الباحث والمترجم.. محمـد رشـيد ميلود لـ ”الشعـب”:

أعمـل علـى استعادة تـراث الأمـير عبد القادر من اللغة الروسيـة

أمينة جابالله

الترجمة عامل مهم في توطين المعرفة واسترجاع الأرشيف الوطني

يؤكّد أستاذ اللغة الروسية بجامعة الجزائر02 أبو القاسم سعد الله، الدكتور محمد رشيد ميلود أنّ اشتغاله بترجمة كتب من الروسية إلى العربية، تناول مؤلّفوها الأصليون مسيرة الأمير عبد القادر، يدخل من باب توطين المعرفة، واسترجاع أكبر قدر ممكن من أرشيف تاريخ الجزائر الثقافي، مشيرا إلى أنّ تجربته تلك تعدّ ثاني إنجاز قامت به جامعة الجزائر02 بترجمة مؤلّفات حول مؤسّس الدولة الجزائرية الحديثة، حيث كانت الأولى من اللغة الانجليزية إلى العربية.
 أوضح الدكتور محمد رشيد ميلود (باحث متخصّص في الترجمة واللسانيات والصناعة المعجمية وتوطين المعارف)، وصاحب أول ترجمة لمسيرة الأمير عبد القادر من اللغة الروسية إلى اللغة العربية، خلال حديث جمعه بـ«الشعب”، أنّ نتاج ما أنجزه من مجموعة مؤلّفات استلهم مضمونها من رحلة بحث ودراسة قادته إلى دور أرشيف روسية، معروفة بعنايتها واهتمامها بسير العظماء، يعزّز الطابع الذي تنفرد به جامعة الجزائر (02) أبو القاسم سعد الله في إنجاز مؤلّفات حول الأمير عبد القادر مترجمة لأول مرة من لغتين أجنبيتين (البريطانية والروسية) إلى العربية.

الأمــير بعيـون روسيـة

 أعرب المتحدّث (صاحب أكثر من خمسين مؤلّفا تراوحت بين المعاجم والكتب والمقالات والمداخلات باللغة الروسية والإنجليزية والفرنسية والعربية)، عن اندهاشه من زخم المؤلّفات الروسية التي تطرقت إلى الأمير عبد القادر، لاسيما الدراسات والمقالات التي تحدّثت عن جوانب كثيرة من حياته، مؤكّدا أنّه ثاني شخصية عربية إسلامية بعد شخصية النبي صلّى الله عليه وسلّم، ضمن سلسلة سير العظماء في العالم، وقال “إنّ ترجمة تلك المؤلّفات من اللّغة الروسية إلى العربية جاءت بهدف توطين المعرفة والتي تعني الإتيان بمعرفة جديدة مفيدة، تنفع في بناء الدولة، إلى جانب اكتساب معرفة الآخر”.
وفي إطار حديثه عن الفكرة الأساسية لترجمة الكتب الأربعة “السيرة الروسية للأمير عبد القادر من البادية إلى الدولة”، “دولة الأمير عبد القادر الجزائري”، “الجزائر1849.. رؤية روسية للجزائر في النصف الأول من القرن16”، و«أخبار موثوقة عن الجزائر.. أول رحلة روسية موثقة إلى الجزائر” الصادر عن “دار الوعي للنشر والتوزيع”، أوضح رشيد ميلود بأنّها تعود إلى الأستاذ عبد الحميد ديلوح، وكان ذلك من خلال مكالمة هاتفية تحدّثا فيها عن سبل وطرق استعادة تاريخنا، بدءا بتاريخ مؤسّس الدولة الجزائرية الأمير عبد القادر من دور أرشيف أجنبية.
وشرع المترجم في رحلة البحث وجمع المصادر التي اعتنت بسيرة الأمير عبدالقادر في الأرشيف الأكاديمي الروسي، كوجه من أوجه استرجاع وثائق تاريخية ونقل المعارف من خلال الترجمة، مثلما هو الحال في أعمال الراحل أبو العيد دودو، الذي استطاع أن يعرف بالأدب الجزائري عن طريق ما ترجمه إلى العربية من أكثر من لغة، لاسيما أيضا من خلال ما ترجمه إلى الألمانية لبعض من قصصه ولقصائد عدّة شعراء جزائريين معاصرين.


100 ألف نسخـة للأمــير
وفي ما يتعلق بمضمون مؤلّفاته المترجمة، أكّد الدكتور محمد رشيد ميلود على حضورها في الطبعة المقبلة من المعرض الدولي للكتاب بالجزائر، وقال بخصوص كتاب “السيرة الروسية للأمير عبد القادر من البادية إلى الدولة”، الصادر سنة 1968، إنّ من قام بكتابة نسخته الأصلية عالم الاجتماع والتاريخ والسياسة الدكتور “يولي أوغانيسيان ستيبانوفيتش”، يتناول سيرة محايدة وجميلة ومؤثرة للأمير عبد القادر، ضمن سلسلة كتب “سير أعظم الشخصيات”، مشيرا بأنّ هذه السلسة أسّسها الكاتب الكبير “ماكسيم غوركي”، وهي مخصّصة لأعظم الشخصيات في العالم، ومن ضمن كلّ الشخصيات العربية والإسلامية التي تم تخصيص كتاب لها هي شخصية الأمير عبد القادر، حيث طبع له 100 ألف نسخة في 1968 في موسكو.
وأفاد بأنّ الكتاب يجمع بين الاستشراق وعلم الاجتماع والدين والتاريخ والفلسفة، كما أنّ مضمونه لا يرى الأمير عبد القادر من منظور عاطفي، بل يتخذ جانب الأمير في عديد من المواقف خاصّة في محاربة الرؤية الاستعمارية، لاسيما كشف كذب الأوروبيين من خلال ما روّجوه من قصص كحادثة المروحة.
وفي ذات السياق، يشير المتحدّث إلى أنّ هذا الكتاب عزيز على قلبه، بالرغم من صعوبة ترجمته، أو كما قال “تخلّلت الكتاب كلمات لم يكن من اليسر أن أرجعها إلى حالتها الأصلية في اللغة العربية ككلمة “وشاح الكتائب” التي أخذت مني عشرين يوما وأنا أبحث وأفكر كيف أرجعها إلى اللغة العربية، إلى جانب العديد من المسميات الجغرافية ومسميات القبائل وبعض أسامي الجبال وما إلى ذلك، فلقد كان من الصّعب جدّا أن أعثر على الكلمات المناسبة بالرغم من أنّه ليس له خلفية تاريخية، لذلك كان صعبا ومشوّقا في ذات الوقت”.
 في حين، اعتبر بأنّ المؤلف الثاني الموسوم بـ«دولة الأمير عبد القادر الجزائري” حسب الرواية الروسية، هو كتاب تاريخي بامتياز، ليس فيه أيّ شيء من الكتاب الأول، لكنّه يعدّه تكملة لسيرة الأمير عبد القادر، مشيرا إلى أنّ الكتاب الأول يتكلّم عن الأمير عبد القادر كشخص، والثاني يتحدّث عن الدولة التي قام بتأسيسها.
 وقال بأنّ الدكتورة “ناتاليا خيميليوفا” عندما كتبت الكتاب كانت تنظر فقط إلى الدولة كدولة، أيّ ككيان معنوي، وفي كيفية إنشاء دولة من الناحية العسكرية والاقتصادية إلى ما إلى ذلك، كما أضاف بأنّ “الكتاب عموما يحكي عن الإشكالية الوجودية بين الوحدة والتشرذم ويجيب عن سؤال وجودي، ويحكي عن الولاء وعلاقته بالدولة والعشيرة، وهل هو للصالح العام أم للصالح الخاص، حيث كان هذا هو الإشكال الكبير الذي تم توظيفه في الكتاب”.
أما الكتاب الثالث الموسوم بـ«الجزائر1849..رؤية روسية للجزائر في النصف الأول من القرن 16”، يحكي ـ حسب المتحدّث ـ عن العبقرية العسكرية للأمير عبد القادر، ليوضّح الدكتور ميلود بقوله “هو محاولة ذاتية من مؤلّفه، العقيد في الأركان العامة وأستاذ الأكاديمية العسكرية الإمبراطورية “باغدانوفيتش موديست إيفانوفيتش”، لإسقاط الواقع في الجزائر خلال فترة الاحتلال الفرنسي، ويحتوي على صورة كاملة للجزائر، جغرافيا وإثنوغرافيا وإحصائيا، وتاريخ غزو هذه البلاد من قبل الفرنسيين ومقاومة الشعب الجزائري لذلك، تحت قيادة الأمير عبد القادر.

أول رحلـة روسيــة موثقـة إلى الجزائـــــر

وبالنسبة لكتاب “أخبار موثوقة عن الجزائر.. أول رحلة روسية موثقة إلى الجزائر”، الذي قام بتأليفه ضابط روسي روى كلّ ما شاهده في عين المكان خلال زيارته للجزائر، أشار الدكتور ميلود أنّه كتاب شيّق وفيه نظرة لتاريخ الجزائر وكواليس من حيث جمع الأخبار، حيث في جعبته مشاهد وتأمّلات رصدها الضابط الروسي ووثّقها في كتاب يعتبر من بين أهم الكتب في المكتبة الروسية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024