من التآمر على «الأمير» إلى التطبيع.. فصول المكائد
وثّقت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، خيانة سلطان المغرب مولاي عبد الرحمن للأمير عبد القادر الجزائري، التي شكّلت نقطة فارقة في مسار المقاومة الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي.
ويؤكد مؤرخون، أن تلك الخيانة لا يمكن اعتبارها حدثًا منعزلًا، بل تعبر عن سياسة نظام المخزن المغربي المتكررة تجاه الجزائر منذ القدم إلى يومنا هذا.
يعود الحديث عن تلك الواقعة لطرح أسئلة مهمة حول الخيانات المتكررة لقضايا الأمة من طرف النظام المغربي، سواء ضد جيرانه أو ضد قضايا تعتبر مصيرية، مثل القضية الفلسطينية، وتأثير ذلك على حاضر ومستقبل المنطقة، حيث أكد مسؤولون سابقون في الكيان الصهيوني تواطؤ ملك المغرب في الستينيات من القرن الماضي في التجسس لصالح الصهاينة في القمة العربية التي عقدت في المغرب، مؤكدا أن المعلومات التي منحت لهم لعبت دورا كبيرا في الانتصارات التي حققها الكيان الصهيوني في معاركه ضد الجيوش العربية فيما بعد.
علاوة على الأبحاث التاريخية الوطنية، التي وثقت خيانة ملك المغرب للأمير عبد القادر، تطرقت صحيفة «نيويورك تايمز» وهي مصدر محايد في 25 فيفري 1873 إلى الأحداث التي عصفت بالأمير عبد القادر ومقاومته للاحتلال الفرنسي، حيث أكدت الصحيفة في تقرير مطول لها، مازال محفوظا في الأرشيف إلى اليوم، أن هزيمة الأمير لم تكن بسبب تفوق القوات الفرنسية، بل لأن الحليف المفترض، سلطان المغرب مولاي عبد الرحمن، أبرم معاهدة مع فرنسا عُرفت بـ»معاهدة طنجة» عام 1844، نصت على اعتراف السلطان بالسيطرة الفرنسية على الجزائر، بالإضافة إلى وقف أي دعم للأمير عبد القادر.
تفاصيل الخيانة المغربية
في نفس السياق، تشير الوثائق التاريخية إلى أن السلطان المخزني، لم يكتفِ بسحب دعمه للأمير عبد القادر فقط، بل حاصر قواته، بالتنسيق مع الجيش الفرنسي. كما أن جيشه هاجم قوات الأمير وأجبره على التراجع نحو الداخل الجزائري. وتشير المصادر التاريخية ووفقا لرسالة وجهها الأمير عبد القادر إلى علماء مصر، عبّر فيها عن مرارته من خيانة السلطان المغربي، مؤكدًا أن هذا الموقف ساهم في ضعف مقاومته وإضعاف موقفه أمام الفرنسيين فيما بعد.
وكان التلفزيون الجزائري قد سلط الضوء في تقرير مفصل على هذه الحادثة الهامة في تاريخ الجزائر، مبرزا أن خيانات النظام المغربي للجزائر لم تتوقف عند مرحلة الأمير عبد القادر، بل استمرت لتطال مراحل مفصلية من تاريخ النضال الجزائري. ففي عام 1956، خلال الثورة التحريرية المجيدة، تعرض الشعب الجزائري لخيانة أخرى، حينما اختطفت السلطات الفرنسية طائرة كانت تقل خمسة من قادة الثورة الجزائرية. هذه العملية، التي تعتبر أول عملية قرصنة جوية في التاريخ، تمت بتواطؤ مع نظام المخزن والهدف منها كان واضحًا وهو إضعاف الثورة الجزائرية وعرقلة مساعيها التحررية.
ويرى العديد من المؤرخين، أن استحضار هذه الحوادث ليس بهدف تأجيج الخلافات، بل هو ضروري لفهم أعمق لجذور الأزمات التي طبعت العلاقة بين الدولة الجزائرية ونظام المخزن، وخيانة سلطان المغرب للأمير عبد القادر، والتواطؤ ضد قادة الثورة الجزائرية، ثم التعاون مع جهات معادية للأمة العربية، كلها شواهد على سياسة قائمة على المصالح الذاتية ولو على حساب المبادئ والقيم المشتركة.