أمل بوشارب توقّع “لأنّهم من هناك”..وتؤكّد لـ ”الشعب” :

عــــودتــــــي لكتابـــــــــــة الـقـصّـة دلـيـل تحــرّري مـن إمــلاءات الــســّوق

أسامة إفراح

 

تعود إلينا أمل بوشارب بمجموعة قصصية جديدة بعنوان “لأنّهم من هناك”، صادرة عن منشورات الشهاب..وبهذه المجموعة، تكون بوشارب قد عادت إلى القصّة بعد عقد كامل من الكتابة الروائية..وفي تصريحها لـ«الشعب”، أكّدت الكاتبة أنّ في هذه العودة إشارة إلى تحرّرها من إملاءات السّوق، وإلى عدم انصياعها لـ«الموضات الأيديولوجية”، واختيارها من القوالب الأدبية ما تراه أنسب فنيا لصياغة أفكارها.

بعد مرور عشر سنوات على إصدارها مجموعتها القصصية “عليها ثلاثة عشر” (2014)، وتفرّغها للكتابة الروائية، تعود إلينا أمل بوشارب، في هذه النسخة السابعة والعشرين من صالون الجزائر الدولي للكتاب، بمجموعة قصصية جديدة صادرة عن منشورات الشهاب، تحمل عنوان “لأنّهم من هناك”.
تحتوي هذه المجموعة (130 صفحة) على تسع قصص: “أنا من هناك”، “الرائحة”، “عودة باخوس”، “القرداش”، “جاسوس للبيع”، “سوماهورو وأنا”، “النضال يرتدي برادا”، “المتمردة”، و«المرأة التي انفتح عقلها”.
وقصّة “المتمرّدة”، التي تتضمّنها المجموعة، هي النسخة العربية للقصّة التي صدرت لأمل بوشارب باللغة الإيطالية، تحت عنوان “l’anticonformista” (2020) عن منشورات “بوينديا بوكس” بتورينو، وحظيت بترشيح الصالون الدولي للكتاب بتورينو عام 2021 ضمن الإصدارات التي تستحقّ القراءة. كما تضمّ المجموعة، للمرة الأولى باللّغة العربية، قصّة “الرائحة” التي نالت جائزة القصّة القصيرة للمهرجان الدولي للأدب وكتاب الشباب 2008 بالجزائر، وصدرت في إيطاليا عام 2018.
سألنا أمل بوشارب عن الإضافة التي تقدّمها هذه المجموعة القصصية لمشروعها الأدبي، فأجابت: “يشكّل هذا العمل امتدادا لمشروعي السردي الذي بدأته تحديدا قبل عقد من الزمن. ولعلّه ليس من المصادفة أن أعود إلى القصّة القصيرة بعد عشر سنوات من صدور مجموعتي القصصية الأولى، وثلاثية روائية حازت نجاحا جماهيريا ونقديا كان يمكن أن يضعني على خط الرواية حصرا، على اعتبارها الجنس الأدبي الأكثر مقروئية. إلاّ أنّ عودتي إلى القصّة القصيرة تشير بالدرجة الأولى إلى أنّني متحرّرة من إملاءات السّوق، ولا أختار من القوالب الأدبية إلا ما أراه أنسب فنيا لصياغة أفكاري، وهذا يعني بالضرورة أنّني لا أقدّم تنازلات على صعيد اختيار الثيمات ولا أنصاع للموضات الأيديولوجية التي بدأت تشكّل في السنوات الأخيرة إحدى تجليات الاستعمار الفكري الذي أصبحت الساحة العربية الأدبية تستكين له على نحو غدا مقلقا. إذ لم يعد خافيا على أحد أنّ الكثير من الكتّاب أصبح همّهم اليوم هو مراعاة اشتراطات لجان الجوائز الأدبية في الشرق والغرب عند إنتاج أعمالهم لا التعبير عن الانشغالات الحقيقية لمجتمعاتهم.”
وأضافت الكاتبة: “بهذا المفهوم أتت مجموعة “لأنّهم من هناك” من أجل الحديث بصراحة عن هذه الظاهرة، وامتداداتها وحيثياتها، من خلال فتح مواضيع أراها شخصيا باتت تشكّل الطابوهات الحقيقية في الساحة الفكرية العربية، من ذلك فعل الانبطاح الذي تمارسه النخب الفكرية المزيّفة وخضوعها للأجندات الأيديولوجية المستوردة والتي لا تشكّل أساسا عصب الثقافة الغربية الأصيلة، وهي الممثلة في بلد ذي ثقافة عريقة كإيطاليا مثلا بكتّاب ومفكّرين كبار كباولو فاليزيو ومارتشيلو فينيتسياني.
 وقد سررت بأنّ كلا الأديبين قدّم كلمة نقدية في العمل بنسخته الإيطالية (نشرتا على شكل مقدّمة وخاتمة للمجموعة) وهي مواقف نقدية تعبّر على أنّ المثقّف الحرّ، سواء أكان في الشرق أو في الغرب لا يمكن إلاّ أن يكون حرّا متمرّدا على محاولات الهيمنة التي يحاول المستعمرون الجدد فرضها اليوم على مجتمعاتنا.”
وبالفعل، إذا ما عدنا إلى المجموعة القصصية، نجد مقدّمتها بقلم الناقد والأديب الإيطالي باولو فاليزيو، وهو أستاذ الأدب الإيطالي في جامعة كولومبيا الأمريكية، ويقول فيها: “أمل بوشارب التي نعرفها كروائية وقاصّة مُكرّسة تكتب باللّغتين العربية والإيطالية، تُظهر في هذه المجموعة الجديدة من القصص القصيرة تفرّدا وأصالة خاصّة. فبأسلوبها الساخر والاستفزازي بذكاء، نجدها تسخر ممّا يعرف بخطاب “الفكر الأحادي” والمطابق للمعايير المُهيمنة، أو ما يطلق عليه باللّغة الإنجليزية اسم “الصوابية السياسية”، وهي الصفة التي ما تزال مستخدمة للأسف في ما يمكن تعريفه بالسّوق السوداء للأفكار(...). ويَكمُن تميُّز بوشارب على وجه التحديد في أنّها لا تُجاري هذا الخطاب الذي ولد وما زال يلقى تفاعلا في “الغرب”، ولكنّها تركّز على أثره ضمن ما يمكن تعريفه أنّه إقليم أنثروبولوجي جديد: أيّ العالم الذي بدأ الخضوع للتقدّمية الزائفة يتسلّل إلى الحياة الثقافية فيه ألا وهو البلدان العربية(...).
وكانت أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية قد مرّتا بالفعل بهذه المرحلة التي تزعم التمرّد؛ لكنّ أمل تضعنا في سياق ما يمكن أن نطلق عليه “الجِدّة العربية”. وهي تفعل ذلك بأسلوب مسلّ يلامس حدود المضحك المبكي، ولكنّها في الوقت نفسه تعرف كيف تُشرّح (وبحساسية عالية) آثار التشوّهات الداخلية والمعاناة الكامنة وراء تجارب الأبطال الشباب لقصص هذه المجموعة”.
وفي الكلمة النّقدية المعنونة بـ«أن ترى العالم بعيون مختلفة” التي تضمنّها الإصدار، يكتب مارتشيللو فينيتسياني Marcello Veneziani، وهو أحد أبرز الروائيين والصحفيين الإيطاليين المعاصرين، عن المجموعة: “(...) تنسج أمل بوشارب قصصها الشجاعة وغير الخاضعة للتيار واضعة إصبعها على التأثير الفتّاك الذي تمارسه السلطة الأيديولوجية الغربية على المجتمع الإيطالي والأوروبي، والتي لم يعد ضررها ينحصر على إيطاليا بل أخذ يمتدّ إلى جوانب من الثقافة العربية والإسلامية كما نرى في هذه القصص لاسيما في أوساط المهاجرين الذين قد تبهرهم هتافات الترحيب وشعارات الاندماج. (...) تتحلّى أمل بنظرة يقظة ومتنبّهة لثقافة عصرنا، وتستخدم سلاح السخرية لهدم بعض عاداتنا السيئة ورذائلنا، لكنّها تفعل ذلك في شكل القصّة الخفيف والممتع: تروي الحياة، وأيامنا، ولكنّها من خلال السرد تعالج التناقضات والقبح والتنافر الكامن في عصرنا”.
للتذكير، تعتبر “لأنّهم من هناك” إصدار أمل بوشارب الثاني هذا الخريف، بعد ترجمتها الإيطالية الصادرة سبتمبر الماضي ليوميات “أمية جحا: فنّانة تشكيلية نزحت قسرا إلى مستشفى الشفاء”، وقد نُشرت على مجلة DEP الأكاديمية بأجزائها العشرة كاملة ضمن ملف خاصّ صدر عن قسم الثقافات المقارنة في جامعة كافوسكاري فينيسيا. كما اختيرت بوشارب هذا العام لعضوية اللجنة الاستشارية لمؤسّسة دانتي أليغييري، وهي المؤسّسة الإيطالية الأكبر التي تعنى بترقية اللّغة الإيطالية، وقد شاركت في مؤتمرها السنوي في دورته 84 المنعقد في روما شهر سبتمبر المنصرم، وافتتحه رئيس الجمهورية الإيطالية سيرجيو ماتاريلا وحضره وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19634

العدد 19634

الأربعاء 27 نوفمبر 2024
العدد 19633

العدد 19633

الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024