توحيد العمل الجماعي والثنائي لإسماع صوت القارة
تولي الجزائر تحت قيادة الرئيس عبد المجيد تبون، أهمية بالغة للشؤون الخارجية والإفريقية، لاسيما مع العودة القوية للدبلوماسية الجزائرية إقليميا ودوليا. وقد انعكست إرادة الرئيس هذه في التعديل الحكومي الأخير، خاصة ما تعلق بالشؤون الإفريقية، حيث تعتبر إفريقيا عمقا استراتيجيا للجزائر، التي تدافع عن القارة من أجل حصولها على مكانتها اللائقة في عالم اليوم، نظرا لما تزخر به من ثروات طبيعية وكتلة سكانية هائلة.
خصص التعديل الحكومي الذي أجراه رئيس الجمهورية، بحر الأسبوع الجاري، كتابة دولة مكلفة بالشؤون الإفريقية، نظرا لما تكتسيه القارة عموما ومنطقة المغرب العربي والساحل خصوصا، من أهمية لاستقرار الجزائر وديمومة أمنها. ومن شأن هذه الخطوة أن تسمح بمتابعة الملفات الاقتصادية والسياسية والأمنية التي صارت تتصدر المشهد الأفريقي والعالمي على حد سواء، لاسيما وأن الجزائر تعد دولة محورية في القارة، بإمكانها تعزيز العمل المشترك لإيصال صوت القارة وتوحيد جهود الدول الأفريقية للدفاع عن مصالحها في عالم تتسارع تطوراته ويغيب فيه احترام قواعد القانون الدولي.
نافذة لأفريقيا
وقد سجلت الجزائر اهتمامها بعمقها الاستراتيجي، باعتبارها أحد رواد مبادرة الشراكة الجديدة لتنمية إفريقيا (نيباد NEPAD)، التي تضمنت رؤية الاتحاد الإفريقي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للقارة الإفريقية، بالتركيز على مكافحة الفقر وتعزيز قدرات بلدان القارة في مجال التنمية البشرية وفسح المجال أمام الطاقات الشبابية للنهوض بالتنمية.
وقد جسدت الجزائر دورها هذا، من خلال إطلاق عديد المشاريع الاقتصادية، التي من شأنها تنمية القارة اقتصاديا واجتماعيا، وبالتالي تحقيق الاستقرار في تلك البلدان، ونذكر من بين تلك المشاريع أنبوب الغاز والطريق العابرين للصحراء. ومن شأن أنبوب الغاز، الذي يمتد من نيجيريا مرورا بالنيجر والجزائر وصولا لأوروبا، وتصل طاقته الاستيعابية 30 مليار متر مكعب، أن يساهم في حركية تنموية في المناطق التي يمر منها. وفي حين أعلنت نيجيريا عن تسليم الخط الخاص بها في الثلاثي الأول من 2025، تعمل الجزائر على مساعدة النيجر على إنجاز الشطر المقدر بألف كيلومتر، إضافة إلى 700 كلم، على التراب الجزائري. وفيما تعلق بالطريق العابر للصحراء، فإنه يعتبر عصب حياة جديدا يربط بين ست دول أفريقية وصولا إلى موانئ البحر المتوسط (الجزائر، تونس، نيجيريا، النيجر، تشاد ومالي)، ويسمح الطريق بفك العزلة عن المناطق التي يمر بها وخلق حركية اقتصادية، من خلال توفير مسالك النقل، خاصة مع النيجر، بعد أن أعادت الجزائر فتح الحدود سنة 2021، «ما قلص وقت السفر وأتاح فرصا اقتصادية جديدة للسكان في منطقة تأثير المشروع»، بحسب ما صرح به مسؤول المشروع في النيجر ألبيريك هوسو، في وقت سابق.
«إسكات البنادق»
كما تدعم الجزائر التعاون جنوب- جنوب، باعتباره ركيزة أساسية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية لشعوب العالم كافة والشعوب الإفريقية على وجه التحديد ومن ذلك مسارعتها إلى التوقيع على اتفاقية منطقة التبادل الحر الأفريقية. على الصعيد السياسي، تتمسك الجزائر بالدفاع عن القارة الأفريقية من أجل منحها مكانتها اللائقة، باعتبارها خزانا للموارد الطبيعية، وكتلة سكانية هائلة يمثل فيها الشباب الذين تقل أعمارهم عن 25 عاما نحو 60٪ من مجموع سكان القارة الذي يقارب 1.5 مليار نسمة. وبحسب منظمة الأمم المتحدة يعيش نحو 600 مليون شاب في مناطق الصراعات، وهو ما يدفع بهم نحو الهجرة. كما تعمل الجزائر من خلال اهتماماتها بالقارة الأفريقية، على تجسيد أجندة 2063، التي ساهمت في تصميمها، من أجل «أفريقيا متكاملة، مزدهرة ومسالمة، يقودها مواطنوها وتشكل قوة ديناميكية على الساحة العالمية، إضافة إلى تأييد «مبادرة إسكات البنادق»، «من أجل قارة خالية من النزاعات» والتخلص من بقايا الاستعمار.
في هذا السياق، لا تتوانى الجزائر في الدفاع عن حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره وتمكينه من ثرواته، باعتبار الحالة آخر مستعمَرة في القارة الأفريقية، في مواجهة المحتل المغربي، لاسيما في مجلس الأمن الدولي، باعتبارها عضوا غير دائم فيه، حيث رافعت لقضيته منذ توليها مقعدها غير الدائم في مجلس الأمن.
من جهة أخرى تدفع الجزائر لإصلاح الاتحاد الإفريقي بهدف تمكين المنظمة القارية من تنفيذ مهامها بأفضل وجه والتكيف مع الوضع الدولي الذي تفرضه التحديات الجديدة، من خلال العمل الثنائي من جهة والعمل المشترك تحت راية هذه المنظمة القارية.