تلتئم الثلاثية، اليوم، لتضبط تقييم مدى التزام الأطراف الشركاء بتجسيد قرارات اجتماعها 16 المتعلقة أساسا بالعقد الاقتصادي للنمو وتشجيع الإنتاج الوطني وترقية المؤسسة الوطنية العمومية والخاصة.
ويندرج هذا اللقاء بين الحكومة والنقابة وأرباب العمل، في ظل التحضير لقانون المالية الجديد، الذي يرتقب أن يعرض مشروعه أمام المجلس الشعبي الوطني قريبا وفي مناخ اقتصادي ومالي تتهدده تقلبات الأسواق العالمية وارتفاع سقف المتطلبات الاقتصادية والاجتماعية، التي تستدعي تجنيد موارد مالية تكفل إنجاز الأهداف المسطرة.
وبالفعل، تمثل الثلاثية الإطار المناسب لبناء توافق اقتصادي واجتماعي يعزز الاستقرار ويعمق الإصلاحات التي تضمن إعطاء ديناميكية قوية للنمو، من خلال إعادة ترتيب الأولويات وحشد الإمكانات الوطنية التي تتطلبها مشاريع التنمية وفقا لمعادلة متوازنة بين ما تقتضيه الجبهة الاجتماعية، من حيث تنمية القدرة الشرائية وترقية عالم الشغل ومن حيث ضرورات تحسين الأداء الاقتصادي، بتمتين عناصر الإنتاج بدءاً من المؤسسة الاقتصادية، إذ يجب إنتاج الثروة وإحداث القيمة المضافة، من خلال رد الاعتبار للعمل والنهوض بالكفاءات وتمييز الإبداع وروح المبادرة مع مضاعفة مجهودات مكافحة الفساد وفقا لآليات شفافة تميّز بين أعمال التسيير ذات المخاطر وأعمال الفساد بأشكاله المختلفة. وقد أكدت الدولة من خلال مخطط عمل الحكومة، تصميمها على بناء هذه المعادلة ضمن مسعى الإصلاحات والبناء الوطني المتجدد. وتعدّ المناسبة ملائمة لإعادة بعث عدد من الملفات ذات الصلة ببلوغ هذا المسعى، الذي يمكّن الاقتصاد الوطني الانتقال إلى مستوى أكثر نجاعة في مواجهة تحديات سوف يواجهها حتما على المديين المتوسط والبعيد، جراء ما تنذر به حركية تراجع أسعار المحروقات التي بدأت تطلق الضوء الأحمر، وهو ما يدركه شركاء الثلاثية، خاصة في البند المتعلق بإلغاء المادة 87 مكرر من قانون العمل ومن ثمة ضرورة أن يراجع كل طرف أوراقه بروح من المسؤولية لرسم صيغة تدريجية تجسّد على مراحل. لكن بالمقابل من المقرر أن تبادر الثلاثية بطرح ملفات عملية لها وزنها في الفعل الاقتصادي الكلي، مثل إدراج توصية تتعلق بتجريم فعل التسيير من حيث يجب أن يتم التوصل إلى وضع المسير الاقتصادي في مناخ يوفر له الاطمئنان وبالتالي يمكن تحرير روح المبادرة وإنهاء عقدة تجريم أفعال التسيير، بالفصل بين فعل المخاطرة وفعل الفساد بما يوفر للمؤسسة إمكانية الحركة والانتشار في الأسواق والخوض في المشاريع ضمن ضوابط مرنة تحمي حقوق كل عناصرها.
كما يرتقب أن يطرح ملف القرض الاستهلاكي بصيغة أكثر نضجا بتوجيهه حصرا للإنتاج الوطني في كل القطاعات، بالارتكاز على أدوات تأمين القروض وترشيدها وضمان تسديدها. ومن شأن القرض الاستهلاكي الموجه لقطاعات أساسية ترتبط مباشرة بمؤسسات الإنتاج الوطني التي تعتمد معايير الجودة والأسعار التنافسية وتضمن خدمة ما بعد البيع وجودتها، أن يعطي نفَسًا جديدا للإنتاج الوطني العمومي والخاص والقائم على الشراكة الأجنبية، مما يعزز من تفضيل الاستثمار المنتج على الاستيراد الذي تجاوز السقف المقبول وحان وقت ضبط مساراته، لكن بعيدا عن أي عودة لممارسات بيروقراطية تنشئ المناخ المناسب لفساد محتمل. وبهذا يكون الشركاء مجددا على موعد مع اختبار جديد لإرادة الحوار والقدرة على تجاوز الخلافات بمراعاة المصالح الوطنية الكبرى والقناعة الراسخة بالتوصل إلى بناء أرضية صلبة ترتكز عليها الخيارات الحاسمة دون التفريط في المكاسب، ولكن أيضا برصد قراءة مركزة للمؤشرات والقدرة على تصور حلول استباقية لأيّ طارئ قد يهدد الاستقرار الذي حان الوقت لتمتينه بخيارات اقتصادية تكون فيها المؤسسة الإنتاجية الجوهر الذي ينشط الدورة الاقتصادية.
ولعل الاتفاق على فترة هدوء اقتصادي بين سنتين وثلاث سنوات، تضمن تحقيق ديناميكية لوتيرة النمو ولو كانت ضئيلة، مع التزام الأطراف بمضاعفة الجهد واقتصاد النفقات وترشيد التسيير، مع الرهان على الدفع بالكفاءات الوطنية إلى الأمام ومضاعفة جهود مكافحة الفساد في ظل تعميق مناخ الحريات وسلطان القانون، هو عربون تمتع الشركاء بقوة إدراك التحديات الكبرى، وبالتالي التأكيد على أن الحوار الاقتصادي والاجتماعي الهادئ والفعال والجادّ أفضل آلية لحماية المنظومة الاقتصادية الوطنية قاطبة.