نتاج عمل سياسي عميق وثمرة خطاب وطني صادق

سعيد بن عياد

 تحتفظ الذّاكرة الجماعية للمجموعة الوطنية بميزة اعتماد المصالحة أسلوبا حضاريا لمعالجة الخلافات وتجاوز صراعات مختلفة بما في ذلك ذات الطّابع السياسي، ولذلك تقود المصالحة في نهاية المطاف إلى رفع الغطاء عن الجريمة بكل أشكالها وفضح دعاة الإرهاب والعنف أمام المجتمع القائم على الديمقراطية وتكافؤ الفرص بين أبنائه والعدالة وحقوق الإنسان المتعددة.

واعتبر فاروق قسنطيني رئيس الهيئة الاستشارية لحماية وترقية حقوق الإنسان، أن قوة وعمق الخطاب السياسي شكّل وقود نجاح مسار المصالحة الوطنية، مذكّرا بأنّ تاريخ الحركة الوطنية يبرز الدور الذي يلعبه الخطاب السياسي في الدفع بالأوضاع إلى الأمام، وتحقيق التفاف المجتمع حول الأهداف الوطنية الكبرى.
 وبالفعل تمكّن الرئيس بوتفليقة من تسويق مسعى المصالحة وترقية مسار الوئام الوطني من خلال اعتماد آلية الخطاب السياسي المباشر إلى الأمة، وإلقاء جسور التواصل التي حملت الأفكار ورسختها في الأذهان. وهكذا لم تكن المصالحة قرارا جاهزا بقدر ما جاءت في سياق عمل سياسي عميق، وثمرة خطاب وطني صادق تطلب تجنيد امكانيات وطنية لتجسيدها من خلال انتهاج مسار ارتكز على خطاب سياسي واضح يحمل جملة من القيم والمبادئ التي ترتقي بخيار السلم والأمن داخل المجتمع، ونبذ العنف كوسيلة للتعبير عن الرأي أو موقف مهما كان.
وقد أفضت سياسة المصالحة إلى الدفع بقيم السّلم والتّآخي ونبذ العنف إلى الصّدارة ممّا ينبغي أن يتواصل خطابها باستمرار وعدم انكماشه في أي لحظة حتى لا يجد دعاة الإجرام ومن انغمسوا في الإرهاب لحظة لالتقاط الأنفاس. ومن شأن تنمية هذا الخطاب وتحسين تسويقه في المجتمع أن يعمّق مسار المصالحة أكثر فأكثر ضمن الإطار الذي كرسته الإرادة الشعبية بمناسبة تزكيتها لهذا الخيار عن طريق الاستفتاء من منطلق إدراك خطورة بقاء الأوضاع في تلك المرحلة رهينة انسداد يحمل مخاطر كبرى انفجرت في بلدان عديدة تعاني اليوم من تشرذم صفوف شعوبها وضياع مواردها. ومن المفيد أن تكون المصالحة ضمن الموروث الثقافي للمجتمع، وقناعة راسخة في الأذهان لدى الأجيال بما في ذلك الطّبقة السياسية بكل أقطابها، التي يجب عليها أن ترتقي إلى مستوى الرّهانات وخطورة التحديات التي تلوح في الأفق حول بلادنا بالنظر لما يجري في المنطقة، وفي جهات أخرى من عالمنا العرب والإسلامي حيث تكاد مجتمعات بكاملها أن تضيع، وبلدان لها تاريخ أن تنشطر فيما تتربص قوى الشر والاضطهاد بموارد البلاد والشعوب الغافلة التي تنزلق في مشاريع هدامة تؤجّج الصّراعات الداخلية تحت شعارات براقة. ولقد أدرك الشعب الجزائري مبكّرا تلك المخاطر، فانتصر لخيار المصالحة كخيار استراتيجي بعيد المدى في ظل البناء الوطني المتجدّد القائم على ترسيخ وتنمية الحقوق والحريات، وتعزيز روابط الانتماء الوطني ضمن إطار العدل والتّنمية، ونبذ العنف ومكافحة الفساد بكل أشكاله.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19525

العدد 19525

الثلاثاء 23 جويلية 2024
العدد 19524

العدد 19524

الإثنين 22 جويلية 2024
العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024
العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024