تضمن الاستعراض العسكري، بمناسبة الاحتفال بالذكرى السبعين لاندلاع ثورة 1 نوفمبر 1954، عددا من الرسائل الواضحة، تلتقي في مجملها عند ارتباط الجزائر بماضيها المجيد، والذي ترسم من خلاله حاضرها ومستقبلها وعلاقاتها مع الدول.
أولى الرسائل التي حملها الحدث الكبير، تتمثل في الوفاء للثورة التحريرية، وإظهار القدر الكافي من العرفان والتمجيد لتضحيات الشهداء، وإعطاء المناسبة الأبعاد التي تليق بواحدة من أعظم ثورات القرن العشرين.
وفي السياق، أكد رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، حرصه على «إيلاء أهمية خاصة للعرض العسكري حتى يكون في مستوى أبعاد ورمزية الذكرى السبعين لاندلاع الثورة».
ولأن الثورة الجزائرية، قد تجاوز صداها الحدود الوطنية وبلغت أصقاع العالم وصنعت أصدقاء أوفياء لها، فإن الاحتفال بعيد حقق النجاح وبلغ مداه الشعوب الشقيقة والصديقة، التي تفاعلت عبر مواقع التواصل الاجتماعي مع مشاهد الاستعراض ومع ما أظهره الجيش الوطني الشعبي من تطور دفاعي.
ولأن الأمر يتعلق بذكرى أول رصاصة في وجه الاستعمار الفرنسي الغاشم، كان لابد من تخليد المناسبة، عبر النظر سبعة عقود إلى الوراء يوم قاتل طلائع جيش التحرير الوطني، ببندقية بسيطة، والتمعن فيما يملكه اليوم سليله الجيش الوطني الشعبي، من قدرات قتالية، وضعته في مقدمة أقوى الجيوش.
ومن الرسائل أيضا، حضور رؤساء الدول الشقيقة: ليبيا، تونس، وموريتانيا والجمهورية العربية الصحراوية، بشكل عكس تمسك الجزائر بعلاقات الأخوة وحسن الجوار مع أشقائها في الفضاء المغاربي الذي كان بعدا أساسيا في أبعاد الثورة الجزائرية.
وفي وقت يصر البعض على إعادة صياغة العلاقات بين الدول على أسس المصالح البحتة، قدمت الجزائر وجيرانها، صورة مشرقة على القيم المشتركة التي تتجاوز الظروف السياسية والأمنية العابرة.
وتؤكد الجزائر في كل سانحة، أن واجب التضامن والمساندة لليبيا أو تونس أو موريتانيا، نابع بالأساس من العرفان لما قدمته شعوب هذه الدول للثورة التحريرية حين كانت بيئة حاضنة لقوات جيش التحرير الوطني.
كلمة رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة وزير الدفاع الوطني عبد المجيد تبون، تضمنت هي الأخرى رسائل واضحة، تزيل كل محاولات التأويل، حيث أعلن استمرار العقيدة الدفاعية للجيش الجزائري، وأن سلاحه موجه حصرا للدفاع عن الجزائر وسيادتها الوطنية».
وشدد بذلك، على مواصلة اضطلاع الجيش بمهامه الدفاعية والرباط على حدود بلاده، ولن يكون سباقا في الاعتداء على الغير أو التسبب في أذيّة الآخرين، انطلاقا من مبادئ نبيلة متأصلة في قيم الثورة التحريرية، التي كانت ضد الاستعمار الاستيطاني الظالم والمتوحش.
وأشار الرئيس تبون، في رسالة أخرى، إلى مساهمة الجزائر عبر جيشها في «إحلال السلم والأمن الدوليين طبقا للالتزامات الدولية والجهوية للبلاد، واحتراما للقانون الدولي، وطبقا لقوانيننا ومبادئنا وقاعدتنا الدستورية».
وكان الجيش الجزائري سباقا في مكافحة الإرهاب العابر للأوطان، قبل أن يكتشف العالم خطر هذا الشر عقب هجمات 11 سبتمبر 2001، ومنذ ذلك الحينو أصبحت الجزائر مرجعا دوليا في مكافحة الظاهرةو عبر القيام بتقاسم تجربتها مع الشركاء الدوليين ومع الدول الشقيقة والصديقة، بما ساهم في خدمة الأمن الدولي.
ويقيم الجيش الوطني الشعبي، بعقيدته الدفاعية وفلسفته القائمة على تقوية أركان الردع، علاقات تعاون وثيق مع جيوش دول الجوار، ما ساهم في تكريس الاستقرار الجهوي في شمال إفريقيا والساحل الإفريقي.
ومن خلال رفضه الانسياق وراء المخططات التدميرية للدول، وعدم انسياقه لحروب استنزاف على حدوده رغما حجم المحاولات، تعطي الجزائر عبر جيشها الفرص الكاملة للتسويات السلمية للأزمات باعتبارها الحل الأنسب والنهائي.
الرسالة الأخرى، تمثلت فيما أبان عنه الاستعراض من تفوق الجيش الوطني الشعبي، عبر عنصره البشري المكون، من تطويع تكنولوجيات الأسلحة وأكثرها تعقيدا، حيث أظهر قدرة فائقة على استخدام مختلف النماذج من العتاد الحربي.
ولعل الرسالة الأهم، كانت الاحتفاء الشعبي بالاستعراض، حيث تنقل الآلاف من المواطنين إلى ساحة العرض أمام مسجد الجزائر الأعظم، وتابع الملايين وبشغف كبير ما قدمه الجيش عبر كافة فروعه وأسلحته، وتغنوا بها طويلا.