أضخــــــــــــــــــــــــــــم مشــــــــــــــــــــــــــــروع للسكــــــــــــــــــــــــــــــة الحديديــــــــــــــــــــــــــــة فـــــــــــــــــــــــــــــي تاريــــــــــــــــــــــــــــــــــخ الجزائـــــــــــــــــــــــــــــــــر
باشرت الجزائر، منذ سنوات قليلة خلت، إنجاز العديد من المشاريع الاستراتيجية الضخمة، التي تهدف إلى تعزيز مصادر الاقتصاد الوطني وتثمين الموارد الطبيعية التي تزخر بها البلاد، يتقدّمها مشروع تثمين واستغلال منجم غار جبيلات بتندوف، الذي تُراهن عليه السلطات العمومية في إحداث تحولٍ صناعي حقيقي. ويرافق منجم غار جبيلات، مشروع إنجاز الخط المنجمي الغربي بشار- تندوف- غار جبيلات، والذي يُعدُّ أضخم مشروع للسكة الحديدية في تاريخ الجزائر، كبنية تحتية هامة تحظى بعناية خاصة ومتابعة دورية من طرف رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون.
يعتبر مشروع الخط المنجمي الغربي الرابط بين ولاية بشار ومنجم غار جبيلات للحديد، عصب الحياة الاقتصادية والتجارية في الجنوب الغربي، والذي سيضمن نقل خامات الحديد باتجاه مراكز التصنيع ومنه إلى التصدير، فضلاً عن نقل البضائع والأشخاص من وإلى ولاية تندوف.
استحداث خط للسكة الحديدية بمنطقة الجنوب الغربي، يُعدُّ طفرةً تنمويةً بكل المعايير، فهو وليد التحوّلات الاقتصادية التي تشهدها البلاد، باعتباره مشروعاً حيوياً سيُسهم بشكل كبير في تقليص فاتورة استيراد الحديد والصلب وتقليل الاعتماد على المحروقات، من خلال تبني السلطات العليا للبلاد لمقاربة تنموية جديدة، رافقها إنشاء بنية تحتية موثوق بها، لتعزيز حضور الجزائر في المشهد الصناعي إقليمياً وعالمياً.
أشغال إنجاز الخط المنجمي الغربي الرابط بين بشار وغار جبيلات، مروراً بولايتي تندوف وبني عباس، على مسافة 950 كلم، هو بمثابة تذكرة عبور نحو اقتصاد قوي بعيداً عن ريع المحروقات. ويشكّل بالنسبة للمنطقة، بوابة حقيقية نحو نهضة تنموية باتت ملامحها تلوح في الأفق.
فعلى مسافة 950 كلم، يمتد الخط المنجمي الغربي ليربط منجم غار جبيلات بوحدات معالجة وتحويل خام الحديد بتندوف وبشار، ليتم بعدها نقل الاحتياجات الضرورية عبر خط بشار- وهران، ومنه باتجاه المناطق الصناعية والمصانع المرتبطة بالشبكة الوطنية للسكة الحديدية، بالإضافة الى ذلك، يوفر الخط المنجمي الغربي خدمات نقل المسافرين والبضائع من ولايتي تندوف وبشار نحو المدن الشمالية.
تم تقسيم الخط المنجمي إلى ثلاثة مقاطع وإسناده الى ثلاثة تجمعات للشركات، حيث تشترك عدة شركات وطنية في إنجاز المقطع الأول الذي يربط مدينة بشار بمنطقة حماقير على مسافة 200 كلم. وعلى الرغم من الطبيعة الصخرية الصلبة لهذا المقطع، والتي تتطلّب غالباً استخدام المتفجّرات والعتاد المخصّص للحفر في الصخور، إلا أن المؤسسات المكلّفة استطاعت حفر أكثر من 1.5 مليون متر مكعب من أصل قرابة 4 ملايين مقرّرة. فيما وصلت أشغال الردم إلى أكثر من 8 ملايين متر مكعب من مجموع 12 مليون متر مكعب. كما تم وضع قرابة 400 ألف متر مكعب من الطبقات المختلفة الخاصة بالمنصّات السفلية للمسار، وقد سجّل هذا المقطع وتيرة أشغال متسارعة.
الخط المنجمي الغربي
بعد عامٍ كامل من إعلان رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، انطلاق أشغال إنجاز الخط المنجمي الغربي، تجري عملية بناء المنشآت الفنية بنمط عالٍ جداً، حيث يتواصل تشييد 22 وحدة من جسور السكة الحديدية والطرق من أصل 39 وحدة مقرّرة. فيما انتهت شركات الإنجاز من بناء 251 منشأة هيدروليكية لتصريف المياه عن المسار، كما انتهت، مؤخراً، أشغال أساسات محطة العبادلة الواقعة جنوب بشار بحوالي 90 كلم، في الوقت الذي باشرت فيه مؤسسات الإنجاز صناعة العوارض الإسمنتية بقرية حاسي خبي وانطلاق عملية توريد الاحتياجات اللازمة من قضبان السكة الحديدية.
بالمقطع الثاني من المشروع، تشترك مؤسسة كوسيدار للأشغال العمومية وشركة CRCC الصينية، في إنجاز 575 كلم من البنية التحتية للسكة الحديدية، بجزء أول يربط حماقير بأم العسل على مسافة 440 كلم، وجزء ثانٍ يربط مدينة تندوف بغار جبيلات على مسافة 135 كلم. ويعرف هذا المقطع، بجزئيه هو الآخر، تقدماً ملحوظاً في الأشغال، فعلى الرغم من أن غالبية المسار يقع ضمن تضاريس صخرية معقّدة، تطلّبت استخدام ما يزيد عن 4 آلاف طن من المتفجّرات والعتاد الثقيل، إلا أن أشغال الحفر بلغت مليون متر مكعب، فيما قاربت أشغال الردم 8 ملايين متر مكعّب، تم إنجازها من أصل 31 مليون متر مكعب مقرّرة.
وتسير أشغال الهندسة المدنية بوتيرة سريعة جداً، حيث يجري حالياً إنجاز جسرين كبيرين للسكة الحديدية، بالإضافة الى ثلاثة ممرات للطرق والعديد من المنشآت الهيدروليكية، بالتزامن مع انطلاق عملية إنتاج الاحتياجات اللازمة من العوارض الإسمنتية على مستوى وحدة التصنيع التي تم تركيبها بالموقع.
أشغال المقطع الثالث، الممتد على مسافة 175 بين تندوف وأم العسل، والذي تتشارك فيه عدة شركات وطنية، يعرف هو الآخر تقدماً معتبراً في الإنجاز، فمن أصل مليون و600 ألف متر مكعب من أشغال الحفر، تمكّنت شركات الإنجاز من تنفيذ أكثر من مليون و100 ألف متر مكعب. بالموازاة مع ذلك، تجاوزت أشغال الردم عتبة 7 ملايين متر مكعب من أصل 9 ملايين مقرّرة.
الجزائر كسبت الرهان
يأتي مشروع السكة الحديدية الرابط بين منجم غار جبيلات بتندوف وولاية بشار، كحلقة أخرى من حلقات الإقلاع الاقتصادي الذي نظّر له ووضع أسسه رئيس الجمهورية، ليضاف الى عديد المشاريع الاستراتيجية التي تهدف الى تنمية المناطق الحدودية، عبر إقرار جملة من المشاريع التي تندرج في إطار النهوض بالاقتصاد الوطني وتثمين المقدرات المنجمية للبلاد، وتعزيز الشبكة الوطنية اللوجيستية، من خلال إعطائها طابعاً قارياً، بالموازاة مع برمجة خطوط أخرى بين الشمال والجنوب.
فالمشروع، الذي شكّل ثاني محطة في الزيارة التاريخية الأولى لرئيس الجمهورية الى ولاية تندوف قبل عام، من شأنه التأثير إيجاباً على تسارع التنمية الاقتصادية المحلية والوطنية التي تعتزم الدولة تحقيقها، خاصة ما تعلّق بعملية التوطين الصناعي، من حيث القرب من مراكز الإنتاج ومنافذ التسويق، وتسهيل وصول خامات حديد منجم غارا جبيلات الى الأقطاب الصناعية والتجارية في كل من وهران ومستغانم، وتحويل جزء منه إلى حديد صلب بهدف الحصول على نسيج صناعي وطني ذي غايات وطنية واضحة ومحدّدة مسبقاً.
الرؤية الاقتصادية متكاملة الأركان للسيد رئيس الجمهورية، أولتها الحكومة أهمية بالغة بغية تحقيق الأهداف المرجوة منها، فسايرت على قدم وساق كل حيثياتها وتفاصيلها من أجل الوصول بالمشاريع الكبرى إلى نقطة التجسيد على أرض الواقع، إيذاناً بانطلاق تنمية مستدامة بعيداً عن التبعية للمحروقات.
بوتيرة سريعة جداً وبرزنامة دقيقة، يجري إنجاز أضخم مشروع للسكة الحديدية في تاريخ الجزائر، تجسيداً لأحد أهم التزامات رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، في إرساء سكة حديدية عصرية ومتطورة، دعماً للتنقل وتعزيزاً للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
فالمتابع للشأن الاقتصادي ببلادنا، يدرك بأن الجزائر قد بذلت في عهد رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، جهوداً حثيثة لتكريس دعائم تنمية الجنوب والجنوب الكبير، من خلال إشراك المنطقة في المخطّط التنموي الوطني كفاعل وشريك لتحقيق هذه الرؤية، حيث باتت معالم هذا التوجه باديةً للعيان.