استلمت الجزائر الأربعاء، رئاسة مجلس الأمن في خطوة يصفها مراقبون بـ«الهامة”، تتيح للديبلوماسية الجزائرية مواصلة التزامها الراسخ في دعم القضايا العادلة على الساحة الدولية. فبعد عام كامل من عضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن، برزت فيه الجزائر كلاعب أساسي في أروقة الأمم المتحدة، ها هي تستعد لعامٍ آخر من الانجازات التي تهدف الى تعزيز الصوت العربي والافريقي في قضايا الأمن والسلم الدوليين.
من أبرز الملفات التي ستأخذ الجزائر على عاتقها دفعها خلال فترة رئاستها لمجلس الأمن، تلك المتعلقة أساساً بالوضع في الشرق الأوسط وخصوصاً القضية الفلسطينية، الى جانب قضية الصحراء الغربية باعتبارها آخر مستعمرة في افريقيا.
تمتلك الجزائر تاريخاً حافلاً في دعم القضايا العادلة، وفي هذا السياق، تبرز جهود مكة الثوار في رفع الصوت ضد السياسات الصهيونية وتطرّف المستوطنين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث يُسجّل للجزائر نجاحها في تمرير مشروع قرار يُطالب بوقف إطلاق النار الفوري والدائم في غزة. ورغم الفيتو الأمريكي الذي حال دون تحقيق تقدّم ملموس في أكثر من مرة، لم تتوقف الجزائر عن السعي الدائم لإعادة القضية الفلسطينية الى الواجهة الاعلامية والأممية والانسانية، مسلّطةً الضوء على سياسة الكيل بمكيالين التي ينتهجها المجتمع الدولي حينما يتعلّق الامر بحقوق الشعب الفلسطيني.
ستعمل الجزائر خلال العام الجاري الذي يشهد رئاستها لمجلس الامن على توظيف هذا الوضع لإبراز القضايا المتعلقة بالقارة الافريقية، خاصة في مجال مكافحة الارهاب وما يشكّله من تهديد للأمن والاستقرار في القارة. ولا تقتصر الأولويات الجزائرية على الشرق الاوسط وافريقيا فحسب، بل ستشمل خلال العام الجاري مناقشة الاوضاع السياسية والانسانية في سوريا واليمن والصحراء الغربية، في وقتٍ يعجز فيه مجلس الامن عن إيجاد حلول جذرية لهذه القضايا.
يعدُّ تولي الجزائر لرئاسة مجلس الامن في هذا الوقت الحساس، فرصة استراتيجية لتعزيز مكانتها الدولية والتأكيد على دورها القيادي في الدفاع عن القضايا العربية والافريقية. وعلى الرغم من التحديات الكبيرة المطوحة أمام الجزائر في مجلس الامن، فإنها تواصل بلا كلل أو ملل في العمل من أجل تحقيق الأمن والاستقرار في العالم، وهو ما يتماشى مع سياستها الخارجية وعقيدتها في العلاقات الدولية منذ الاستقلال.
وفي تعليق على الحدث، قال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة تمنراست، الدكتور محمد عربي لادمي، “إن عضوية الجزائر في مجلس الامن، وانتخابها كعضو غير دائم منذ عام، كانت فرصة للجزائر من أجل تحقيق أهم مبادئها في سياستها الخارجية، وهو مبدأ الدفاع عن حقوق الانسان ودعم حق الشعوب في تقرير مصيرها، خاصة الشعبين الفلسطيني والصحراوي”.
وأضاف الدكتور عربي لادمي “لطالما كانت الجزائر مناضلة ومرافِعة من أجل تكريس هاذين المبدأين، بدليل أن بيان أول نوفمبر كان مبنياً عليهما، بالإضافة الى دستور الجزائر لسنة 1976 الذي خصّص فصلاً كاملاً للسياسة الخارجية الجزائرية ومبادئها الى جانب دستور 2020 الذي ثبّت تلك المبادئ”.
ولفت إلى أن الجزائر ستستثمر في هذه البيئة الجديدة من أجل الدفع بوقف إطلاق النار في فلسطين، وإسماع صوت المظلومين والشعوب المضطهَدة حول العالم، كما أنها ستقوم بتحرّك ديبلوماسي كبير مثلما فعلت خلال العام المنصرم، وستوظّف كل ما لديها من “قوة ناعمة” في مجلس الامن من أجل الظفر بقرار أممي يطبَّق على أرض الواقع ويضع حداً لآلة الإبادة الصهيونية، كما أنها ستسعى جاهدةً الى تحقيق مطلبها الأساسي وهو الاعتراف بدولة فلسطين كدولة كاملة العضوية في الجمعية العامة للأمم المتحدة.