مذكّرات تفاهم حيوية..تعبيد الطريق نحو الريادة الاقتصادية
توّج التّعاون الجزائري الجنوب أفريقي بالتوقيع على عديد مذكرات التفاهم في المجال الاقتصادي والتكنولوجي والعلمي، ومن شأن هذا الرقي بالعلاقات الثنائية، التي طالما تميزت بتطابق المواقف الناجم عن التجربة المريرة التي عاشها شعبا البلدين في نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، والاحتلال الاستيطاني الفرنسي للجزائر، توحيد الصوت والمواقف إزاء المسائل الراهنة والمستقبلية، وفيما تعلق بقضايا التحرر وإقامة نظام دولي عادل، والدفاع عن مصالح القارة التي عانت من ويلات الاستعمار.
تتقاسم الجزائر وجنوب أفريقيا الرؤى نفسها من قضايا التحرر في العالم، وعلى رأسها تصفية الاستعمار في الصحراء الغربية باعتبارها آخر مستعمرة في أفريقيا، ومن القضية الفلسطينية التي تعكس غياب تطبيق القانون الدولي، وهشاشة المنظومة الدولية التي عجزت عن انصاف شعب يعاني الإبادة الجماعية منذ سبعة عقود وأزيد.
ويتّضح هذا التنسيق في المواقف من خلال دعوة الجزائر إلى متابعة الكيان الصهيوني عن جرائمه ضد الشعب الفلسطيني سيما بعد العدوان على غزة، وهي المبادرة التي جسدتها جنوب أفريقيا عمليا، عندما رفعت دعوى ضد الكيان لدى محكمة العدل الدولية.
وبالعودة إلى الشق التاريخي من العلاقات الثنائية، تشابهت مواقف البلدين وتطابقت من الاحتلال، حيث احتضنت الجزائر وفي عز سنوات ثورة التحرير المظفّرة، المناضل والرئيس الاسبق لجنوب أفريقيا، نيلسون منديلا، الذي تدرّب في صفوف جيش التحرير وعاد إلى بلاده مكافحا لنظام الفصل العنصري. وفي موقف جزائري آخر، مساند لجنوب أفريقيا، طردت الجزائر التي ترأست الجمعية العامة للأمم المتحدة في 1974، ممثلي نظام الفصل العنصري البيض، من جلسات الجمعية، وهو موقف اتخدته جنوب أفريقيا إلى جانب الجزائر، عندما وقفتا ضد انضمام الكيان الصهيوني كعضو مراقب للاتحاد الافريقي. في تأكيد جديد ومتجدد لمبدأ الدفاع عن حق تقرير المصير، طبقا للشرعية الدولية، ورفضا لازدواجية المعايير التي تتعامل بها القوى الكبرى.
صمّام أمان
واليوم يضم البلدان صوتيهما للدفاع عن مصالحهما ومصالح القارة الأفريقية لرفع الظلم التاريخي عنها، سواء عبر الاتحاد الافريقي بصفته عضوا في مجموعة العشرين، التي ترأسها جنوب افريقيا حاليا أو في هيئة الأمم المتحدة بمختلف هياكلها، بإيصال صوتها ورفع انشغالاتها وهمومها، خاصة الأمن والتنمية، وتوحيد كلمة كل دولها لمواجهة التحديات العالمية الجديدة، في عالم يشهد انتقال مراكز القوة، وظهور فواعل جديدة، وهي فرصة القارة في أن تنتزع المكانة التي تليق بها، وتسترجع قرارها، باعتبارها خزّانا للثروات الطبيعية والبشرية، التي انتفع بها المستعمر السابق وما زال يستنزفها.
ومن ذلك أيضا النضال من أجل منح افريقيا مقعدين دائمين في مجلس الامن، حيث بقيت القارة الوحيدة دون ممثل دائم فيه، وهو حق تطالب لتصحيح الظلم التاريخي عليها، على اعتبار أن معظم دولها كانت تحت الاحتلال عند تأسيس المنظومة الدولية الحالية.
وتثمينا لكل ذلك الزخم التاريخي والسياسي والدبلوماسي، أسست الجزائر وجنوب أفريقيا لجنة الصداقة البرلمانية، ومنتدى رجال الأعمال الجزائري الجنوب افريقي، وتم إنشاء معهد النانو تكنولوجيا والتحول الرقمي، خاصة وأن جنوب افريقيا تعرف تطورا في الشركات الناشئة وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، كما وقّع الطرفان مجموعة أخرى من مذكرات التفاهم، في البحث الزراعي ومذكرة تفاهم بين الوكالة الفضائية الجزائرية ونظيرتها من جنوب افريقيا، وفي مجال المقاولاتية والابتكار الى جانب مذكرة تفاهم حول التعاون الاقتصادي المشترك وأخرى حول التعاون في المجال القانوني والقضائي، بالإضافة إلى التوقيع على محضر الدورة السابعة للجنة الثنائية العليا للتعاون بين البلدين.