مكتب المجلس الشعبي الوطنـي يستنكر تصريحـات ماكـرون:

نرفض تلقي دروس من دولة مازالت ترفض الاعتراف بجرائمها التاريخية

علي مجالدي

فرنسا وعـبء الماضي.. محاولة تصديـر الأزمـات نحو الجزائــر

لم تكن تصريحات الرئيس الفرنسي الأخيرة، بشأن قضية الكاتب بوعلام صنصال مفاجئة، بقدر ما كانت انعكاسًا واضحًا لأزمة أعمق تعصف بالمشهد السياسي الفرنسي. فتصريحات الرئيس الفرنسي، التي تتجاهل الأعراف الدبلوماسية وتقترب من التدخل الصريح في شؤون دولة ذات سيادة، تكشف عن مأزق داخلي يحاول الخروج منه بتوجيه الأنظار نحو الخارج.الجزائر، التي تقف اليوم بثبات في وجه الضغوط، وجدت نفسها، مرة أخرى، في مرمى استهداف قديم يتجدد.

ففرنسا، التي تشهد في الداخل أزمات سياسية واجتماعية متشابكة، بدت وكأنها تعيد إنتاج خطاب الهيمنة القديمة، عبر استغلال قضية قضائية تخضع بالكامل للقانون الجزائري. وبحسب العديد من المتابعين، يعكس هذا التصريح عدم قدرة باريس على استيعاب التحولات الجذرية في موازين القوى العالمية، إذ لم تعد الدول تتقبل منطق الاستعلاء الذي ظل حاضرًا في الخطاب الفرنسي منذ عقود وخاصة تجاه الدول الإفريقية. والموقف الجزائري، الذي اتسم بالحزم والوضوح، أكد أن هذه التصريحات لن تؤثر على مسار البلاد، بل تزيدها إصرارًا على حماية سيادتها.
كما أن التصعيد الأخير لم يكن وليد اللحظة، بل هو جزء من استراتيجية سياسية تهدف إلى صرف الانتباه عن أزمة داخلية خانقة يعيشها المجتمع الفرنسي، الذي يعاني من استقطاب سياسي وصعود متزايد لليمين المتطرف، حيث يقف اليوم على حافة اضطرابات اجتماعية عميقة توقعتها جهات فرنسية محايدة. وفي ظل هذه الظروف، تصبح الجزائر، بتاريخها الثقيل مع فرنسا، هدفًا مناسبًا لإثارة الجدل وتحقيق مكاسب سياسية داخلية قصيرة المدى.
علاوة على ذلك، وما يثير التساؤل أكثر، هو ازدواجية الخطاب الفرنسي الرسمي، حيث يتحدث ممثلوه عن حرية التعبير حين يتعلق الأمر بالجزائر والدول الإفريقية، بينما يصمتون عن انتهاكات واضحة بحق الصحفيين في فلسطين المحتلة والمجازر التي يرتكبها الكيان الصهيوني بحقهم بشكل يومي وبشكل ممنهج منذ أكثر من عام، هذا التناقض يعكس أزمة فقدان البوصلة في السياسة الخارجية الفرنسية، التي باتت تتخبط في تصريحات متناقضة تحاول استعادة نفوذ يتراجع يومًا بعد يوم.

محاولـة لتشتيـت الانتبـاه عن الداخل الفرنسـي

في نفس السياق، وفي قراءته لتصريحات الرئيس الفرنسي المستفزة، أكد الدكتور عبد القادر منصوري، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، في تصريح “للشعب”، أن ماكرون يسعى من خلال هذه الخرجة لتشتيت الرأي العام الفرنسي عن التحديات الداخلية التي يواجهها وهي معروفة منذ سنوات. ففرنسا اليوم، تعاني من أزمة قيادة حقيقية، مع انقسامات سياسية واجتماعية غير مسبوقة، مما دفع الرئيس الفرنسي إلى استغلال القضايا الخارجية لإلهاء الشارع الفرنسي.
كما أن هذه التصريحات، بحسب منصوري، لم تكن فقط محاولة لتصدير الأزمة، بل تكشف أيضًا عن عجز القيادة الفرنسية عن التعامل مع واقع جديد، حيث باتت الجزائر قوة إقليمية لا يمكن تجاوزها، فالجزائر اليوم تدافع عن سيادتها ومصالحها بشجاعة، متمسكة بمبادئها الثابتة في رفض التدخلات الخارجية، وماضية نحو تعزيز دورها الإقليمي والدولي.

الجزائـــر تـرد بحزم

رد الجزائر لم يتأخر، وجاء على لسان رئيس المجلس الشعبي الوطني إبراهيم بوغالي، الذي أدان بشدة تصريحات ماكرون، معتبرًا أنها محاولة لتشويه صورة الجزائر والمساس بسيادتها وكرامتها.
الجزائر، التي عانت من ويلات الاستعمار الفرنسي، ترفض تلقي دروس من دولة مازالت ترفض الاعتراف بجرائمها التاريخية في الجزائر، بدءًا من التجارب النووية التي ألحقت أضرارًا جسيمة بالسكان والبيئة، وصولًا إلى مجازر الإبادة الجماعية التي راح ضحيتها مئات الآلاف.
واستنكر مكتب المجلس الشعبي الوطني بشدة، التصريحات غير المسؤولة الصادرة عن الرئيس الفرنسي، والتي تمثل تدخلا سافرا في الشؤون الداخلية للجزائر، بحسب ما أفاد، مساء الاثنين، بيان للمجلس.
وجاء في البيان، “ترأس رئيس المجلس الشعبي الوطني، إبراهيم بوغالي، اجتماعا لمكتب المجلس انعقد، الاثنين. وقبيل انطلاق الأشغال، عبر مكتب المجلس الشعبي الوطني عن استنكاره الشديد للتصريحات غير المسؤولة الصادرة عن الرئيس الفرنسي”.
وأضاف البيان، أن تلك التصريحات “تمثل تدخلا سافرا في الشؤون الداخلية للجزائر ومساسا بسيادتها وكرامتها بشأن قضية قيد النظر وفق القوانين الجزائرية”، معتبرا أن “الأمر محاولة مكشوفة لتشويه صورة الجزائر ومؤسساتها السيادية”.
وأكد مكتب المجلس -يضيف البيان- أن “الجزائر، التي عانت من أبشع الانتهاكات إبان الحقبة الاستعمارية الفرنسية، ترفض بشكل قاطع أي تدخل خارجي أو تلقي دروس في مجال حقوق الإنسان والحريات”.
وتابع، “أن مثل هذه التصرفات تظل غير مقبولة من قبل عموم الشعب الجزائري. كما أنها لن تؤثر على مساره المستقل، بل ستزيده قوة وإصرارا على حماية سيادته وكرامته”، داعيا السلطات الفرنسية إلى الالتزام بقواعد العلاقات الدولية القائمة على الاحترام المتبادل.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19669

العدد 19669

الخميس 09 جانفي 2025
العدد 19668

العدد 19668

الأربعاء 08 جانفي 2025
العدد 19667

العدد 19667

الثلاثاء 07 جانفي 2025
العدد 19666

العدد 19666

الإثنين 06 جانفي 2025