في سبعينية الثورة المظفرة.. السفير الصحراوي عبد القادر طالب عمر لـ «الشعب»:

مبادئ الثورة الجزائرية تكفل للعالم الحرية والعدالة

حوار: آسيا ڤبلي

 نوفمبر.. مدرســـة إنسانيـة خالدة نحتكم إليها ونسترشد بها

 الجـزائر حــازت التقـديــر والاحترام عالميا بمواقفها العادلة

 الديبلوماسية الجزائرية دحضت الدعاية المغربيــــة بالأمم المتحـدة

 الشعب الصحراوي سينتصــر كما انتصر الشعــب الجزائـــري

أكد سفير الجمهورية العربية الصحراوية لدى الجزائر، عبد القادر طالب عمر، أن ثورة نوفمبر كانت ومازالت نموذجا تقتدي به الشعوب التواقة للحرية، لأنها مدرسة وتجربة تجسدت على أرض الواقع، وقهرت أعتى قوة استعمارية حشدت العدة والعتاد للقضاء على إرادة الشعب الجزائري الذي قرر أن ينتصر فكان له ذلك.
وأثنى السفير عبد القادر طالب عمر على دور الجزائر المشرف في مجلس الأمن في الدفاع عن قضايا التحرر العادلة، على رأسها القضية الفلسطينية والصحراوية، تمسكا منها بمبادئ أول نوفمبر. وشدد على أن تلك المبادئ هي التي يجب أن تسود لطي صفحة الركوع وتقبيل الأيادي والانبطاح.

الشعب: تحيي الجزائر الذكرى السبعين لاندلاع ثورة نوفمبر المجيدة التي استطاعت بفضلها وبعزيمة الشعب الجزائري وقادة ثورته، استرجاع سيادتها واستقلالها.. كيف يمكن أن تلهم ثورة نوفمبر الشعب الصحراوي لاسترجاع الاستقلال والسيادة الوطنيين؟
السفير عبد القادر طالب عمر: ثورة أول نوفمبر مدرسة لكل الشعوب التي تناضل من أجل التحرر، وهي دليل لكل الثوار، وحدث كبير جدا في إفريقيا والعالم، وكان لها أثرها الهائل وأعطت مثالا لكل الشعوب في الاعتماد على النفس وفي توفر الإرادة أن تحقق مبتغاها مهما كان الطغيان والجبروت، وعدة وعتاد المستعمر، لأنها جاءت في وقت زرع الاستعمار فكرة أنه لا إمكانية ولا قدرة للشعوب المستعمَرة في رفع رأسها، وجزاء من يحاول هو التنكيل والإعدام. وجاءت الثورة الجزائرية لتفتح أفقا جديدا، وتؤكد أن عدم التكافؤ في القوة لا يحول دون الشعوب في تغيير المعادلة.. ربما -في ذلك الوقت- كان هناك من يقول «لا قدرة لنا» وأن «الثورة مغامرة»، فهذا وضع يتكرر في كل زمان ومكان، لكن ثورة نوفمبر مدرسة حية ونموذج ودليل مطلوب في كل وقت وصالح في كل زمان ومكان، وترد جميع طروحات المشككين وأولئك الذين يتساءلون هل المقاومة طريق حكمة أم أنها سفه؟، مثلما يحاولون الترويج على أنها خراب ودمار، بالأمس الخضوع وقبول المستعمر، واليوم قبول التطبيع والاستسلام، وأي اتجاه آخر يرون بأنه يجلب الضرر للشعوب، والعاقل يعلم أن تلك الأصوات شاذة، وبالتالي، نموذج الثورة الجزائرية مازال مطلوبا وحيا وملهما لكل الشعوب، فمهما تكن قساوة المستعمر من دمار وخراب فإن النصر سيأتي، ورغم الإبادة والتنكيل انتصرت الجزائر. وعليه، هي مدرسة قائمة نحتكم إليها ونسترشد بها، لأنها هي ليست أمرا نظريا فقط، ومادامت ممارسة فهذا يعني أنها قابلة للتجسيد، البعض يسميها معجزة لأنها قلبت المعادلة وقلبت الموازين بقوة الإرادة، وأعطت دروسا في غاية الأهمية.
ما يميز الجزائر، هو وجود صمام معنوي ثوري يحمل قيماً ومعانيَ جعلت الجزائريين يمشون موفوعي الرأس حيثما ساروا، ونقلوا الصورة لباقي الشعوب.. إذن، تبقى الثورة الجزائرية ملهمة في الماضي والحاضر، مادام هناك أحرار يسعون لنيل الحرية.
واغتنم الفرصة لتقديم التهاني للشعب الجزائري وللدولة الجزائرية وقيادتها التي مازالت تحمل لواء وشعار بيان أول نوفمبر، وستنتصر الدولة الجزائرية بثباتها، وبانتصارها ستنتصر الشعوب كما انتصرت من قبل، حيث ورغم أن الفرنسيين ألقوا بكل ثقلهم في الجزائر بعد التخلي عن كل مستعمراتها من أجل أن تحتفظ بالجزائر، وبالتالي تعرضت الجزائر لأقوى وأبشع استعمار وأقوى تحالف وتركيز، أمام شعب لا يتوفر على أبسط المعدات، لكن الإرادة انتصرت. فهنيئا لأحفاد المجاهدين، هذه العلامة المميزة التي جعلتهم يسيرون بين الشعوب رافعين الرأس حاملين هذا المعنى التاريخي والتاج.

- آلت الجزائر على نفسها وفي بيان أول نوفمبر أن تنصر قضايا التحرر العادلة، وهي على العهد، حيث تدافع بشراسة عن القضية الصحراوية العادلة، خاصة بعد توليها مقعدها غير الدائم في مجلس الأمن، فواجهت تضليل المحتل المغربي. أولا، ما صدى ذلك على الصعيد الدولي؟ وثانيا كيف يمكن أن يخدم ذلك القضية الصحراوية؟
 ولو أن موقف الجزائر معروف وظلت ثابتة عليه، فإنه في غاية الأهمية. فمن أعلى منبر دولي، ومن مجلس الأمن بالأمم المتحدة، كان موقفا قويا وفاعلا وله أثره، سواء تجاه القضية الصحراوية أو الفلسطينية، لتزامنه مع العدوان الصهيوني. ولم يكن تواجدها عاديا أو بسيطا، بل استطاعت قيادة مجموعة البلدان العربية والإفريقية، وحتى بعض البلدان الأخرى التي سارت مع الجزائر. وبالتالي، عندما تغادر مجلس الأمن في نهاية عهدتها، ستترك بصمة كبرى انتزعت بها الاحترام والتقدير، وزادت من مصداقيتها ومكانتها أمام الشعوب بقوة دفاعها عن الحق والمشروعية. وهذا، لا شك، له انعكاساته وآثاره في الجمعية العامة، حيث كانت ردود قوية على ممثلي المخزن، وعلى كذبهم وتضليلهم وتزويرهم التاريخ؛ لأن الحقائق والحجج تدحض دعاية المخزن المتناقضة مع ما أقرته القوانين الدولية. مثلا، هو يدعي امتلاك الصحراء الموجودة في قاموسه وحده، ولا يعترف بالشعب الصحراوي، لكن كل المواثيق الدولية تعترف بالصحراء الغربية وبالشعب الصحراوي. وبالتالي إبراز الجزائر من على هذا المنبر الحقائق التاريخية كان له أثره.

- أمام اللجنة الأممية الرابعة لتصفية الاستعمار، قدمت البعثة الجزائرية أدلة دامغة دحرت بها دعاية المحتل المغربي وأضعفت موقفه بخصوص ما يدّعي من سيادة على الأراضي الصحراوية المحتلة. ما تعقيبكم على ذلك؟
 النظام المغربي يتحجج بعلاقته بالصحراء الغربية، لكن البعثة الجزائرية وممثليها قدموا دلائل تاريخية، هي فعليا موجودة، لكن إعادة تقديمها مجددا أمام العالم كان له أثره، وبالفعل مملكة مراكش لم تتجاوز تاريخيا وادي نون، والدليل عندما كانت السفن تتكسر على سواحل الصحراء الغربية، يجدون الصحراويين هناك، وكان ملوك وحكام أوروبا يطلبون من المغرب تحرير هؤلاء البحارة، وكان يجيب كتابيا، «نحن لا سلطة لنا على جنوب وادي نون»، حتى المناطق في شمال الصحراء لا سلطة له عليها، وكان الأسبان يتواصلون مع السكان الصحراويين من أجل تحرير البحارة، وهكذا بدأت العلاقة لدخول الاستعمار، ثم بالتجارة، ثم اتفاقيات مكتوبة بين السكان الصحراويين والأسبان، وبالتالي لم تكن للمخزن أبدا سلطة على الصحراء الغربية. وحتى اليوم، لا يوجد أثر واحد للسطلة المغربية، فعندما نتجول في الأرض اليوم نجد آثار الرومان والفينيقيين والأتراك والأسبان، أين هي آثار المغرب؟ فعلى مساحة 284 ألف متر مربعو لا نجد أثرا واحدا يدل على الوجود المغربي، لا بناية ولا قبر ولا ضريح ولا عملة، ولا مزرعة ولا بئر، فبأي شيء يمكنه أن يستدل على أن الأرض كانت ملكه، وبالتالي ما يوجد هو غرور وأوهام وطغيان وهيمنة الملوك، وحتى قرار محكمة العدل الدولية كان رافضا لادعاء المغرب بأن له سيادة على الصحراء الغربية، والنص واضح تماما، وما قد يكون المخزن استند عليه هو بعض العقود بين العائلات أو التجار في عقد بيع أو زواج أو طلاق، لكن لا شيء يمكن أن يعكس وجود سيادة. وعليه، أكد رد محكمة العدل الدولية أنه لا يوجد ما يمنع من تطبيق حق تقرير المصير للشعب الصحراوي، وأكدوا وطالبوا به.

- أصدرت محكمة العدل الأوروبية قرارا يؤكد قراراتها السابقة بكون إقليمي الصحراء الغربية والمغرب منفصلين، ولا سيادة له على الصحراء الغربية، وبالنتيجة ليس من حقه استغلال ثرواتها ومنه إبطال اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي.. ما تداعيات القرار؟ ثم هل تتوقعون أن يطبق القضاء الأوروبي قانونه على الدول التي خالفت وتواطأت مع المغرب في نهب ثروات الصحراويين؟
 القرار جاء ليضع نهاية للمرافعات والطعون التي قدمتها المفوضية ومجلس الاتحاد الأوروبي، لما أبطلت المحكمة الاتفاقيات بينهم إذا كانت تشمل المياه أو الأراضي أو الأجواء الصحراوية.
المفوضية رمت بثقلها مع ست دول أوروبية، هي إسبانيا وفرنسا والبرتغال والمجر وبلجيكا وسلوفاكيا، بدرجات متفاوتة، وحاولوا التحايل والتشكيك في تمثيلية الجبهة للشعب الصحراوي وأحقيتها وفاعليتها في المرافعة، وأن للمغرب منتخبين وممثلين أيضا، ثم حاولوا القول إن الشعب الصحراوي موجود في الأراضي المحتلة وأنه تمت استشارته، وأي حكم فيه استشارة للشعب الصحراوي فهو مقبول، وقوة قرار المحكمة هو أنها رفضت كل تلك الادعاءات، وأكدت أن الجبهة الشعبية ممثل للشعب الصحراوي وأنها طرف أساسي في مسلسل الأمم المتحدة بشأن الصحراء الغربية، إذ توجد بعثة أممية في الصحراء وهناك مفاوضات مع الجمعية العامة والأمانة العامة ومجلس الأمن، بالإضافة إلى تمثيلها في المحاكم الدولية والاتحاد الإفريقي، وبالتالي فهي تمتلك الشرعية، بالإضافة إلى قرارات الأمم المتحدة 34/ 37 الصادر في 1979، والذي يقر أن الجبهة الشعبية هي الممثل الوحيد للشعب الصحراوي، وتصف المغرب بقوة احتلال، لأن المغرب في مناوراته حاول أن يأخذ صفة قوة مديرة من الناحية العملية وبالأمر الواقع، لكنها رفضت، وبالتالي يفتقد لأي حق في إبرام أية اتفاقية. ثم ما يزعمون أنه شعب صحراوي، ليس صحيحا، لأن الشعب الصحراوي شرد وشتت، أعداد كبيرة منه في الجزائر، وأعداد أخرى في موريتانيا وأوروبا، وبالتالي ما يوجد ليس شعبا، بل ساكنة جاءت من بلد آخر ولا تمثل الصحراويين، وعليه لا يمكن أن نحكم أنه تمت مشاورة الصحراويين، لأن الجبهة التي تمثلهم رفضت، وبالتالي هو باطل واعتداء. وأكد قرار المحكمة أن الملكية تعود للشعب الصحراوي، وهناك فرق بين الشعب الذي يمتلك الأحقية والثروات ويسمح باستغلالها، وليس تلك الساكنة، واستشارته لم تتم، وهذا ركن أساسي لإبطال الاتفاقيات، لأن الشعب الصحراوي طرف ثالث لم تتم استشارته، ولا تبليغه، وعليه دفع المحكمة لإبطال الاتفاق، والمغرب ليس قوة مديرة بل قوة احتلال.
وحتى الأوروبيين عندما وقعوا الاتفاق لم يكونوا يقصدون التأثير على الواقع النهائي للصحراء الغربية؛ لأنهم أكدوا أنهم مع قرارات الأمم المتحدة والحل السلمي، وأنه لا أثر له على الوضع النهائي لمصلحة السكان، ثم حاولوا بكل الطرق التلبس بلباس الشرعية وأن كل ما يقومون به لصالح السكان، وهذا عزز من قوة القضية وتمثيل الجبهة، وحتى النظام المغربي بادعاءاته ومراوغاته، من خلال فتح قنصليات، فهو يضيع وقته، لأن المالك للسيادة والقادر على تغيير الوضعية هو الشعب الصحراوي، أما إذا أحضر كل بلدان العالم لتفتح قنصليات، فلن يغير من الأمر شيئا؛ لأن ذلك ملك الصحراويين وحدهم، والقانون الدولي لن يعترف به، والسكان المغاربة الذين وطنوا ليس لهم الحق، ولن يغير ذلك شيئا، والمغرب يبذر أموال الشعب المغربي بشراء الذمم التي لا فائدة منها، ويرمي بالجيش المغربي على حساب قوت الشعب، ويقدم رشاوى وجوسسة مقابل أموال، وهذا كله لن يغير شيئا.
إذن، القرار جاء في ظرف اعتقد المغرب أن فرنسا وإسبانيا معه وقد حسم الأمر. ورد المحكمة يقول، إنه يضيع وقته.
الآن، إن طبق القرار أو لا، المهم أن الأوروبيين على الأقل أظهروا أن لهم استقلالية ومصداقية، وتطبيقه ملزم للجميع، وميزته أنه ليس قرارا استشاريا بل ملزما وهو الفرق بينه وبين قرار محكمة العدل الدولية، لكل الدول ومفروض عليهم، ويمكن لجبهة بوليساريو أن ترافع به أمام محاكم أخرى، وتطالب بالتعويضات عما تعرضت له وعن الثروات التي تم نهبها، وهذا يفتح أفقا وفرصا أخرى نتمنى أن تتواصل وتكون سببا بمكاسب أخرى.

- كلمة أخيرة سعادة السفير...
 المهم في كل هذا، هو أن شرعية الكفاح لا غبار عليها، وحتى القرار الأوروبي جاء في وقت طرح دي ميستورا فكرة التقسيم، وتم رفضه، لأن القرار يعود للشعب الصحراوي، والمخزن ليس له أي حق ولا توجد قاعدة للمطالبة بأي شيء لأنه لا يمتلك شيئا، ومأمورية الأمم المتحدة هي استفتاء الصحراويين من أجل تقرير مصيرهم، ولابد من الرجوع للشرعية الدولية والتمسك بتقرير المصير، وهذا من شأنه ضمان الأمن والاستقرار في المنطقة، فلو أن كل بلد طالب بتغيير الحدود، فهذا سيضر كل إفريقيا، لكن الحفاظ عليها ضمن الاستقرار، ولهذا القارة أقرت احترام الحدود الموروثة عن الاستعمار، ومبدأ تقرير المصير وهو ما سهل عليها القبول بالجمهورية الصحراوية، باعتبارها عضوا مؤسسا لمنظمة الوحدة الإفريقية، وحتى انضمام المغرب للاتحاد الإفريقي كان على أساس أنه وقع على الميثاق التأسيسي، ووقع في الجريدة الرسمية، إلى جانب الرئيس السابق محمد عبد العزيز، وقدم خريطة المغرب دون الصحراء الغربية، لكنه الآن يلجأ إلى الخداع بسبب فقدان الشرعية، وبلغ به الحد مقايضة فلسطين، وبدأ يجنس أحفاد الصهاينة، وهو يشكل خطراً حقيقياً على الشعب المغربي والمنطقة كلها.
خلاصة القول، إن كفاح الشعب الصحراوي كفاح تحرري وطني وأيضا كفاح من أجل الدفاع عن الشرعية الدولية والميثاق التأسيسي الإفريقي وميثاق الأمم المتحدة، وبالتالي أي دوس على كفاح الشعب الصحراوي هو دوس أيضا على كل تلك المواثيق والمتضرر سيكون المجموعة الدولية، وهي مطالبة بالوقوف مع الشعب الصحراوي. وأمل كل الشعوب هو سيادة الحرية وطي صفحة الركوع للطغاة والظالمين.
ونحن في الذكرى السبعين، فإن المبادئ التي قامت عليها الثورة التحريرية الجزائرية من عدالة وحرية، هي التي يجب أن تسود لطي صفحة الركوع وتقبيل الأيادي والانبطاح.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19634

العدد 19634

الأربعاء 27 نوفمبر 2024
العدد 19633

العدد 19633

الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024