مواقف مشرّفة ومحوريـة دفاعـا عـن أمّ القضايـا وكـل القضايــا العادلـة
في خضم عدوان صهيوني متواصل يستهدف الشعب الفلسطيني الأعزل خاصة في قطاع غزة منذ أكثر من سنة، تواصل الجزائر أداء دورها المحوري في الدفاع عن القضايا العادلة وعلى رأسها القضية الفلسطينية. فمنذ انضمامها كعضو غير دائم في مجلس الأمن منذ جانفي 2024، ثم توليها رئاسة المجلس في جانفي الجاري، كرّست الجزائر جهودها لإبراز المعاناة الفلسطينية وتسليط الضوء على الجرائم التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني، مؤكّدة موقفها الثابت والداعم لحقوق الفلسطينيين، وإصرارها على تحقيق سلام عادل ودائم في منطقة الشرق الأوسط.
بادرت الجزائر يوم السبت الماضي مع بداية رئاستها لمجلس الأمن إلى طلب عقد جلسة طارئة لمناقشة الأوضاع في غزة، حيث أكّد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في خطابه أمام البرلمان أن الجزائر ستواصل نصرتها للشعب الفلسطيني، قائلاً: “سنواصل مساندة الشعب الفلسطيني في كفاحه من أجل نيل حقوقه المشروعة...نحن مع فلسطين ومع كل الشعوب المقهورة في العالم”.
وقد وضعت الجزائر في تلك الجلسة المجتمع الدولي أمام مسؤولياته، مستندة إلى تقارير موثوقة كشفت عن التدمير الممنهج للبنية التحتية الصحية في غزة، إذ تمّ قصف أكثر من 27 مستشفى و12 منشأة طبية، ممّا أدى إلى خروج أكثر من نصف مستشفيات القطاع عن الخدمة، هذه الحقائق المؤلمة سلّطت الضوء على سياسة التطهير العرقي التي يتبعها الاحتلال بحق الفلسطينيين، في محاولة لاقتلاعهم من أرضهم، وهي سياسة استيطانية مفضوحة تسعى إلى توسيع مناطق الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية.
وفي نفس السياق، لم تكتف الجزائر بطرح المشكلة بل دفعت نحو اتخاذ خطوات عملية وسريعة، مشدّدة على ضرورة وقف العدوان فورًا ودون شروط، مع التأكيد على محاسبة الكيان الصهيوني على انتهاكاته الصارخة للقانون الدولي الإنساني. وفي الوقت نفسه، أعادت الجزائر التذكير بضرورة منح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، كحق مشروع يدعمه القانون الدولي.
رؤيـة شاملـة لنصـرة فلسطـين
تحرّكات الجزائر في مجلس الأمن جاءت متّسقة مع استراتيجيتها الدبلوماسية طويلة الأمد. وزير الخارجية أحمد عطاف أكّد في ندوة صحفية عقدها مؤخرًا أنّ الجزائر عملت خلال الأشهر الماضية على تعزيز مكانتها الدولية، والدفاع عن قضايا الحق والعدالة، مشيرًا إلى أنّ القضية الفلسطينية كانت محورًا رئيسيًا لهذه الجهود. عطاف أوضح أنّ الجزائر تمكّنت من إبقاء القضية الفلسطينية في صدارة الاهتمام الدولي، رغم التحديات التي تواجه النظام الدولي، مشيرًا إلى أنّ “التطورات العالمية كرست توجهًا خطيرًا في العلاقات الدولية، ممّا أدّى إلى الإفراط في استخدام القوة وتهميش القوانين الدولية”.
وكانت الجزائر طيلة العام الماضي قد قدّمت مبادرات متعدّدة داخل مجلس الأمن، تضمّنت مشاريع قرارات وبيانات تدين العدوان الصهيوني على المدنيين في غزة، وتطالب بإنهاء فوري لهذه الأعمال العدوانية. هذه الجهود تأتي في سياق محاولاتها الدؤوبة لحشد دعم دولي يضع حدًا لمعاناة الفلسطينيين، ويعيد القضية الفلسطينية إلى واجهة الأجندة العالمية، في وقت تراجعت فيه مواقف بعض الدول أمام ضغوط الاحتلال وحلفائه.
التـزام أخلاقـي واستراتيجـي
علاوة على ذلك، لا ترى الجزائر دعم القضية الفلسطينية من منظور تضامني فحسب، بل تعتبره التزامًا أخلاقيًا واستراتيجيًا يعكس مبادئ ثورتها التحريرية التي جعلتها رمزًا للنضال ضد الاستعمار، ومواقفها الثابتة في مجلس الأمن وداخل المنظمات الدولية تأتي لتؤكد أن العدالة الدولية لن تتحقّق إلا بإنصاف الفلسطينيين، ووقف الظلم الممنهج الذي يتعرضون له. كما أنّ الجزائر بمواقفها الثابتة، أثبتت أنّها شريك حقيقي للشّعب الفلسطيني، وسند له في محنته، في وقت تستمر فيه آلة العدوان الصّهيوني في حصد الأرواح، وتدمير مقومات الحياة بشكل يومي وممنهج.
كما أنّ الدور الجزائري في دعم القضية الفلسطينية ليس حدثًا عابرًا، بل امتدادا لرؤية استراتيجية طويلة الأمد تؤمن بأن الحقوق لا تسقط بالتقادم، وأن العدالة لا بد أن تنتصر مهما طال الزمن. في ظل استمرار العدوان الصهيوني على الفلسطينيين، تبقى الجزائر حاضرة كقوة دبلوماسية فاعلة تسعى إلى إيقاف نزيف المعاناة الفلسطينية، وتؤكد أنّ الحل الوحيد للأزمة هو إقامة دولة فلسطينية مستقلّة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشريف.