل من خطاباتها الكولونيالية المقيتة، وتبنيها الواضح والصريح لموقف عدائي تجاه الجزائر وتاريخها، مشيراً في السياق إلى أن هذا الخطاب رغم كونه محليا في ظاهره، إلا أنه يحمل رسائل استفزازية مباشرة موجّهة للجزائر، مفادها رفض الاعتراف بالماضي الدموي للاستعمار الفرنسي للجزائر.
وأوضح المتحدّث، أن مجابهة العدائية اليمينية تفرض على وسائل الإعلام اتخاذ جملة من التدابير والإجراءات الكفيلة بإيقاف الخطابات الاستفزازية وتحصين الأجيال الجديدة من العبث الفكري والتاريخي الذي يحاول اليمين الفرنسي المتطرّف تنفيذه، من خلال إنتاج مواد وثائقية ودرامية عالية الجودة تسلّط الضوء على عراقة التاريخ الجزائر وعِظم ثورتنا المجيدة وبشاعة المجازر وظروفها الدولية آنداك.
وذهب المتحدث إلى أبعد من ذلك، حيث دعا إلى فضح السياسة الاستعمارية الفرنسية وإرثها الأسود في الجزائر، عبر تفعيل آلية إعلامية رقمية لنقل الذاكرة الوطنية من الرفوف إلى وسائل الإعلام العالمية وتدويل القضية من خلال إشراك الإعلام العالمي النزيه والمؤسسات الحقوقية لتسليط الضوء أكثر على ما عاشه الجزائريون إبان فترة الاستعمار الفرنسي.
وخلُص المتحدّث إلى أن فصل خطاب اليمين الفرنسي المتطرّف عن خلفيته التاريخية التي تتنكّر وتشكّك في المجازر الفرنسية في الجزائر، “ضربٌ من الخيال”، حيث تسعى هذه الفئة إلى إعادة كتابة التاريخ بما يخدم مصالحها السياسية، وتقزيم المكانة الدولية للجزائر، مجدداً التأكيد على ضرورة وقوف الإعلام الوطني ومختلف النُّخب في وجه هذه الحملة وعدم الاكتفاء بردود الفعل، بل نقل المعركة إلى مرحلة جديدة تكون شاملة وتهدف إلى الدفاع عن الذاكرة وإبراز حقيقة التاريخ من أجل قطع الطريق أمام فرض روايات منقوصة ودعايات مُغرضة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19767

العدد 19767

الخميس 08 ماي 2025
العدد 19766

العدد 19766

الأربعاء 07 ماي 2025
العدد 19765

العدد 19765

الثلاثاء 06 ماي 2025
العدد 19764

العدد 19764

الإثنين 05 ماي 2025