حذر، أمس، زين زيدان، رئيس بعثة صندوق النقد الدولي إلى الجزائر، من استمرار ضخ النفقات خلال العشريتين القادمتين، متوقعا أن تسفر عن مؤشرات جد سلبية، واصفا إلغاء المادة 87 مكرر من قانون العمل بأنه رفع كتلة الأجر في قطاع الوظيف العمومي بشكل قياسي، داعيا إلى التحكم فيه وعقلنته. وكشف عن تسجيل تحسّن محسوس للأداء الاقتصادي خلال السداسي الأول من سنة 2014، متوقعا أن يبلغ نمو إجمالي الناتج المحلي الخام 4 من المائة، والذي لم يتعد خلال السنة الفارطة 2.8 من المائة، في ظل ترقب تحقيق قطاع المحروقات إنتعاشا في الإنتاج لأول مرة بعد التراجع المسجل منذ نحو 8 سنوات.
أكد رئيس بعثة صندوق النقد الدولي إلى الجزائر زين زيدان، بعد أسبوع من المحادثات مع جميع الفاعلين الاقتصاديين والسياسيين وحتى منظمات المجتمع المدني، أن جميع المؤشرات الاقتصادية في الجزائر خلال المرحلة الراهنة إيجابية، وتتجه نحو نمو تصاعدي، ومن المقرر أن تنهي الجزائر سنة 2014 بنمو خفيف في ظل عودة نمو إنتاج المحروقات بعد 8 سنوات من التراجع. وأبدى زيدان ارتياحه بشأن التضخم، وقال إنه سجل تباطؤا حادا، كونه انخفض إلى أقل من 2 من المائة بفضل ما أسماه صرامة السياسة النقدية، مقترحا مراقبته عن كثب في ظل احتمال بروز ما وصفه بضغوط التضخم الجديدة.
وأعلن رئيس بعثة صندوق النقد الدولي عن سلسلة من المخاوف والتحذيرات، ذكر أنه سيدرجها في تقريره، يتعلق الأمر بوقوفه على مؤشرات تدعو إلى الحذر، خاصة أمام توسع العجز في الميزانية وللمرة الأولى بعد نحو 15 سنة، وبالتالي تسجيل تراجع في الميزان الخارجي. ويتطلب ذلك، أضاف زيدان يقول، الحيطة مستقبلا في انتهاج وتسطير خطة الميزانية بهدف السيطرة على العجز المالي، وتبني بالموازاة مع ذلك سياسات تشجع على تقوية وتكثيف الصادرات من المحروقات ومن عدة قطاعات أخرى ومن مختلف المنتوجات.
ويرى زيدان، أن للجزائر مؤهلات كبيرة من حيث الموارد البشرية والطبيعية، وتحوز على جميع مفاتيح التطور السريع واستحداث مناصب شغل، متأسفا أن تصنّف في المرتبة 150. وما ينتظرها، أن تُهيّأ ظروف لتقفز إلى مصاف الدول الناشئة واستغلال احتياطي الصرف وما يتمتع به من تميز في الثروة لتكون قوة اقتصادية.
وأطلق زيدان سلسلة من المقترحات التي يمكن للجزائر أن تنطلق منها لتؤسس لاقتصاد منتج وقوي تفتك به المكانة التي تستحقها على الصعيد الدولي وفي صدارتها تعزيز الاقتصاد الكلي والسياسة النقدية وتبني ميزانية حذرة يحافظ فيها على استقرار الأسعار، مع مواصلة الإصلاحات على صعيد تطهير مناخ الأعمال وتسهيلات وانفتاح على الاستثمار وبذل الجهود لتحقيق التطور المالي وتحصيل جبائي أكبر وتقليص النفقات العمومية، وانتهاج سياسة تقليص الاستهلاك المحلي للطاقة والتوجه للتصدير بشكل أكبر. وأوضح رئيس البعثة، أن عجز الميزانية العامة من المنتظر أن يتسع أكثر من 6 من المائة بسبب انخفاض إيرادات قطاع المحروقات والزيادات الجد مرتفعة في النفقات، رغم استحسانه للزيادة في تدفق القروض، في ظل بقاء أرصدة صندوق ضبط الإيرادات كبيرة، حيث يتوقع انخفاضها للعام الثاني، ويتطلب الأمر، بحسب تقديره، تجسيد استراتجية طموحة لضبط أوضاع المالية العامة على نحو مستمر لوضع السياسة المالية العامة في مسار قابل للاستمرار، وكذا التأكد من ادخار ثروة المحروقات.
واعتبر زيدان، أن الإنفاق الجاري والذي يضخ في الأجور، يجب التحكم فيه.
وفي ردّه على سؤال يتعلق بإلغاء المادة 87 مكرر والتي أسفرت عن زيادات في أجور الموظفين والعمال، دعا إلى التحكم في الزيادات، لأن الكتلة المالية ضخمة جدا، خاصة بالنسبة لقطاع الوظيف العمومي.
وشدد زيدان، رئيس بعثة صندوق النقد الدولي، على ضرورة تهيئة ظروف الاستثمار الجذاب، من بينها إلغاء القاعدة الاستثمارية 49/51 من المائة وعلى الأقل في بعض القطاعات وتستثنى منها القطاعات الاستراتيجية، بالإضافة إلى تكريس المزيد من التسهيلات، خاصة الإدارية، وتطوير السوق المالية وترقية المؤسسة الإنتاجية واستحداث المزيد من المؤسسات، ومضاعفة الجهود لتكريس الأمن وكل هذه الجهود، بحسبه، تصب في إرساء الثقة الجاذبة للمستثمر الأجنبي. ويعتقد أن رفع الحظر على القرض الاستهلاكي يعد تطورا إيجابيا.
وخلص رئيس بعثة صندوق النقد الدولي إلى القول، إن الجزائر قوة اقتصادية يجب أن تقدم على تهيئة جميع الظروف لخلق الثروة والانفتاح على الاستثمار.