فقدت الأسرة الإعلامية الإذاعية واحدا من أبنائها البررة وقلما متفرّدا في كتاباته وجرأته وتحليلاته وقدراته في معالجة الأحداث وتقريبها من أذن المستمع دون إطناب أو تكلف… إنه الإعلامي مصطفى عبد الصدوق من القناة الوطنية الثالثة.
لغته الفرنسية كانت أرقى ما تكون أسلوبا وسلاسة وإنسيابا بحيث تسري على لسانه كالماء الرقراق ولم يكن ذا ادّعاء أو شعور بالغرور، لأنه واثق من نفسه وذو همّة عالية.
كنّا أسرة واحدة متكاملة ولا وجود للعقدة اللغوية، طالما أن الأهداف النبيلة التي نسعى إليها تتجاوز مثل هذه القضية المفتعلة وتسمو بنا إلى فضاءات يميّزها التسامح والمحبة والتآخي.
مساره المهني كان حافلا وثريا ولو قدر لكتاباته أن وثّقت وحفظت لشكّلت مكتبة بذاتها في شتى المواضيع السياسية وطنيا، عربيا وعالميا، لكن قدَر الإذاعيين ممن يحترفون الكتابة التحليلية أن تذهب أعمالهم في الهواء ولا تُؤرشَف عكس ما هو سائد الآن في زمن الرقمنة.
علاقاته الإنسانية كانت مثالية ولم يُخطئ في حق أيّ من زملائه وزميلاته، بل كان خيرَ سند لهم نصحا، مشورة ومساعدة، فما من أحد من أفراد الأسرة الإذاعية إلا ويكنّ له الاحترام والتقدير ولم تأتِ سيرة أيّ من هؤلاء على لسانه بسوء، بل كان يمقُت وينفر من الحديث عن أعراض الناس وقد يهجر كلّ من يحمل صفة النميمة ويتجنّبه.
التزامه بعمله إلى حد العبادة جعله مثلا أعلى لكل المحيطين به، فهو بمثابة الرمز علما وسلوكا وأخلاقا، فالضغينة لا تعرف الطريق إلى قلبه، إيمانا منه بالقول المأثور: «لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب ولا ينال العلا من طبعه الغضب».
فمن النادر، وهذه حقيقة، أن تجتمع هذه الصفات في رجل واحد فضّل العيش بكبرياء ولم يطرق أبواب الجاه والنفوذ رغم علاقاته الواسعة وظل لصيقا بالإذاعة حيث بيته وزملاؤه وزميلاته وأصدقاؤه الذين غادرهم ذات صباح وهو بينهم بابتسامته الطفولية المعهودة.
ندعو له بالرحمة والغفران من كل قلوبنا ونقدم تعازينا الحارة لعائلته وأقاربه وللأسرة الإذاعية التي بكته بحرقة، لأنها فقدت فيه أخا عزيزا وصحفيا من طينة الكبار.
وداعا مصطفـى!
بقلم: برهوم بوجمعة
شوهد:293 مرة