الخبــــــــــــير الإقتصــــــــــــادي البروفيســــــــــور محمـــــــــــد حيمــــــــــران لـ “الشعــــــــــــب”:

الجزائـــــــــر..إعـــــــــادة التموقـــــــــع الجيوسياســـــــــــــي والتجــــــــــاري

خالدة بن تركي

 

 تعد التجارة الدولية وتأثيرها على الجزائر من المواضيع المهمة، خاصة في ظل التغيرات الكبيرة التي يشهدها العالم، فرغم أن الجزائر ليست طرفا مباشرا في الصراعات التجارية بين الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين، إلا أنّ هذه الصراعات تؤثر بشكل غير مباشر، كما هو الحال مع باقي الدول التي تتأثر بما يحدث في الأسواق العالمية.

 أوضح الخبير الاقتصادي، البروفيسور محمد حيمران في تصريح لـ “الشعب”، أنّ الجزائر مطالبة بوضع خارطة طريق إستراتيجية لمواجهة التغيرات المترتبة عن تشديد السياسات الاقتصادية الدولية، في ظل الحروب التجارية التي أعلنتها بعض القوى الكبرى.
وتابع الأستاذ: “في ظل التوترات التجارية المتصاعدة على المستوى العالمي، تظهر مخاطر تؤدي إلى تراجع معدلات النمو الاقتصادي العالمي، هذا التراجع، ينعكس سلبا على الطلب العالمي على المحروقات ومواد الطاقة، الأمر الذي قد يؤدي إلى انخفاض أسعار الطاقة، وبالتالي التأثير المباشر على مداخيل الدول المصدرة لها، بما فيها الجزائر”.
وبالنظر إلى الارتباط الوثيق بين الاقتصاد الوطني وقطاع المحروقات، فإنّ هذا الوضع يستدعي التحرك العاجل لتقليص الاعتماد المفرط على النفط والغاز كمصدر رئيسي للدخل، وفي هذا السياق، أصبح من الضروري تسريع وتيرة تنويع الاقتصاد الوطني، من خلال تطوير قطاعات بديلة ومستدامة.
وقال في ذات السياق: “لحسن الحظ، الجزائر تمتلك بنية تحتية وقاعدة اقتصادية تمّ تأسيسها خلال العهدة السابقة، للرئيس تبون ونحن الآن في مرحلة جني ثمار تلك الإنجازات ويعد قطاع الفلاحة من أبرز المجالات الواعدة، إلى جانب الصناعات التحويلية، وتصدير المنتجات الصيدلانية، ومواد البناء، والخدمات المتنوعة، وحتى الصناعات الغذائية”.
من جهة أخرى، أولت الجزائر - يفيد الخبير - اهتماما بالغا لشراكاتها الاقتصادية، خاصة مع دول القارة الإفريقية، في إطار تعزيز التعاون جنوب - جنوب، وأيضا مع الدول العربية الشقيقة، إضافة إلى الشراكات مع تركيا، والصين التي باتت حاضرة بقوة في القارة الإفريقية، ومع الاتحاد الأوروبي، لاسيما دول مثل إيطاليا، ألمانيا والبرتغال.
وقال أيضا، رغم تحديات هذه الأزمة العالمية قد تفتح فرصا واعدة، ففي الوقت الذي تغلق فيه بعض الأسواق الكبرى أبوابها، تبحث القوى الاقتصادية العالمية، كالاتحاد الأوروبي والصين، عن شركاء وأسواق بديلة، وهنا تبرز الجزائر كفاعل اقتصادي مهم، قادر على أن يلعب دورا رياديا في إفريقيا، ويشكّل شريكا موثوقا يقوم على مبدأ “رابح - رابح”.
وفي إطار توضيح بعض المغالطات التي يتم تداولها مؤخرا بشأن الرسوم الجمركية، أكّد الخبير أنّ هناك تضليل إعلامي واضح عند تداول أرقام غير دقيقة، مثل الادّعاء بأنّ الجزائر تفرض معدل رسوم يصل إلى 58 بالمائة على المنتجات الأمريكية، وهو أمر غير صحيح تماما، فالجزائر تعتمد نظام رسوم جمركية موحد لا يميز بين الدول، وهو قائم على ثلاث شرائح فقط: الشريحة الأولى بنسبة 5 بالمائة، الشريحة الثانية بنسبة 15 بالمائة، الشريحة الثالث بنسبة 30 بالمائة، ويتم تحديد هذه النسب حسب السلع المستوردة وليس بناءً على بلد المنشأ.
وصرّح في سياق التحولات الجيوسياسية والاقتصادية العميقة التي يشهدها العالم، أنّ الجزائر تؤكّد على ضرورة إعادة التموقع الجيوسياسي والتجاري في المدى القصير، بما يتماشى مع المصالح الوطنية والتوازنات الدولية الجديدة متعددة الأقطاب، حيث تتمثل أولى أولويات هذا التموقع في تعزيز الشراكة الاستراتيجية مع الصين، باعتبارها أكبر مستثمر أجنبي في إفريقيا، ولا سيما في إطار مبادرة “طريق الحرير”، حيث أنّ تطوير هذه الشراكة يفتح أفاقا اقتصادية وتجارية جديدة للجزائر.
كما تسعى الجزائر أيضا، إلى الاستفادة من التوترات الدولية الراهنة من خلال تقديم نفسها كشريك موثوق ومستقر في شمال إفريقيا، قادر على لعب دور محوري في استقرار المنطقة وتنميتها.
وفي سياق متصل، تولي الجزائر أهمية كبيرة لتطوير التجارة الجهوية، لاسيما داخل منطقة التبادل الحر القارية الإفريقية، من خلال تحديث البنى التحتية الاستراتيجية كالموانئ، المطارات، الجمارك، والنظام البنكي، بالإضافة إلى ضمان دعم سياسي قوي للإصلاحات القانونية والاقتصادية الجارية.
وعلى الصعيد المالي، تستعد الجزائر لإدخال تعديلات على الميزانية، كما تولي أهمية قصوى للتحكم في الإنفاق العمومي، مع التركيز على ترشيد نفقات الإدارة، وضمان استدامة مالية حتى في حال انخفاض عائدات المحروقات. وفي هذا الإطار، تؤكّد السلطات على ضرورة إعادة النظر في سياسة الدعم الاجتماعي، من خلال الانتقال نحو دعم موجه يخص فقط الفئات المستحقة، مع إطلاق عملية إحصاء دقيقة للمستفيدين من الإعانات، كخطوة نحو إصلاح شامل للمنظومة الاجتماعية.
وأكّد الخبير الاقتصادي في الختام، أنّ الجزائر تضع ضمن أولوياتها تعزيز مناخ الاستثمار الأجنبي عبر ضمان استقرار المنظومة التشريعية والجبائية، وتسريع وتيرة الإصلاحات الاقتصادية، خاصة من خلال تنويع مصادر الدخل وتنشيط القطاع الخاص ليساهم في التنمية، كما تشدّد على ضرورة الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي، إلى جانب دعم المؤسّسات الناشئة وتشجيعها، لضمان استغلال الكفاءات الوطنية، ووضع أسس صلبة لإصلاح شامل للمالية العمومية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19746

العدد 19746

السبت 12 أفريل 2025
العدد 19745

العدد 19745

الجمعة 11 أفريل 2025
العدد 19744

العدد 19744

الخميس 10 أفريل 2025
العدد 19743

العدد 19743

الثلاثاء 08 أفريل 2025