اجتماع رفيـع المستـوى فـي 21 جانفــي..أهميــة قصـوى وأهـداف مضبوطـة
مع بداية العام الجديد، استلمت الجزائر رئاسة مجلس الأمن الدولي في فترة تحمل تحديات كبيرة وفرصًا استراتيجية لتعزيز مكانتها كفاعل رئيسي على الساحة الدولية، وفي مؤتمر صحفي عقده ممثل الجزائر الدائم لدى الأمم المتحدة عمار بن جامع، ألقى الضوء على جدول أعمال المجلس لشهر جانفي، والذي يعكس رؤية الجزائر في تحقيق الاستقرار والأمن في إفريقيا والعالم، مع التركيز على مكافحة الإرهاب كأولوية ملحة بالنسبة للأفارقة.
في حديثه، أكّد بن جامع أنّ إفريقيا ستظل محور الاهتمام، حيث تواجه القارة تحديات متزايدة على المستويات الأمنية والسياسية، حيث عرج على ملف السودان ودارفور، والذي يتطلّب حلاً عاجلاً لإنهاء الصراع الذي يهدّد وحدة البلاد، إضافة إلى ضرورة رفع الحظر المفروض على ليبيا، الذي بات عقبة أمام جهود إعادة بناء مؤسسات الدولة الليبية، وهذا الالتزام بأولويات القارة الإفريقية يعكس إدراك الجزائر العميق للتحديات الإقليمية، وأهمية بناء استراتيجيات مستدامة لمواجهتها.
وفي نفس السياق، تأتي مكافحة الإرهاب في صدارة هذه الأولويات، إذ أعلن بن جامع عن اجتماع رفيع المستوى سيقوده وزير الشؤون الخارجية أحمد عطاف في 21 جانفي، لمناقشة هذه القضية المحورية.
ويعكس هذا رؤية الجزائر والتي ترى أنّ الإرهاب لا يزال يشكّل تهديدًا يتجاوز الحدود الوطنية، ويحتاج إلى تعاون إقليمي ودولي فعال لمواجهته. كما أن الإرهاب في إفريقيا، وخصوصًا في منطقة الساحل والصحراء، بات عامل زعزعة لاستقرار دول بأكملها، حيث تستغل الجماعات الإرهابية هشاشة الأنظمة الأمنية والمؤسسات الضعيفة لتنفيذ عملياتها.
وفي إطار متصل، أكّد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية الدكتور عبد القادر منصوري، في تصريح لـ “الشعب”، أنّ هذا الاجتماع المرتقب يعكس رغبة الجزائر في قيادة جهد دولي جديد لمكافحة الإرهاب، خاصة أن لديها تجربة طويلة وناجحة في مواجهة هذا التحدي داخليًا، ويوضّح أن الجزائر تضع ثقلها الدبلوماسي لدفع مجلس الأمن نحو اتخاذ خطوات عملية لدعم القدرات الأمنية للدول الإفريقية، سواء من خلال التدريب أو تبادل المعلومات أو توفير الموارد التقنية، لكنه يحذّر من أن ضعف التنسيق الإقليمي والتدخلات الخارجية التي لا تأخذ في الحسبان تعقيدات الوضع المحلي قد تكون عائقًا أمام تحقيق الأهداف المرجوة.
إلى جانب التركيز على الإرهاب، تسعى الجزائر لتعزيز التعاون بين مجلس الأمن والمنظمات الإقليمية كجامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي، ممّا يفتح آفاقًا أوسع لتنسيق الجهود لحل الأزمات، هذا الطرح يتّضح أيضًا في ملفات أخرى على جدول الأعمال، مثل قضية السودان، التي تتطلب مقاربة شاملة تشمل الجانب الأمني والإنساني والسياسي.
أمّا على الصعيد الدولي، فإنّ الجزائر، المعروفة بدعمها التاريخي للقضية الفلسطينية، تخطّط لرفع هذا الملف إلى مستوى وزاري خلال نقاش حول الأوضاع في الشرق الأوسط، هذه الخطوة تؤكد على استمرار الجزائر في لعب دورها كمدافع عن حقوق الشعوب، بما يتماشى مع مبادئها الراسخة في السياسة الخارجية.
ورغم أنّ تركيز الجزائر في هذه الفترة يتّجه نحو إفريقيا، فإنها لم تغفل الأزمات العالمية الأخرى، مثل الوضع في كولومبيا وهايتي، ومسألة قبرص في أوروبا، ممّا يعكس إدراكها للدور المتعدد الأبعاد الذي يتطلبه موقعها في مجلس الأمن.
ويرى العديد من المتابعين أنّ رئاسة الجزائر لمجلس الأمن في هذا الظرف الدولي الحساس تمثّل فرصة لإعادة ترتيب الأولويات على الساحة الدولية، وخاصة فيما يتعلق بإفريقيا. هذا الدور يتطلّب من الجزائر ليس فقط عرض وجهات نظرها، بل أيضًا العمل بفعالية مع القوى الكبرى والدول الأعضاء في المجلس لتحقيق نتائج ملموسة، كما أنّ الجزائر تسعى من خلال هذه الرئاسة إلى تحقيق أهداف تتجاوز المدى القريب، عبر ترسيخ دورها كفاعل رئيسي في قضايا الأمن والسلم الدوليين، وبرؤية استراتيجية تتسم بالواقعية والطموح، ويبدو أنّ الجزائر مستعدة للتعامل مع تعقيدات المرحلة الحالية، مع التركيز على مكافحة الإرهاب كأحد أكبر التحديات التي تواجه إفريقيا والعالم بأسره.