انسجاما مع المسار التّطويري في الجزائر الجديدة

مراجعـة قانوني البلديّــة والولايـة.. جماعات محليّة برؤية اقتصاديّة معاصرة

سفيان حشيفة

ترقيـة المرافق المحلية وتحريــرها من القيـود البيروقراطية

يعول على مراجعة قانوني البلدية والولاية، في الارتقاء بدور المجالس الشعبيّة المحليّة والولائيّة وجعلها أكثر فاعليّة تنموياً واقتصادياً، انسجاماً مع الرؤية التطويريّة المُنتهجة، وتماشياً مع إصلاحات وتوجّهات الجزائر الجديدة التي أقرّت تعديلات مسّت كثيرا من القوانين، مثل قانون الصّرف والنّقد والقانون المنظّم للعقار الاقتصادي وقانون الاستثمار النافذ وغيرها من التعديلات التشريعيّة بمختلف القطاعات الوطنية الحيويّة.

تسعى الحكومة لاستكمال مسيرة الإصلاحات التي باشرتها منذ تولّي رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون مقاليد الحكم، نهاية سنة 2019م، ضمن سياقات وإرهاصات بناء “الجزائر الجديدة” القويّة والمنتصرة باقتصادها المزدهر ودبلوماسيتها الحصيفة، السيّدة في قراراتها الداخلية والخارجية بعيدا عن كل الضغوطات والتأثيرات السلبية الجانبية بالإقليم.
وقصد تمكين رؤساء البلديات والمجالس الولائية وحتى ولاة الجمهورية من تحرير مبادراتهم وأفكارهم الفردية الابتكارية في الجانبين التنموي والاقتصادي، ارتأت الجزائر تعديل قانون البلدية والولاية، وتحيين مضامينه التشريعية، وضبط صلاحيات المعنيين به لكي يكون منسجماً أكثر مع التحديات والرهانات الاقتصادية المُستجدّة. واتساقاً مع ذلك، نصّب رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، مؤخراً، اللجنة الوطنية لمراجعة قانوني البلدية والولاية برئاسة وزير الداخلية والجماعات المحلية الأسبق دحو ولد قابلية، وذلك تجسيدا لالتزاماته في الحملة الانتخابية وأثناء أدائه اليمين الدستورية، بحسب ما أوضحه بيان لرئاسة الجمهورية.
وقد مثّل موضوع تعديل قانوني البلدية والولاية بالتحديد، أحد أبرز ركائز البرامج الانتخابية للمترشحين الثلاثة للانتخابات الرئاسية، التي جرت في السّابع سبتمبر 2024م، وتُوِّجت بفوز المترشّح الحرّ السيد عبد المجيد تبون لعهدة ثانية بأغلبيّة مطلقة، حيث شهد هذا الملف أخذاً وردا بين القائمين على الحملات والجمهور المُتلقِّي، ولُمس وجود رغبة واسعة في أوساط المواطنين والمنتخبين بإعادة النظر في مواد القانون من أجل تفعيل دور البلدية والولاية تنموياً واقتصاديا.
وتعليقاً على الموضوع، أفاد أستاذ القانون العام بجامعة الوادي، الدكتور إلياس جوادي، أن تنصيب رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، للجنة الوطنية لمراجعة قانوني البلدیة والولایة، جاء في إطار ترقية خدمات الجماعات المحلية وتحريرها من القيود البيروقراطية، وتوسيع صلاحيات المنتخبين بشكل يسمح بأداء أجود في خدمة المواطن، وكذا تعزيز الديمقراطية التشاركية على مستوى البلديات في إطار مبادئ اللامركزية الإدارية.
وأوضح إلياس جوادي في تصريح لـ “الشعب”، أن هذه اللجنة التي يغلب على أعضائها التمثيل الوطني وإطارات الداخلية والجماعات المحلية، كانت وفقا لنص المادة 17 من الدستور المعدلة في 2020م في فقرتها الثالثة على أنه: “بغرض تحقيق توازن اقتصادي واجتماعي للبلديات محدودة التنمية، وتكفّل أفضل باحتياجات سكانها، يمكن أن يخص القانون بعض البلديات، الأقل تنمية، بتدابير خاصة”.
واستناداً إلى هذا النص، أضاف محدثنا أن المؤسّس الدستوري، بالنظر إلى محدودية التنمية لبعض البلديات، أقرّ تلك الفقرة. ويبقى للمشرّع وضع القواعد العامة والمجرّدة من أجل تدبير كل مجلس بلدي مصالحه المحلية في ظل احترام مقتضيات سيادة ووحدة الدولة، وذلك من أجل إيجاد فرص التكافؤ للموارد والأعباء بين مختلف البلديات على مستوى البلاد.
وتابع جوادي قائلاً: “للمشرّع والمنظّم النص على تعميم وتشجيع إبرام اتفاقيات بين السلطات المركزية والبلديات من أجل تدعيم الموارد المالية والبشرية للبلديات بما يدعم استقلاليتها الإدارية وحتى المالية”.
من جانبه، أبرز أستاذ القانون الإداري بجامعة خنشلة، الدكتور علاء الدين قليل، أن رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، باشر عقب توليه عهدة رئاسية ثانية مباشرة، تطبيق الحزمة الثانية من الوعود التي أطلقها بمناسبة حملته الانتخابية، حيث قرّر بموجب المرسوم الرئاسي 24- 319 الموافق لـ30 سبتمبر 2024م إنشاء لجنة خبراء مكلفة بإعداد مشروعي قانوني البلدية والولاية برئاسة وزير الداخلية الأسبق دحو ولد قابلية.
وقال علاء الدين قليل، في تصريح خصّ به “الشعب”، إن هذه اللجنة التي باشرت مهامها فور تنصيبها، تبقى في جلسة مفتوحة بمقر رئاسة الجمهورية، إلى غاية استكمال مهامها المنوطة بها.
وبحسب قليل، فإن المدقّق في عضوية هذه اللجنة يلمس طابعها التقني، لاسيما وأنها ضمت كل الفاعلين المباشرين في المشهد المحلي، سواء على مستوى البلدية أو الولاية، خاصة مع إسناد رئاستها إلى وزير الداخلية والجماعات المحلية الأسبق دحو ولد قابلية، الذي يملك باعا وخبرة كبيرين في هذا الملف.
كما تأتي خطوة تنصيب لجنة خبراء لمراجعة قانوني البلدية والولاية، في هذا الوقت، نظرا لقيمة وأهمية القانونين في برنامج رئيس الجمهورية في شقه المحلي، وفي إطار التزامه بمراجعة صلاحيات رؤساء المجالس الشعبية، بمنحهم المزيد من الاستقلالية وتحريرهم من فكرة المركزية المطلقة، حتى يتمّ التّجسيد الأمثل للبرامج والمشاريع التنموية على المستوى المحلي، وفقاً للمتحدث ذاته.
وأردف الأستاذ: “الكثير من المواد داخل قانوني البلدية والولاية الحاليين الصادرين سنة 2011/ 2012م تواليا، قد أضحت لا تتماشى مع التّغيّرات الجديدة، ولا تلبي طلبات المشهد السياسي المحلي، ولا الاحتياجات المحلية، لاسيما في ظل بروز فاعل جديد على المستوى المحلي وهو المجتمع المدني، الذي أضحى من الواجب إشراكه في صناعة القرار”.
فضلا عن ذلك، أشار علاء الدين، إلى أن التكريس الفعلي لكل من قانون البلدية 11-10 وكذا قانون الولاية 12-07 كشفا عن قصور كبير في تجسيد أهداف التنمية المحلية المنشودة، نظير ضعف المركز القانوني للمنتخب المحلي، ومحدودية الصلاحيات المنوطة برؤساء المجالس الشعبية المحلية، التي تغيب عنها الاستقلالية الكافية والصلاحيات التنفيذية اللازمة لتنشيط المشهد المحلي الاقتصادي والتنموي والاجتماعي، خاصة وأن الحصانة المقررة في القانونين القديمين لا تعطي الحماية الكافية للمنتخب المحلي، وتحد من روح المبادرة المتعلقة بنشاطه.
نقاط ظلّ كثيرة عكسها قصور وضعف القانون القديم، مما بات لزاما مراجعته وتكييفه مع المستجدات السياسية والاقتصاية الحالية، في ضوء توجيهات رئيس الجمهورية الذي يملك خبرة كبيرة في هذا الموضوع، وله رؤية استشرافية في واقع وسيرورة نشاط الجماعات المحلية، يختم أستاذ القانون الإداري بجامعة خنشلة الدكتور علاء الدين قليل.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024