لاعب محوري في محيطيها الإقليمي والقاري

جزائر الشجعان.. رؤية واقعيـــــة واستراتيجيــــــــــة استبــــاقيــــــــــــــــة

علي مجالدي

 

 سياسة خارجية متزنة تقوم على مبادئ عدم التدخل والدعوة إلى الحوار والســـــلام
 خبــير لـ «الشعب»: مقاربـــــــــــة متكاملـــــــة وفق قراءة دقيقة للتحـــــــولات الإقليميــــــــــة

تبرز الجزائر كلاعب محوري في محيطيها الإقليمي والقاري، وتنتهج سياسة خارجية متزنة تقوم على مبادئ عدم التدخل، والدعوة إلى الحوار، وفي ذات الوقت، اليقظة التامة لما يجري من مستجدات، لا سيما في مناطق التماس المباشر مع أمنها القومي.

خلال زيارته الأخيرة إلى تونس عبّر وزير الشؤون الخارجية أحمد عطاف، بوضوح، عن تقييم جزائري دقيق للمشهد الإقليمي والدولي، حين صرح بأن «الأوضاع المحيطة بنا لا تبشر البتة ولا يُرتاح لها». وهو تصريح ينمّ عن وعي رسمي جزائري بمخاطر المرحلة، وضرورة التحرك الاستباقي وفق رؤية متكاملة، خصوصًا إزاء ما يحدث في منطقة الساحل الإفريقي.
وتُعد منطقة الساحل الإفريقي اليوم، برأي متابعين ومختصين، من أبرز بؤر التوتر في العالم، نظراً لتراكم الأزمات السياسية والانقلابية التي أثّرت بشكل مباشر على استقرار شعوبها، إلى جانب هشاشة اقتصاداتها، حيث لا يتعدى الناتج المحلي الإجمالي للدول الثلاث الأساسية (مالي، النيجر، بوركينا فاسو) عتبة 60 مليار دولار، وهو ما يعكس صعوبة الأوضاع المعيشية للسكان. وإذ تدعو الجزائر دومًا إلى احترام السيادة الوطنية للدول، إلا أن تكرار الانقلابات وغياب الأطر الديمقراطية، جعل من هذه المنطقة بيئة خصبة للجماعات الإرهابية والمرتزقة وشبكات الجريمة المنظمة، وهو ما يُشكل تهديدًا مباشرًا للدول المجاورة، وفي مقدمتها الجزائر التي تربطها حدود طويلة ومعقدة مع هذه الدول.
كما أن الرد الجزائري على بعض الاستفزازات، مثل إسقاط طائرة مسيّرة كانت تحمل ذخيرة عسكرية عبر الحدود، لم يكن فقط عملاً تقنيًا، بل رسالة سياسية واضحة بأن الجزائر لن تتهاون مع أي تهديد لأمنها السيادي، وسترد بما تقتضيه المصلحة الوطنية، دون الانجرار إلى توترات مفتعلة، مع الاستمرار في الدعوة إلى الحلول السياسية السلمية.
مقاربة شاملة
في هذا السياق، أوضح الدكتور بلعربي محمد أمين، أستاذ الدراسات الأمنية والدولية في تصريح لـ «الشعب»، أن الجزائر تتبنى منذ سنوات مقاربة استراتيجية متكاملة، تقوم على قراءة دقيقة للتحولات الإقليمية، وترتكز على محورين أساسيين هما، حماية الأمن القومي بالوسائل العسكرية والتكنولوجية الحديثة، وتعزيز الاستقرار عبر التعاون السياسي والدبلوماسي مع دول الجوار والمحيط الإفريقي. ويضيف الدكتور بلعربي، أن الجزائر تشتغل على أكثر من جبهة في ذات الوقت، فإلى جانب تحصين جبهتها الداخلية، فإنها تعمل على بناء تكتلات إقليمية قائمة على المصالح المشتركة، خصوصًا مع دول المغرب العربي، مثل تونس، موريتانيا وليبيا، بالإضافة إلى شركاء استراتيجيين داخل الاتحاد الإفريقي، من أجل الدفع بحلول سلمية داخل منطقة الساحل، والحد من التلاعب الخارجي بهذه الدول عبر أدوات «الفوضى الخلاقة» المعروفة في الأدبيات السياسية.
دعم الجبهة الداخلية
وفي ظل تزايد التحديات الخارجية، تُولي الجزائر أهمية قصوى لتعزيز مناعتها الداخلية، وعلى رأس ذلك الجانب الاقتصادي، باعتباره حجر الأساس لأي قوة سياسية أو استراتيجية خارجية. وتشير الأرقام إلى أن الجزائر تُعد اليوم ثالث أكبر اقتصاد في إفريقيا، بناتج محلي بلغ 267 مليار دولار عام 2024، وتسعى إلى بلوغ 400 مليار دولار خلال العامين المقبلين، وفق رؤية تنموية طموحة تُراهن على تنويع مصادر الدخل الوطني. كما أن قطاع الفلاحة أصبح ركيزة أساسية في هذه الرؤية، حيث تجاوز إنتاجه المحلي 40 مليار دولار، ما جعل الجزائر الأولى عربيًا وإفريقيًا في مؤشرات الأمن الغذائي، بحسب منظمة الفاو، وهو إنجاز يعزز من قدرة البلاد على مجابهة أي صدمات خارجية.
 كما تسعى الجزائر إلى تحقيق صادرات خارج قطاع المحروقات تصل إلى 30 مليار دولار بحلول 2030، ما يعني أن الاقتصاد الجزائري يسير بخطى ثابتة نحو التنويع والمتانة، خاصة مع بداية دخول المشاريع الكبرى في مجال التعدين حيز الخدمة، لاسيما مشروع غار جبيلات للحديد والصلب بتندوف والمصانع المكملة له في مختلف ولايات الوطن، والفوسفاط بشرق البلاد، بالاضافة الى الاستثمارات الفلاحية الكبرى، سواء في مجال إنتاج الحليب مع الشريك القطري باستثمار إجمالي يناهز 3 ملايير دولار، وزراعة الحبوب والبقوليات مع الشريك الإيطالي بمبلغ استثماري أولي يفوق 400 مليون دولار.
دور جزائري ريادي داخل القارة الإفريقية
ومما لا شك فيه، أن التحديات في القارة الإفريقية جسيمة، لكن الجزائر تمتلك المؤهلات التاريخية والدبلوماسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية لتكون طرفًا فاعلًا في معادلة الأمن والاستقرار. ومن خلال عضويتها في مجلس الأمن الدولي، وعلاقاتها المتجذرة مع عديد الدول الإفريقية، بإمكان الجزائر أن تقود مشروعًا جامعًا لإعادة بناء مؤسسات الدولة في منطقة الساحل، وفق مقاربة تحترم السيادة وتُعزز الحكم الرشيد، وتُبعد الفاعلين الخارجيين الساعين إلى زعزعة استقرار القارة. كما أن التحديات الكبرى لا تواجهها الدول بالشعارات، بل بالرؤية الواضحة والقرار السيادي المستقل. والجزائر، بما تملكه من رصيد نضالي وتجربة دبلوماسية ومقومات اقتصادية، قادرة على أن تكون صمام أمان للمنطقة، وقوة استقرار في محيط إقليمي ودولي لايزال يتأرجح بين منطق التعاون ومنطق الصدام. وفي ظل عالم يتغير بوتيرة متسارعة، فإن الجزائر تواصل تموضعها بثقة، مؤمنة بأن التحديات، مهما بلغت حدتها، لا يمكنها أن تُثني الإرادات التي تؤمن بالسيادة والعدالة والتعاون بين الشعوب.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19749

العدد 19749

الثلاثاء 15 أفريل 2025
العدد 19748

العدد 19748

الإثنين 14 أفريل 2025
العدد 19747

العدد 19747

الأحد 13 أفريل 2025
العدد 19746

العدد 19746

السبت 12 أفريل 2025