من آثار تطبيق قانون المصالحة عودة الأمن والاستقرار والطمأنينة للشعب الجزائري، الذي عايش ويلات العشرية السّوداء وعانى الأمرين خلال المأساة الوطنية، واعتراف الجميع بنجاح تجربة الجزائر في الحفاظ على السلم وعلى وحدة شعبها وترابها. وهي النتيجة التي أكّدها مجدّدا من منبر ضيف “الشعب” الأستاذ فاروق قسنطيني رئيس الهيئة الاستشارية لحماية وترقية حقوق الإنسان، مضيفا أنّ المشروع الذي جاء به رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة يعتبر حدثا بالغ الأهمية وذو طبيعة تاريخية، وهو في نظره لا يقل مكانة عن أول نوفمبر 1954 التاريخي.
وقال قسنطيني مدافعا عن قانون المصالحة الوطنية، إنّ “كل ما تجسّد ميدانيا جاء ليفنّد من عارض وشكّك في نجاح هذا المشروع النّبيل”، مضيفا “أنّه من المستحيل محاربة مشروع يخدم المصالح العليا للبلاد وللعباد، وأنّه كمواطن جزائري قبل كل شيء فضّل المصالحة الوطنية واليد الممدودة”.
ومند أن انطلقت المصالحة الوطنية سنة 2005 “فقد حقّقت اليوم ما يفوق 95 بالمائة من أهدافها، كما يعود الفضل في تجسيدها بدرجة كبيرة إلى الدور الفعّال الذي لعبته أسلاك الأمن المشتركة التي كان لها الفضل في نزول آلاف التّائبين من الجبال ووضعهم للسّلاح”.
وأشار فاروق قسنطيني إلى “وجود بعض التّدابير التّكميلية التي يمكن أن يقام بها لاستكمال عملية بلوغ كل أهداف المصالحة الوطنية المتبقية، ومن بينها تلك المتعلقة بتعويض المواطنين الذين تضّرروا ماديا خلال العشرية السوداء التي دفعت الجزائر ضريبة لها تفوق الـ 25 مليار دولار أمريكي من خسائر مادية واقتصادية، والتي لابد اليوم التفكير في كيفية تعويض هذه الفئة من الضحايا”، إذ أنّ “الفلسفة العامة لقانون المصالحة تقتضي ألاّ يترك أحد على الهامش، وهنا يكمن التحدي الكبير، الذي يدخل كسبه في إطار المهمات الهامة والنبيلة التي تخدم البلاد والعباد”.
وكشف قسنطيني عن تأييده المطلق لمن يقول أنّ “المصالحة الوطنية لا تكتمل إلا بالعفو الشّامل”، لكن اعتبر أنّ “المسألة متعلّقة أساسا بقرار سياسي يرجع النّظر وأخذ القرار فيه لرئيس الجمهورية وحده، مثل ما هو الشأن بخصوص اتّخاذ التّدابير اللاّزمة لاستكمال كل أهداف هذا القانون لطيّ صفحة المأساة الوطنية نهائيا”.
إشادة دولية بنجاح التّجربة الجزائرية
ويشهد اليوم، بنجاح مشروع المصالحة الوطنية المواطنون محليا وكذا الأجانب، حسب قسنطيني، الذي قال في هذا السياق إنّ كل الوفود الأجنبية التي سبق وأن زارت اللجنة الاستشارية التي يرأسها قد “عبّرت عن إعجابها الكبير بنجاح تجربة المصالحة الوطنية الجزائرية، والتي تميّزها أساسا نقطتين هامتين وحصريتين، وهما أنّ المصالحة كانت جزائرية ـ جزائرية 100 بالمائة، ولم يعتمد في تجسيدها على أي دعم أو مساعدة أو تدخّل أجنبي، وثانيهما كونها قد طبّقت في وقت قصير عكس كثير من التّجارب التي سبقت بها بعض الدول الجزائر وأمضت في تطبيقها عشريات طوال بأكملها”.
إدماج المواطن في معركة
الانتاج مطلب ملحّ
وإن كان قانون المصالحة قد هيّأ الأرضية لرجوع الأمن والاستقرار، ولانطلاق الجزائر في تسابق مع الزمن لاستدراك الركود الاقتصادي والاجتماعي الذي خلّفته العشرية السوداء، فإنّ تحسين وضعية حقوق الإنسان بها ما تزال حسب رئيس الهيئة الاستشارية في حاجة إلى تعزيز أكثر يصبّ في صالح المصلحة العليا للبلاد وللشعب الجزائري على حد سواء.
وكشف قسنطيني أنّ اللّجنة التي يرأسها تؤكّد في تقريرها الذي هو بصدد التحرير والذي ستقدّمه لرئيس الجمهورية “على المطالبة بإنشاء حقوق جديدة للمواطن الجزائري ومن بينها حقه في الإنتاج، كون البلاد ترتكز اليوم وللأسف على اقتصاد خامل يعتمد في أغلبيته على الاستيراد ويغيب عنه الإنتاج”.
ويرى قسنطيني أنّ “على الهيئات الحكومية توفير كل الشروط للمواطن لكي ينتج، وأن توحّد وتعزّز جهود كل من حكومة ومجتمع مدني وصناعيين وغيرهم لتوعية المواطن حول هذا الحق الذي حمل هذا الأخير ليكون عنصرا هاما وفعالا في استراتيجية إعادة بعت القطاع الصناعي والزراعي لتدعيم الإنتاج وتقليص فاتورة الاستيراد”.