سوق المحروقات تحت وقع تراجع أسعار البرميل

في انتظار تحرك ‘’أوبيب’’ السوق الموازية تهدد البلدان المصدّرة

سعيد بن عياد

سجلت سوق المحروقات تراجعا معتبرا لأسعار البترول إلى أقل من 100 دولار للبرميل، مما يدعو إلى الانشغال من جانب البلدان المنتجة، على غرار الجزائر، التي تراهن على موارد المحروقات في المديين القريب والمتوسط من أجل ضمان مواصلة النمو، في ظل استمرار أزمة الاقتصاد العالمي بين الركود والانتعاش المحتشم.

بالفعل تراجعت أسعار برميل البرنت إلى حدود 98 دولارا، محدثة هزة في السوق البترولية وارتفاع نداءات من مختلف الأطراف لإعادة الإمساك بمقاليدها بما يضمن عودة الاستقرار وفقا لمعادلة تحقق توازن المصالح بين البلدان المنتجة والبلدان المستهلكة. وهو ما يرتقب أن تحرص عليه منظمة ‘’أوبيب’’، التي لا يستبعد أن تعلن عقد اجتماع طارئ على مستوى الوزراء من أجل تشخيص الوضع واتخاذ التدابير اللازمة التي تكفل وقف انهيار الأسعار وتصحيحها بشكل عادل من شأنه أن يحفظ حقوق جميع الأطراف.
بالتأكيد أن المفارقة تكمن في تسجيل تراجع أسعار الذهب الأسود، في وقت تمر فيه المجموعة الدولية بأزمات حادة نتيجة الحروب التي اندلعت في مناطق مختلفة والتوترات التي تهدد مناطق أخرى، بينما كان في الماضي يحدث العكس، فكلما اهتزت العلاقات الدولية ارتفعت الأسعار إلى درجة أزعجت البلدان الصناعية، التي تعمل أطراف عديدة منها على إعادة هيكلة سوق المحروقات وبنائها مجددا، على أسس من تصميمها بغية التخلص من قبضة منتجين ومصدرين البترول والغاز.
ومن الأسباب المباشرة لأزمة أسعار سوق النفط، يمكن تحديد بعضها في تراجع أو بطء النمو الصناعي في كل من الصين والاتحاد الأوروبي وتقليص الاستيراد الأمريكي، مقابل اعتمادها على بدائل جديدة.
غير أن العامل الفاعل الذي يبدو أنه وراء هذه الوضعية المثيرة للانشغال والتي تهدد بلدانا عديدة لم تتوصل إلى مستوى متقدم على مسار التخلص من التبعية للمحروقات، يتمثل في فقدان السيطرة والتحكم في بعض حقول الإنتاج مثل ليبيا والعراق، حيث يتم ضخ كميات هائلة بعيدا عن المراقبة، مما يساعد على نمو السوق الموازية. ففي ليبيا تفيد مصادر أنه يتم إنتاج معدل 800 ألف برميل يوميا، رغم الأزمة الأمنية التي تضاعف من فقدان الشفافية في تعاملات هذه المادة الحيوية، بينما تتنامى موارد المستفيدين من قوى وتجار الأزمات والحروب. ونفس الأمر في العراق وسوريا، حيث تُحكِم عصابات ‘’داعش’’ قبضتها على بعض آبار البترول وتبيعها في السوق الموازية بأبخس الأسعار من أجل تمويل صفقات السلاح والمرتزقة، مستفيدة من وهم الربيع العربي الذي يدمر الدول ويفكك المجتمعات ويضيّع مقدرات وموارد الشعوب.

مراقبة التطورات وتحسب التوقعات

تسهر الجزائر في هذا الظرف على مراقبة التطورات وتحسب التوقعات من خلال تمحيص المؤشرات وتفعيل التنسيق بين دول أوبيب من أجل ترميم معادلة الأسعار بما يحقق اطمئنان الدول المصدّرة والدول المستهلكة، مع الحفاظ على إمكانات انتعاش الاقتصاد العالمي وبعث

النمو في أعقاب الأزمة المالية العالمية التي لايزال مفعول تداعياتها يحدث أثره، رغم التصحيحات وإعادة الهيكلة التي مست بالخصوص دول منطقة اليورو التي تسلل إليها فيروس الإفلاس وانهيار اقتصادات العديد من الدول انطلاقا من فجوة اليونان.
وتحسّبا لاحتمالات واردة قد تؤثر على وتيرة الأداء الاقتصادي من حيث التنمية والاستثمار العمومي، فإن الجزائر قد رسمت، من خلال أدواتها، الإجراءات التي تكفل تفادي الوقوع في دائرة انهيار أسعار المحروقات، وهو أمر سبق التفطن إليه منذ أن سجل سعر البرميل ارتفاعا جيدا قبل سنوات. فقد أعدت الدولة آليات تنظيمية من شأنها أن تتدخل عند الضرورة لدرء مخاطر تراجع المداخيل البترولية، على غرار صندوق ضبط الإيرادات الذي يتولى التكفل بودائع الفائض المالي الناتج عن ارتفاع المداخيل المالية بالعملة الصعبة بفضل تحسن الأسعار. ومن شأن مثل هذه الآليات، أن توفر الاستقرار المالي الذي تحتاج إليه أهداف التنمية الوطنية في المديين القريب والمتوسط على أكثر تقدير، إلى حين ترتيب الأوراق الاقتصادية على مسار الإصلاحات التي تتم بشكل مقبول في بعض القطاعات وتحتاج إلى دفع في قطاعات أخرى، على غرار المنظومة المصرفية واستغلال ميزانيات التجهيز القطاعية والتحكم في تمويل المشاريع الضخمة واتساع رقعة الاقتصاد الموازي، خاصة نشاط العملة الصعبة والتهرب الضريبي.
وضمن الاحتياطات التي ينبغي اللجوء إليها، تحسبا لمواجهة تهديدات مالية محتملة في المدى المتوسط من 3 إلى 5 سنوات القادمة، وبالتالي ضمان ديناميكية عجلة التنمية لما بعده، يرتقب أن يتم الإسراع في تجسيد مخطط إعادة هيكلة منظومة تسيير القطاع الاقتصادي العمومي على أساس معيار النجاعة وتصنيف أداء القطاع الوطني الخاص بما في ذلك القائم على الشراكة الأجنبية اقتصاديا وماليا للفصل بين المؤسسة المنتجة للثروة وتلك التي تعيش على الندرة والمضاربة، مع ضرورة التوصل إلى تأطير حركة رؤوس الأموال من حيث تصدير العملة الصعبة من المتعاملين الأجانب وذلك من خلال رسم إطار مرن للتحفيزات والمرافقة الاستثمارية لفائدة المتعاملين الذين يعيدون استثمار أكبر حجم من الأرباح في استثمارات منتجة في السوق الجزائرية ولديهم القناعة بتوطين أموالهم بالجزائر لآجال طويلة الأمد، وعزل الانتهازيين والمستثمرين المزيفين.
وضمن هذا الخيار الاستراتيجي، الذي يجد انعكاسا له في أحكام قانون المالية الجديد، يمكن الرهان مجددا على قطاعات اقتصادية تقليدية قادرة على أن تعوض النقص المحتمل في المداخيل، وهو ما بدأ يحدث فعلا، يتعلق الأمر- كما هو مسلّم به باتفاق الخبراء عامة - بالرهان على السياحة بتصور أكثر جرأة بما يعيد التوازن لحركة السياحة وتركيزها باتجاه وجهة السوق الجزائرية وتنمية الاستثمار في الصيد البحري، شرط توفير آليات تضمن الشفافية وتعزز الاحترافية، إلى جانب إحداث نهضة فلاحية في الهضاب العليا والجنوب على أساس مشاريع مركبة ومندمجة بمشاركة الرأسمال الخاص والأجنبي، مع ضبط المصاريف العمومية على كافة المستويات، خاصة هيئات المجالس المنتخبة، بما فيها الجماعات المحلية بتسقيف مصاريف التسيير والحد من نفقات المنتخبين.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19634

العدد 19634

الأربعاء 27 نوفمبر 2024
العدد 19633

العدد 19633

الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024