مقدرات طبيعية وطاقات بشرية لإنجاح التّعاون الجزائري - الجنوب إفريقي
التّعاون الفضائي والبحث الزّراعــــــي يتجسّد وفق أجنــــــدة زمنية قيـــــاسيــــة
توّجت زيارة رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا إلى الجزائر وترؤّسه للدورة السابعة للجنة الثنائية للتعاون بين جنوب إفريقيا والجزائر مع رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، بإمضاء إعلان التعاون المشترك بين البلدين إلى جانب إمضاء 5 اتفاقيات شراكة في مجالات استراتيجية لبعث تنمية اقتصادية مستدامة، وتشكيل قطبين اقتصادين على الجهتين الشمالية والجنوبية للقارة الإفريقية، يقودهما عملاقين اقتصاديين ظلاّ وفيين للقضايا العادلة ومسار نيلسون مانديلا، حيث تتصدر جنوب إفريقيا والجزائر المرتبتين الثانية والثالثة على الترتيب، قائمة الاقتصاديات الإفريقية الأقوى والأسرع نموا.
أوضح أستاذ الاقتصاد بجامعة سطيف البروفيسور فارس هباش في اتصال مع «الشعب»، أنّ التوقيع على 5 مذكرات تفاهم بين الجزائر وجنوب إفريقيا في مجالات البحث الزراعي، المقاولاتية والابتكار، القانون والتعاون الاقتصادي إلى جانب مذكرة تفاهم بين الوكالة الفضائية ونظيرتها من جنوب إفريقيا، في إطار جدول أعمال الدورة السابعة للجنة الثنائية للتعاون المشترك بين الجزائر وجنوب إفريقيا، يأتي في سياق مغاير تماما لذلك الذي انعقدت به سابقتها سنة 2015.
ويتزامن اللقاء التاريخي للعملاقين الافريقيين مع معطيات جيو-إستراتيجية عالمية تميّزت باحتدام الصراع والتوتر في ظل رهان الأمن الغذائي، الذي لا يمكن أن يتحقّق إلا من خلال تطوير المجال الفلاحي والبحوث الزراعية، خاصة وأن المؤهلات الفلاحية لكلا البلدين جد مشجعة على خوض رهان بعث المجال الفلاحي وتحقيق الأمن الغذائي، الذي خطت الجزائر خطوات لا يستهان بها من أجل تحقيق استقلاليتها الغذائية، بمساهمة لقطاع الفلاحة في ناتجها المحلي الخام قدرت بـ 15 %، وقيمة اقتصادية قدرت بـ 35 مليار دولار، في قفزة تاريخية غير مسبوقة. تعتبر جنوب إفريقيا من أهم مصدري المنتجات الفلاحية، خاصة ما تعلق بالحبوب والذرة والحمضيات بقيمة اقتصادية بلغت 12 مليار دولار سنويا. تقارب في الإستراتيجية الاقتصادية وتكامل من حيث المقدرات الطبيعية، يؤكّد المتحدث أنها ستفتح آفاقا واسعة للتعاون الثنائي بين البلدين من أجل تعزيز التعاون جنوب - جنوب، وتنسيق للأدوار على المستوى الإقليمي ما يخدم القارة السمراء وينصر القضايا العادلة التي تتقاسم كل من الجزائر وجنوب إفريقيا نفس الرؤى والمواقف لنصرتها.
ثورة بسلاح الثّروات..
أما فيما تعلق بمذكرة التفاهم المتعلقة بالابتكار والمقاولاتية، أضاف ذات المتحدث، أنّها تزامنت والطبعة الثالثة للمؤتمر الإفريقي للابتكار والمؤسسات الناشئة، الذي أصبح تقليدا وموعدا سنويا، يحضره أكثر من 25 ألف مشارك من شباب مبتكر، ورواد أعمال شباب ومستثمرين، تسعى الجزائر من خلاله إلى فتح المجال أمام الكفاءات الإفريقية المبدعة من خلال أفكارها ومشاريعها الابتكارية من أجل إيجاد حلول إفريقية للإشكاليات الاقتصادية المطروحة على مستوى الدول الإفريقية، الذي أصبحت مهدا وبعث تنمية اقتصادية مستدامة، تمكن من تحرير الشعوب الإفريقية اقتصاديا في ظل الرهانات المطروحة. وقد قدّم الشباب في ذلك - يقول هباش - أقوى الأمثلة عن قدرات المادة الرمادية الإفريقية المبدعة، وهو ما ستعمل الدولتين في إطار اتفاقية الشراكة على تعزيزه، خاصة في مجال التكنولوجيا الحديثة التي تمتلك جنوب إفريقيا مؤهلات كبيرة من حيث التحكم بأحدث تقنياتها.
وتكتسي الاتفاقية المبرمة بين وكالة الفضاء الجزائرية ونظيرتها الجنوب -إفريقية أهمية قصوى بقدر الأهمية التي تكتسيها التكنولوجيا الفضائية والأقمار الصناعية في مراقبة الكوارث الطبيعية والغطاء النباتي وتطوير المجال الفلاحي، ما يسمح بتشخيص دقيق للبنية الهيكلية للبلدين ومرافقة الإنتاج الزراعي بتقنيات حديثة مبتكرة، إضافة إلى تحديات الأمن السيبراني الذي أصبح سلاحا فتاكا يهدد أمن القارة السمراء، من هندسة الدول الغربية ضمن مخطط غربي يهدف إلى الاستيلاء، واستغلال المقدرات الطبيعية الثمينة التي تزخر بها القارة الإفريقية.
ويبقى المجال الزمني لتجسيد الاتفاقيات المبرمة أهم عامل - حسب ذات المتحدث - لإنجاح مشروع الشراكة والتعاون بين البلدين، بالنظر إلى السياق الاقتصادي العالمي الذي تندرج به، أين أصبح الاقتصاد الجزائري أكثر إقبالا على تحرير المبادرة، وتكييف منظومته التشريعية مع المتطلبات الاستثمارية الراهنة، في وجهة تهدف إلى التنوع والتحرر من التبعية للمحروقات.
ويتوقّع هباش أن تدخل ذات الاتفاقيات المبرمة حيز التجسيد الفعلي خلال الثلاثي الأول من سنة 2025، بالنظر إلى تعليمات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون بتسريع وتيرة إنجاز المشاريع الاستثمارية سواء المحلية منها أو تلك المتمخّضة عن شراكات دولية.