خيار سيادي بادر به الرئيس بوتفليقة

مرجعية لتسوية النزاعات في مالي وليبيا التسامح والاختلاف في إطار الوحدة الوطنية

فنيدس بن بلة

« تدرج ضمن الخصوصية الجزائرية ومميزات البلد الذي يفاجأ باستمرار بقرارات ومبادرات محل الاهتمام والمتابعة الدائمة. ننظر إليها بنفس النظرة إلى الثورة التحريرية . هي باختصار نوفمبر آخر”. هكذا وصف الأستاذ فاروق قسنطيني المصالحة الوطنية. وهكذا وضعها في المكانة اللائقة وأعطى قراءته في المعادلة السياسية التي أعادت الجزائر إلى الواجهة وكسرت حصارا غير معلن من جماعة شنغن وصححت مفاهيم وأزالت الغموض والكليشيهات المرسخة في الأذهان أزيد من عشرية حمراء.
الفضل في ذلك يعود إلى رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة الذي يستحق بهذا الانجاز التاريخي جائزة نوبل للسلام. كيف لا ودول كثيرة تتخذ من التجربة الجزائرية هذه مرجعية في علاج تعقيداتها وتضميد جراح وألام الفرقة والانقسام، مالي وليبيا المثال الحي.
توقف قسنطيني مطولا عند المصالحة الوطنية التي يحتفل بذكراها الـ 9 في أجواء سياسية متميزة تعيشها الجزائر وتحولات جعلت منها بوابة السلام والأمن. هل يخفى على أحد ما تقوم به الجزائر من جهود في سبيل مرافقة مالي في الخروج من أزمة مستعصية عبر مفاوضات من أجل تسوية سياسية لوضع مهتز بعيدا عن النظرة الأمنية الضيقة.
هل يخفى على أحد الجهود التي تبذلها الوساطة الجزائرية لعلاج الأزمة الليبية والتحضيرات الجارية لاستضافة ندوة من هذا القبيل الأيام القريبة؟ إنها تساؤلات أجاب عنها فاروق قسنطيني بتأنٍ وبعد النظر من خلال منبر “ضيف الشعب” مقدما أدق التفاصيل رافضا القفز على حقائق الأشياء وأبسطها.
وأعطى قسنطيني الذي أدار ملفات في المصالحة وكلف من رئيس الجمهورية بمتابعة تعقيدات في الميدان، أن القراءة في الانجاز التاريخي تكتمل بإدراج معطيات أخرى في المعادلة تكسبها التوازن وتمنحها الصلابة والاتزان. وتتمثل في خصوصية الشعب الجزائري في حد ذاته وتجاوبه الدائم مع كل مبادرة ومشروع يبعد الوطن عن السقوط في المجهول ويحصنه من أي خطر.
تجاوب الشعب الجزائري مع نداء الثورة التحريرية . وانخرط فيها بتلقائية مطبقا مقولة البطل بن مهيدي “ألقوا بالثورة في الشارع يحتضنها الشعب”. وأعطى أجوبة على المشككين المروجين لأقاويل تنتقص من حرارة الجزائريين في خوض معركة المصير. القائلين في ردهم على قادة نوفمبر” أنهم مغامرون يريدون زج الشعب في المجهول ودفعه نحو الانتحار”.
بهذه الطريقة أعطى الشعب الجزائري درسا في الوطنية والنضال متحديا الإدارة الاستعمارية والحلف الأطلسي غير متخوف من سياسة الإبادة التي انتهجها المستعمر جاعلا من التعذيب ومراكز الاعتقال قوة إضافية وعزيمة في التحرر والدفاع عن الهوية.
بهذه الطريقة تجاوب الشعب مع نداء المصالحة التي بادر بها رئيس الجمهورية والتزم بتجسيدها عند انتخابه عام 1999 قائلا: “جئت لوقف نزيف الدم والعودة بالجزائر الى سابق عهدها من التسامح والتآخي والعزة والكرامة”. وظل الرئيس يردد على المسامع هذه العبارة طيلة زياراته الميدانية معيدا حلقة الاتصال والتواصل مع الجزائريين في مختلف ربوع الوطن مقدما للخارج صورة أخرى عن جزائر تسابق الزمن من أجل تهيئة المناخ لمصالحة بين أبنائها وقبول توجهاتهم وتباين آرائهم حول البناء في إطار الوحدة والتآخي والتضامن بعيدا عن مقولة :«أنا وحدي أملك الحقيقة. كل معارض لي فهو عدوي”.
تحقق كل هذا حسب قسنطيني، خاضت الجزائر تجربة المصالحة بالتحضير لها كما يجب. وتولى قادة في الجيش الوطني الشعبي مهمة إدارة مفاوضات مع من انساقوا وراء التطرف والإرهاب كاشفين عن حنكة دبلوماسية حققت المعجزة.
وجعلت من التجربة مرجعية تتسابق الدول لاعتمادها في تهدئة التوترات وتطبيق المعادلة السياسية التي نجحت في الجزائر وصارت مضرب المثل. وهي معادلة ممثلة في خطاب سياسي لم يتوقف عن الترويج لثقافة التسامح وقبول الآخر وتولية رجال تجسيد مضامين الخطاب في المشهد الوطني المتغير.
المصالحة بهذه الخصوصية مشروع مجتمع بادر به رئيس الجمهورية  من أجل جزائر التقويم والتجدد المتسامحة المتقبلة للآراء المتعددة المسوقة من زوايا مختلفة لكن تصب في الهدف الأسمى الوحيد: البناء الوطني.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19525

العدد 19525

الثلاثاء 23 جويلية 2024
العدد 19524

العدد 19524

الإثنين 22 جويلية 2024
العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024
العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024