خطاب شعبي مدافع عن الوطن يصد أبواق المخزن أو منابر يمينية متطرفة بفرنسا
تدرك الجزائر أن الصراعات الكبرى لم تعد عبر التحالفات السياسية والاقتصادية، بل أصبحت المعركة الحاسمة تُدار على جبهات الإعلام والمعلومات. في هذا السياق، جاءت دعوة وزير الاتصال، مزيان محمد، إلى تشكيل جبهة إعلامية وطنية موحدة لمواجهة التضليل الإعلامي والهجمات الرقمية المركّزة التي تستهدف الدولة الجزائرية.
تشكيل جبهة إعلامية للتصدي للأعمال العدائية الرقمية، ليس خطابا ظرفيا، بل هو موقف استراتيجي ينمّ عن وعي عميق بطبيعة المرحلة ووسائل الاستهداف الجديدة التي تنتهجها أطراف أجنبية معروفة، خاصة نظام المخزن المغربي واليمين المتطرف في فرنسا ومراكز نفوذ أخرى تحاول منذ سنوات تقويض مسار الجزائر السيادي الذي أقلق الكثيرين.
الوزير مزيان، أوضح في آخر تصريحاته على هامش ورشة عمل حول «التضليل والمعلومات الكاذبة»، أن الجزائر أصبحت «في قلب معركة إعلامية مفتوحة»، وأن «الأخبار المفبركة والمحتوى الزائف، لم تعد مجرد ظواهر عابرة، بل أدوات حرب منظمة تستهدف زعزعة استقرار الدول والتحكم في الرأي العام».
هذه الإشارة الحاسمة، تكشف عن إدراك جزائري رسمي لخطر ما يسمى بـ»الهجمات الرمادية»، وهي الهجمات التي لا تأتي عبر جيوش أو طائرات، بل عبر الشاشات، والوسائط الرقمية، والرسائل النفسية التي تُمهد لإضعاف مناعة الشعوب من الداخل.
في السياق، تسير الجزائر بخطى عملية لبناء منظومة دفاع إعلامي قوية، ليس فقط من خلال الخطاب، بل عبر تكوين صحفيين أكفاء ومؤسسات قادرة على خوض معركة المعلومة بالحرفية لا بالارتجال.
وقد أطلقت وزارة الاتصال خلال العام الجاري، أكثر من 30 دورة تكوينية متخصصة لفائدة صحفيين من القطاعين العام والخاص، شملت مجالات التحقق من الأخبار، الصحافة الاستقصائية، تقنيات التصدي للروبوتات الإعلامية، وأخلاقيات المهنة في ظل بيئة رقمية متغيرة.
علاوة على ذلك، تُراهن الجزائر على تطوير أدواتها البنيوية في المجال الإعلامي. ففي صيف 2024، انطلقت أشغال تشييد المدينة الإعلامية الجزائرية، والتي يُنتظر أن تكون الأكبر من نوعها في المنطقة من حيث الحجم والتجهيزات، حيث ستضم استوديوهات تلفزيونية وإذاعية، مراكز بيانات رقمية، منصات تدريب ومقرات لهيئات التحرير والصحافة الإلكترونية. ويعكس هذا المشروع، رؤية شاملة للانتقال من مرحلة الدفاع وردّ الفعل إلى مرحلة المبادرة وبناء السيادة الإعلامية الوطنية.
كذلك، لا يمر مشروع صيانة وحفظ الأمن الإعلامي دون مراجعة الإطار التشريعي. فقد صادق البرلمان، في وقت سابق، على قانون الإعلام الجديد، الذي أرسى قواعد حديثة لممارسة المهنة وضبط التمويل الإعلاني وتنظيم عمل الصحافة الإلكترونية وفق معايير النزاهة والشفافية، والالتزام المهني.
في سياق متصل، تُظهر ردود فعل الجزائريين على منصات التواصل الاجتماعي، وعيًا متقدمًا بهذه الحروب غير المعلنة. فخلال حملات التشويه الأخيرة التي استهدفت الجزائر، سواء من قِبل أبواق المخزن أو منابر يمينية متطرفة في أوروبا، برز خطاب شعبي واسع يدافع عن صورة الجزائر ويُفند المغالطات بحجج واقعية، ما يؤكد أن المعركة الإعلامية لم تعد شأناً نخبوياً، بل باتت ساحة وعي جماعي يشارك فيه المواطن عبر «التغريدة» و»المنشور» و»الفيديو التوعوي».
تجدر الإشارة، إلى أن الجزائر سجّلت خلال سنة 2024 أكثر من 19 ألف محاولة اختراق معلوماتي، استهدفت مواقع إعلامية ومؤسسات سيادية، وفق تقرير رسمي لوزارة البريد والرقمنة. كما تم رصد أكثر من 1200 محتوى زائف يُعاد تداوله من طرف صفحات تحمل هويات وهمية، تتخذ من أوروبا والمغرب منطلقًا لبث محتوى يُسيء للدولة الجزائرية ويشكك في مؤسساتها، خاصة الجيش والدبلوماسية.
بالإضافة إلى ما سبق، تُدرك الجزائر أن الأطراف التي تقف وراء هذه الحملات لا تتحرك من فراغ. فالمخزن، من جهة، يحاول تصدير أزماته الداخلية وصرف الأنظار عن تورطه في التطبيع والتواطؤ العسكري مع الاحتلال الصهيوني، وهو ما يُفسر تكثيف حملاته ضد الجزائر على مستوى الإعلام والمحتوى الرقمي.
في المقابل، يُحاول اليمين المتطرف الفرنسي، الذي يعيش تصدعًا سياسيًا داخليًا، استخدام ملف الجزائر كورقة ضغط انتخابي واستعراضي، رغم أن أطيافًا واسعة من الطبقة السياسية الفرنسية –بما فيها شخصيات وازنة – عبّرت مرارًا عن رفضها لهذا التوجه، ودعت إلى شراكة عقلانية ومتوازنة مع الجزائر، قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.
وفي المحصلة، لا تسعى الجزائر إلى الدخول في معارك إعلامية عبثية، لكنها بالمقابل ترفض أن تبقى رهينة لتدفقات سامة من الأكاذيب الموجهة. ومع تقدم مشاريع التكوين، والتشريعات، والبنية التحتية الإعلامية، تُؤكد الدولة الجزائرية أنها تبني ليس فقط شبكة إعلام وطني، بل منظومة دفاع معرفي تمكّنها من خوض حرب العصر الجديدة؛ حرب السيطرة على المعلومة وصناعة الصورة.