اكتفاء ذاتي في المواد البترولية خلال الأربع سنوات الأخيرة
خوجة لـ “الشعب”: سوناطراك حافظت على موقعها ضمن الهيكل الاقتصادي كعمود فقري
تناول اجتماع الحكومة الأخير، مراجعة الجانب التنظيمي المؤطر لنشاط تخزين وتوزيع المنتجات النفطية، تتمة للمنظومة القانونية المتعلقة بقطاع المحروقات، والتي ساهمت في إحداث التطور اللافت لقطاع الطاقة في الجزائر، خاصة من حيث تنامي إنتاج النفط والغاز بالشكل الذي يلبّي احتياجات الطلب الداخلي المتزايد ويعزّز المكانة الدولية، وهو ما يؤكّده نائب رئيس الأكاديمية الجزائرية للعلوم والتكنولوجيا محمد خوجة.
أوضح نائب رئيس الأكاديمية الجزائرية للعلوم والتكنولوجيا، والباحث بالمعهد الجزائري للبترول، الدكتور محمد خوجة، أنّ الجزائر تسعى إلى تنويع اقتصادها الذي كان سابقا يعتمد أساسا على المحروقات وعائداته من عملية تصدير المنتجات النفطية الجزائرية، من خلال التوجه نحو القطاعات الإستراتيجية التي تعتمد هي الأخرى على المقدرات الطبيعية للبلاد.
ورغم هذا التوجه الجديد للاقتصاد الوطني، ضمن مقاربة تنويعه وتحريره من التبعية للمحروقات التي أقرّها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، أكّد خوجة لـ “الشعب” أنّ مجمّع سوناطراك بقي محافظا على موقعه ضمن الهيكل الاقتصادي الوطني كعمود فقري، وشريان حيوي من حيث تأمين الأمن الطاقوي للبلاد وضمان مداخيلها من العملة الصعبة، من خلال تعزيز مكانتها بالأسواق الطاقوية العالمية وتنويع منتجاتها النفطية، حيث تمّ رصد غلاف مالي بلغ 50 مليار دولار لتجسيد سياسة سوناطراك الاستثمارية في مجال المحروقات آفاق 2030، بما فيها مضاعفة عمليات التنقيب والاستكشاف وإنتاج الغاز، وبعث الصناعات البتروكيماوية وتعزيز المنشآت الخاصة بتخزين المنتجات النفطية. وعلى ذكر الإنتاج النفطي في الجزائر، أفاد خوجة أنّ هذا الأخير قد حقّق قفزة نوعية خلال شهر نوفمبر الماضي، بزيادة إنتاجية قدرها 1000 برميل / يوميا، بعد استقراره على مدار الشهرين الماضيين، موضّحا أنّ إنتاج النفط في الجزائر خلال نوفمبر 2024، بلغ 910 آلاف برميل / يوميا، مقابل 909 آلاف برميل / يوميا خلال شهري سبتمبر وأكتوبر الماضيين.
وكانت الجزائر قد تصدّرت قائمة أكبر الدول الأفريقية المنتجة للغاز الطبيعي بحجم بلغ 104.27 مليار متر مكعب، مقابل 100.51 مليار متر مكعب في عام 2022، بامتلاكها ثاني أكبر احتياطيات الغاز في إفريقيا - بعد نيجيريا - استقرّت عند 4.5 تريليون متر مكعب بنهاية عام 2023، كما استقرّت احتياطاتها من النفط عند 12.2 مليار برميل، محافظة بذلك على المركز العاشر عالميا والأول إفريقيا ضمن أكبر البلدان المنتجة للغاز الطبيعي، مع رفع حصتها الإنتاجية بنسبة 4 % لتبلغ 101.5 مليار متر مكعب خلال عام 2023، مقارنة بنحو 97.6 مليار متر مكعب عام 2022.
بالمقابل احتلّت الجزائر المرتبة السابعة عالميا من حيث الطاقة الإنتاجية للغاز الطبيعي المسال، بقيمة إنتاجية قدّرت بـ 25.5 مليون طن سنويا مع بداية السداسي الأول لسنة 2024.
ارتفـــــــــــــاع الاستهـــــــــــــــــلاك الدّاخلـــــــــــــــي
وانطلاقا من وفائها الدائم لالتزاماتها التّعاقدية، استطاعت الجزائر من خلال عملاقها الطاقوي، أن تتصدّر مرتبة المورد العالمي الموثوق، مع قدرتها على تلبية الطلب الداخلي المستمر في الارتفاع، خاصة خلال السنوات، يقول خوجة، أين تم تسجيل ارتفاع في الاستهلاك الوطني للمواد البترولية إلى 18.1 مليون طن في سنة 2023، بزيادة 3.5 بالمائة مقارنة بـ 17.3 مليون طن تم استهلاكها خلال 2022، مرجعا هذا الارتفاع إلى الحركية الاقتصادية التي تعرفها البلاد، ويتوقّع أن يتواصل هذا النمو في الاستهلاك خلال السنوات المقبلة.
وأكّد أنّ قدرات الإنتاج الوطنية قادرة على تلبية هذا الطلب، خاصة وأن الجزائر قد حقّقت اكتفاءً ذاتيا في المواد البترولية خلال الأربع سنوات الأخيرة، بفضل الجهود المبذولة من طرف السلطات العليا، لاسيما من خلال تهيئة وتحسين المصافي والمكامن القديمة بحاسي مسعود وحاسي رمل، ورفع الطاقة الإنتاجية لهذه المواد عبر الاستكشافات الجديدة وحفر الحقول النفطية، مع التوجه إلى الاستكشافات النفطية بأعالي البحار أو ما يعرف بالأفشور.
حصـــــــــــــــــــــــة سوقيـــــــــــــــــــــــــة عالميـــــــــــــــــــة
وعن موقع الجزائر ضمن الخارطة السوقية الغازية خاصة الأوروبية، أشار الباحث إلى أنّ الجزائر وخلال جميع المراحل التاريخية لنشاطها الطاقوي، بحكم امتلاكها لشبكة أنابيب لنقل الغاز الطبيعي من الحقول الجزائرية إلى إيطاليا وإسبانيا وفرنسا وأنابيب نقل الغاز المسال إلى العديد من الدول الأوروبية والأسيوية أين تعد تركيا أهم مستهلك للغاز المسال الجزائري، تليها كل من الصين والهند وكوريا الجنوبية، ممّا يعزّز التواجد الجزائري القوي ضمن الدول الموردة للغاز الطبيعي، متجاوزة نيجيريا التي احتفظت بلقب المورد الإفريقي الأول للغاز الطبيعي لما يزيد عن عقد من الزمن.
مكاسب ثمّنها المتحدّث وأرجعها إلى الجهود المتفانية التي تبذلها سوناطراك من أجل تلبية الطلب الوطني من جهة، وتعزيز حصتها السوقية الدولية من جهة أخرى، وذلك بتجميع كميات الغاز المنتجة في الحقول النفطية، إضافة إلى تعزيز المنشآت السّطحية لتحويل الغاز من الحالة الغازية إلى الحالة السائلة، وتصديره عن طريق شبكة الأنابيب البحرية.
في هذا الصدد، عكفت الجزائر على تكثيف وتطوير إنتاجها وفق عملية الضغط باعتبار أنّ الغاز الطبيعي خلال الحياة الأولى في المكامن، يتواجد على السطح بحكم الضغط الداخلي القوي للمكان ليبدأ في التراجع خلال السنوات الموالية من بدء عملية الإنتاج.
منظومـــــــــــــــــة قانونيــــــــــــــــــــــة محفّـــــــــــــــــــزة
من ناحية التأطير التنظيمي، الجزائر ومن خلال تحديث منظومتها القانونية المتعلقة بقطاع المحروقات، خاصة قانون المحروقات الجديد، تمكّنت من استقطاب كبرى الشركات البترولية العالمية، وتحفيزها على إبرام شراكات استراتيجية مع رائدها النفطي “سوناطراك”، حيث تهدف هذه الأخيرة إلى الاستفادة من التكنولوجيا العالمية لاستخراج المحروقات وتحويل البترول إلى منتجات نفطية.
وبخصوص الاستثمارات في مجال توزيع المواد البترولية عموما، قامت سلطة ضبط المحروقات بمعالجة قرابة 176 طلب ترخيص بين نهائي ومؤقّت - حسب تصريحات رئيسها لوسائل إعلامية - لإطلاق نشاطات تخزين وتوزيع المنتجات النفطية، وكذلك لإنشاء وحدات تصنيع وتخزين زيوت التشحيم وتجديد الزيوت خلال 2023.
ومن مجموع هذا العدد، تمّ منح 112 ترخيص لإنشاء محطات خدمات نفطية، و6 تراخيص لتخزين المنتجات النفطية، وترخيصين لتوسعة ممارسة نشاط تحويل المركبات إلى وقود غاز البترول المميّع.
وفيما يتعلّق بإنشاء وحدات تصنيع وتخزين زيوت التشحيم وتجديد الزيوت، تمّ منح 56 ترخيصا لهذا النشاط، وفقا للمخطّط الوطني لتطوير منشآت تكرير وتحويل المحروقات الذي تكفّلت بدراسته لجنة قطاعية خاصة. من جهة أخرى، قامت سلطة ضبط المحروقات بإطلاق منصّة رقمية تتكفّل بدراسة ملفات التراخيص الخاصة بالاستثمار في مجال المحروقات.