نحو مراجعة شاملة للامتيازات غير المتكافئة

ندّية وردّ جزائري تدريجي على الاستفزازات الفرنسية

علي مجالدي

 

 اتفاقية 1968 مكنّت باريس من يد عاملة مؤهلة من الجزائريين

امتيازات وعقارات بمبالغ رمزية.. استفادة من جانب واحد لسنوات طويلة

من الواضح، برأي مراقبين، أن الجزائر قدمت الإشارة القوية عن شروعها في اتخاذ خطوات عملية لمراجعة اختلالات ميزان العلاقات الثنائية مع فرنسا، في خطوة تعكس رفضها المطلق لحملة الاستفزازات الفرنسية التي تصاعدت بشكل غير مسبوق، مدفوعة بمواقف اليمين المتطرف الذي أبان عن تهور سياسي مفضوح.

يأتي الرد الجزائري، بعد نفاد الصبر من سلسلة الادعاءات الواهية التي تطلقها الحكومة الفرنسية منذ مدة. وسعت عبر وزير الداخلية الحاقد، برونو روتايو، إلى تسويق خطاب مضلل يروج لفكرة أن الجزائر هي المستفيد الأكبر من العلاقات الثنائية، متجاهلًا المعطيات التي تؤكد العكس تمامًا.
ولطالما سعت فرنسا، أو بالأحرى نخبها السياسية، إلى تصوير العلاقة مع الجزائر وكأنها عبء تتحمله باريس، متناسية أن المصالح الاقتصادية والسياسية الفرنسية كانت على رأس أولويات هذه العلاقة، وكانت الجزائر في الغالب الطرف الذي يحصل على امتيازات أقل مقارنة بالطرف الفرنسي.
ولعل الملف الذي أعادت الجزائر طرحه مؤخراً والمتعلق بالعقارات التي تستغلها فرنسا على أراضيها، يكشف عن هذا الخلل العميق في التوازن.
فالجزائر وضعت تحت تصرف فرنسا 61 عقارًا، بما في ذلك مقر سفارتها في أعالي الجزائر العاصمة، المتربع على 14 هكتارًا، وإقامة سفيرها المعروفة باسم «ليزوليفيي» على مساحة 4 هكتارات، بأسعار إيجار رمزية لا تكاد تغطي قيمة إيجار غرفة صغيرة في باريس، مثلما ذكرت وكالة الأنباء الجزائرية.
وما تكشفه المعلومات الأولية حول هذا الملف، هو أن الجزائر، ولعقود، تعاملت مع فرنسا بنوع من التساهل في تخصيص العقارات الدبلوماسية، وهو أمر لا يمكن فصله عن طبيعة العلاقة التي سادت بين البلدين منذ الاستقلال. فقد استمرت باريس في الاستفادة من هذه التسهيلات دون أن تقابلها بأي شكل من أشكال المعاملة بالمثل، مما يعكس خللًا واضحًا في ميزان المصالح المشتركة.
وفي العمق، يشير هذا الوضع إلى أن فرنسا ظلت تستفيد من امتيازات حصرية في الجزائر، بينما كانت تفرض في المقابل إجراءات أكثر تشددًا في التعامل مع أي مطالب جزائرية مماثلة على أراضيها.
وهذا يسلط الضوء على نهج سياسي فرنسي ظل قائمًا على استغلال التسهيلات دون تقديم تنازلات مقابلة، مما يبرز حالة من النفاق السياسي حين تتحدث باريس عن «امتيازات» تحصل عليها الجزائريون بموجب اتفاقية الهجرة لسنة 1968، بينما الحقيقة تثبت أن فرنسا هي المستفيد الأكبر من هذه العلاقات، ليس فقط من الاتفاقية في حد ذاتها، بل من اتفاقيات أخرى، خاصة في القطاع الاقتصادي.
اتفاقيات غير متكافئة
لم تكن العقارات وحدها تمثل الاختلال في العلاقات، بل امتدت الامتيازات الفرنسية لتشمل الاتفاقيات الثنائية التي منحتها أفضلية واضحة على حساب الجزائر. أبرز هذه الاتفاقيات، اتفاقية 1968 التي تحدد وضع الجزائريين في فرنسا، والتي وإن كانت تمنح بعض التسهيلات للعمال الجزائريين، فإنها في المقابل، مكنت باريس من يد عاملة مؤهلة ساهمت في إعادة بناء فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية وساعدت في نموها الاقتصادي دون أن توفر امتيازات مماثلة للجزائريين داخل فرنسا.
أما اتفاقية 1994، التي تحكم العلاقات التجارية والاستثمارية بين البلدين، فقد أتاحت للشركات الفرنسية العمل في الجزائر وفق ظروف تفضيلية، بينما واجهت المؤسسات الجزائرية عقبات متزايدة عند محاولة الاستثمار في السوق الفرنسية أو بيع منتجاتها هناك، ولم يسمح لها بالدخول.
 وهذا النوع من الاتفاقيات يعكس بشكل واضح المنافع الكبيرة التي حظيت بها فرنسا في السوق الجزائري دون تقديم أي تنازلات لصالح الجزائر، وهذا ما تعمل الجزائر حاليا على تكريسه وفرضه وتغييره من خلال بناء علاقات براغماتية مبنية على معادلة رابح- رابح.
ولعل الرسالة الأبرز التي حملتها برقية وكالة الأنباء الجزائرية، هي أن الوقت قد حان للكشف عن المستفيد الحقيقي من واقع لعلاقات لم تكن يوما مبنية على توازن المصالح، لكن الطرف الفرنسي ظل يروج، عبر أذرع إعلامية عديدة، على أن الجزائر هي التي بحاجة إلى فرنسا، مضخما مسألة التأشيرة بجعلها الامتياز الأكبر والذي لا يقدر بثمن.
لكن الواقع، أن باريس، استمرت وبشكل غير نزيه في استغلال الموارد الجزائرية، بمنطق ريعي، جنت منه أموالا طائلة تستثمر جزءاً منها في تمويل الدعايات المعادية لكل ما هو جزائري.
ويبدو أن يوم الحساب قد حان، لإنهاء هذا الاختلال الكبير في توازن المصالح، والجزائر اليوم تحت قيادة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، تبرع في فرض لغة المصالح.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19737

العدد 19737

السبت 29 مارس 2025
العدد 19736

العدد 19736

الجمعة 28 مارس 2025
العدد 19735

العدد 19735

الأربعاء 26 مارس 2025
العدد 19734

العدد 19734

الثلاثاء 25 مارس 2025