أعادت الجزائر، مع تولي الرئيس عبد المجيد تبون رئاسة البلاد، هندسة توجهها نحو أفريقيا، باعتبارها عمقا استراتيجيا. فقد عززت علاقاتها السياسية المتينة مع عديد الدول الإفريقية، سيما دول الجوار، بمد جسور التعاون الاقتصادي لتنمية القارة واستعادة زمام أمورها، ومن ذلك قيام الجزائر بفتح خمس مناطق للتبادل التجاري الحر في المناطق الحدودية، ومد خطوط النقل البري والسككي لربط أقصى شمال الجزائر بدول الجوار مرورا بأقصى الجنوب، ويسمح ذلك بتعميم التنمية في مختلف دول القارة على أساس الربح المتبادل، لأن التاريخ واحد ومصير دول القارة مشترك.
تأتي مشاركة رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، في فعاليات المؤتمر الإفريقي حول التعليم والشباب والتوظيف، في إطار تعزيز العلاقات الثنائية مع الدول الأفريقية، سيما دول الميدان ولتنقل الجزائر تجربتها في ترقية وتطوير التعليم وأهميته في مكافحة الآفات الاجتماعية والتهديدات الأمنية، ضمن مقاربة شاملة تضع التنمية على سلم الأولويات لتحقيق الرفاه والسلم والأمن لشعوب المنطقة، إلى جانب التنمية الاقتصادية وتوفير الأمن.
ومن المنتظر أن تعرض الجزائر تجربتها في مجال التعليم والاهتمام بالشباب، الذي يعتبر محرك التنمية في أي مجتمع، حيث أولى رئيس الجمهورية في برنامجه الرئاسي الشباب أهمية خاصة، وانعكس ذلك في طاقمه الحكومي الذي خصص حقائب وزارية لوزراء شباب، كما خص الشباب بوزارة قائمة بذاتها بعد فصلها عن وزارة الرياضة.
إلى ذلك يعتبر المؤتمر الأفريقي حول التعليم والشباب والتوظيف، فرصة لنقاشات ثنائية بين الجزائر والدول الأفريقية المشاركة، من أجل مناقشة قضايا التنمية والأمن في القارة، انطلاقا من أن التعليم هو بوابة مكافحة التطرف والعنف، الذي تعاني منه عديد دول القارة بفعل التدخل الأجنبي والتنافس على مواردها.
تثمين العلاقات المتميزة
في إطار استراتيجيتها لإعادة هندسة علاقات التعاون مع دول الجوار، أطلقت الجزائر العديد من المشاريع التنموية في البنى التحتية، لتكون رافدا لحركية اقتصادية وأسواق بينية تفك العزلة عن المناطق الحدودية وتشكل عامل استقرار للساكنة ومنه تعزيز الأمن، الذي بات هاجس الدول المعنية، ويتطلب ذلك مقاربة شاملة لضمانه ومواجهة التهديدات.
عرفت العلاقات الجزائرية الموريتانية زخما متصاعدا منذ 2020، توج بإنشاء منطقة التبادل الحر بينها وبين موريتانيا. وكان رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون ونظيره الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، وضعا، شهر فيفري 2024، حجر الأساس لمشروع إنجاز المنطقة الحرة للتبادل التجاري والصناعي بين البلدين، ودعا الرئيس تبون المتعاملين الاقتصاديين الموريتانيين إلى «الاستثمار في منطقة التبادل الحر والاستفادة من الإعفاء الضريبي والجمركي’’.
وبالتوازي مع ذلك، تم إعطاء إشارة انطلاق إنجاز الطريق البري تندوف- الزويرات على مسافة 840 كلم، ومن المنتظر أن تسلم الشركة المكلفة بالإنجاز الشطر الأول على مسافة 88 كلم، في القريب العاجل. ومن شأن هذا المشروع الاستراتيجي، أن يعزز التعاون الاقتصادي بين المتعاملين الاقتصاديين لكلا البلدين وتنشيط الحركية الاقتصادية وانسيابية المبادلات التجارية، وكذا فتح محاور طرق دولية هامة والسماح للمتعاملين الجزائريين بالولوج إلى الأسواق الإفريقية مرورا بموريتانيا.
يذكر، أن قيمة التبادل التجاري بين الجزائر وموريتانيا قدرت بـ414 مليون دولار خلال 2023، بزيادة بلغت 82٪ مقارنة بسنة 2022. واستوردت الجزائر من موريتانيا ما قيمته 349 مليون دولار، وبلغت قيمة الصادرات الجزائرية خارج المحروقات نحو موريتانيا أكثر من 62 مليون دولار في 2023، بزيادة 51٪ على أساس سنوي.
وبالنسبة لعوائد التعاون الجزائري الموريتاني على الجزائر، فإن البلد الأطلسي، وبفضل ساحله المطل على المحيط الأطلسي على طول 750 كلم، سيسمح لها بأن تكون بوابة النقل البحري بالنسبة للجزائر، على اعتبار قلة تكلفته مقارنة بباقي طرق الشحن.
نقل الخبرات والتكنولوجيا
تتوفر الجزائر على خبرة عالمية في مجال التنقيب والكشف عن النفط والغاز، وهي الخبرة التي يمكن أن تفيد بها موريتانيا، التي اكتشفت مؤخرا بعض حقول النفط والغاز.
وكانت الجزائر استضافت الرئيس الموريتاني السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، في فعاليات الطبعة 12 لمعرض ومؤتمر إفريقيا وحوض البحر الأبيض المتوسط للطاقة والهيدروجين «ناباك 2024».
في سياق آخر، افتتح بنك الاتحاد الجزائري أول وكالة بنواكشط، وذلك بعد حصوله على اعتماد البنك المركزي الموريتاني، منتصف جوان 2023. وتهدف الخطوة إلى تعزيز وتنشيط التجارة البينية بين موريتانيا والجزائر ودعم الاقتصاد من خلال دعم المستثمرين في البلدين، والمساهمة في جعل موريتانيا قاطرة للتبادل التجاري في المنطقة.
كما فتح البنك وكالة تجارية جديدة له، في نواذيبو، شهر فيفري 2024، بهدف تقديم خدمات جوارية حقيقية وتعزيز المبادلات التجارية وتنشيط الحركة الاقتصادية بين البلدين الشقيقين.
تعاون أمني وعسكري
تتقاسم الجزائر وموريتانيا المخاوف الأمنية نفسها، سيما تعلق باتحاد الجريمة المنظمة والإرهاب، على رأسها تجارة المخدرات، التي يريد المخزن، أول منتج للقنب الهندي عالميا، إغراق دول المنطقة بها وإهلاك الشباب بتعاطيها. كما يتفق البلدان، الجزائر وموريتانيا، على وقف الأطماع التوسعية لنظام المخزن المطبع. وعليه، شددت الجزائر، على لسان نائب وزير الدفاع الوطني، السيد السعيد شنقريحة، خلال زيارة العمل التي قادته إلى موريتانيا، منتصف أكتوبر الماضي، على ضرورة تعزيز العمل المشترك بين الطرفين بروح التعاون والتنسيق الدائمين، وذلك في ظل سياق جيوسياسي إقليمي ودولي خاص، ترتب عنه بروز تحديات أمنية جديدة.
يذكر، أن الجزائر وموريتانيا عضوان في لجنة الأركان العملياتية المشتركة، ومقرها تمنغست، والتي تضم أيضا النيجر ومالي. وكانت اللجنة اجتمعت، نهاية 2023، لبحث تهديدات الإرهاب وانتشار السلاح وتسلل جهاديين عبر الحدود، حيث تم التأكيد على تنسيق الجهود بكل فاعلية والتزام حتى بغرض اتخاذ القرارات اللازمة لبلوغ الأهداف الأمنية المسطرة من طرف الدول الأعضاء.
وقبل ذلك، شاركت موريتانيا، إلى جانب باقي دول الميدان، في اجتماع عقد بالعاصمة الجزائر في 2022، توج بالمصادقة والتوقيع على النصوص المنظمة «للجنة» بهدف تطوير التعاون الأمني وتنسيق عمليات مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود.