تأخذ الملفات المطروحة على حكومة الوزير الأول، محمد نذير العرباوي، طابع الأولوية القصوى، وتتطلب سرعة في التنفيذ من خلال إزاحة كل المطبات، لذلك من المنتظر وضع خطة عمل واضحة لضمان تجسيدها بما يتماشى والتزامات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون.
يملك العرباوي، دراية دقيقة بالملفات المتواجدة على طاولة الحكومة، والتي تنتظر التحيين مع الالتزامات الجديدة لرئيس الجمهورية، بحكم شغله منصب الوزير الأول منذ سنة كاملة، قبل أن يحظى بالثقة مرة أخرى ويواصل مهامه.
وعليه، فهو على دراية كاملة بما هو مطلوب من الطاقم الحكومي، الذي عرف تعديلات نوعية شملت هيكل الدوائر الوزارية الكبرى، وشهد استحداث وزارات وإدماج قطاعات.
ولأن التعديل الواسع الذي جرى، الاثنين، يعتبر الأول لرئيس الجمهورية، منذ إعادة انتخابه لعهدة رئاسية ثانية، فإن المنتظر من الحكومة هو الشروع الفوري في تنفيذ الالتزامات الرئاسية وفق خطة عمل واضحة، تراعي عاملي النجاعة والسرعة.
وترتبط الالتزامات أو الملفات التي تقع على عاتق الحكومة، بأهداف إستراتيجية، شرع في تنفيذها خلال العهدة الأولى، على غرار تعزيز الأمن القومي للبلاد واستعادة مكانتها في الخارج، والمساهمة في بسط السلم والاستقرار على الصعيدين الجهوي والإقليمي.
وأمام ما تحقق في السنوات الخمس الماضية، سيضاعف الجهاز التنفيذي جهده وفق مقاربة عملية لبلوغ الأمن الطاقوي والغذائي والمائي والأمن المرتبط بالصحة العمومية وحماية القدرة الشرائية للمواطنين.
وفي السياق، ستواصل الحكومة عبر وزارة الطاقة والمناجم، ما بدأته قبل أشهر، من رفع لقدرات إنتاج النفط والغاز، بما يسمح بتقوية مكانة البلاد في السوق الدولية للطاقة، ومضاعفة صادرات الغاز لتصل إلى 100 مليار دولار سنويا.
وفي مجال بالغ الأهمية، وصلت في الأيام القليلة الماضية، على متن أضخم طائرات الشحن في العالم، أجهزة وعتاد محطات تحلية مياه البحر، وعددها 5، ما يعني اقتراب موعد دخولها حيز الخدمة في غضون أسابيع قليلة.
هذه المحطات الموزعة عبر ولايات، وهران، تيبازة، بومرداس، بجاية والطارف، أقرها رئيس الجمهورية، ضمن مخطط استعجالي لمواجهة شح تساقط الأمطار وما نجم عنه من جفاف، وبالتالي ستساهم كثيرا في تقليل آثار الآفة.
تسريع القائمين على هذه المشاريع عملية استلامها في الوقت المحدد (نهاية السنة)، سيفتح المجال أمام المرحلة التالية والمتمثلة في إنجاز التحويلات الكبرى للمياه، من هذه المحطات نحو المدن الداخلية، وبين سدود الوطن لتحقيق التوازن في احتياطات المياه السطحية.
تجسيد كل هذه الملفات يتطلب تنسيقا عاليا ومستمرا بين أعضاء الحكومة، نظرا لتشابكها ببعضها البعض، فحاجة قطاع الفلاحة للأسمدة من أجل تكثيف الإنتاج بعد توسيع المساحات المسقية، يستدعي سرعة استغلال منجم الفوسفات الضخم ببلاد الحدبة، ما يؤدي إلى تحقيق هدفي الأمن الطاقوي والأمن الغذائي معا.
إلى جانب ذلك، يرتبط الأمن المائي، بترشيد استغلال المياه السطحية (السدود)، واستغلال محطات معالجة المياه المستعملة في سقي المساحات المزروعة، وكل هذا عبارة عن حلقة متكاملة مع بعضها البعض تتطلب عملا دؤوبا من قبل أعضاء الحكومة.
وفي مجال الشراكة، وبعد تحسين مناخ الاستثمار للأجانب، ينتظر من الحكومة أن تمر إلى السرعة القصوى في ضمان تنفيذ المشاريع الكبرى الموقعة مع بعض الشركاء، خاصة مزارع إنتاج بودرة الحليب مع مؤسسة «بلدنا» القطرية بمبلغ استثمار قدره 3.5 مليار دولار.
ونفس الأمر ينطبق مع مشروع إنتاج الحبوب مع شريك إيطالي بولاية تيميمون على مساحة 36 ألف هكتار، وينتظر تنفيذ مشاريع أخرى في الزراعة الصحراوية مع دول شقيقة وصديقة.
وكلما تم التحكم في مدة إنجاز هذه المشاريع، كلما اقتربت البلاد بأقصى سرعة من مغادرة منطقة التخلف الاقتصادي، وانتقلت إلى النمو السريع الذي يعزز مكانتها قاريا ومتوسطيا. وفي هذا الخصوص، يضع الرئيس تبون، هدف بلوغ مستوى إحدى دول الضفة الجنوبية لأوروبا، على المدى المتوسط، مؤكدا توفر الإمكانات لتحقيق ذلك.
حسم هذه الملفات وإقرانها بدبلوماسية شاملة ونشطة تعزز مكانة الجزائر بالخارج، سيكون، دون شك، الرهان الأكبر لحكومة العرباوي، المطالبة أيضا بإيجاد حلول سريعة لتحسين ظروف الحياة في قطاعات التربية الوطنية والصحة العمومية ومكافحة التضخم وحماية القدرة الشرائية.