جدد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، تمسكه بمبدإ «الحق والإنصاف» في معالجة ملف الذاكرة الوطنية، مؤكدا بذلك أن الجزائر لن تتخلى عن إرث الملايين من الشهداء، ومشددا على ألا تنازل أو استكانة في إثبات حقيقة التاريخ أمام المتطرفين وأسرى الفكر الاستعماري البائد.
وجه الرئيس تبون رسائل حازمة، لمن سبق وأسماهم «جيش المتطرفين» الحاقدين على الجزائر والجزائريين، مذكرا بقواعد المعالجة النهائية لمسألة الذاكرة الوطنية، والتي لا حياد عنها.
وفي رسالته للشعب الجزائري، بمناسبة اليوم الوطني للذاكرة والمخلد لمجازر 17 أكتوبر 1961، أكد على مبدإ «الحق والإنصاف فيما يتعلق بملف الذاكرة الذي تحاول أوساط متطرفة تزييفه، أو إحالته إلى رفوف النسيان».
وأشار إلى أن «مسألة الذاكرة تحتاج إلى نفس جديد من الجرأة والنزاهة للتخلص من عقدة الماضي الاستعمار، والتوجه نحو المستقبل، لا إصغاء فيه لزرع الحقد والكراهية، ممن مازالوا أسيري الفكر الاستعماري البائد».
والحق والإنصاف، يصب، دون أدنى شك، في صالح الجزائر وتاريخها الحافل بالمقاومة والكفاح ضد الاستعمار الفرنسي طيلة أزيد من 130 سنة، حاول خلال جلب الأوروبيين ليحلوا محل الجزائريين، وفرض المسيحية بديلا للدين الإسلامي.
والموثق تاريخيا، أن فرنسا أرادت إبادة الشعب الجزائري وسلخه عن معتقداته، وارتكبت مجازر بشعة في كل شبر من القطر الوطني، وبلغت ساديتها أقصى الدرجات، عندما سرقت جماجم ورفات العشرات من الأبطال المقاومين، واحتجزتهم في متاحف بالعاصمة باريس لأزيد من 170 سنة.
الرئيس تبون، أكد في أكثر من مناسبة، أن تاريخ الجزائر مع الاستعمار، حافل بأزيد من 70 سنة مقاومة مسلحة، انتهت بواحدة من أعظم الثورات في التاريخ البشري، لافتا إلى أن هذه الحقائق لا يجب أن تمحى أو تزور أو توضع جانبا، مقابل محاولات لا تتوقف لتبييض صورة الاستعمار الفرنسي.
ومنذ 2020، حرص رئيس الجمهورية على إحاطة ملف الذاكرة بأهمية بالغة، بعدد من القرارات الجريئة وبالغة الرمزية، ليكشف عن الرقم الحقيقي لشهداء الحقبة الاستعمارية والمقدر عددهم 5.6 مليون شهيد، وليس فقط مليون ونصف مليون شهيد، العدد الذي يخص الثورة التحريرية لوحدها.
كل هذه التضحيات وكل تلك المجازر الشنيعة التي تطارد الماضي الاستعماري لفرنسا في الجزائر، لا يمكن بأي حال من الأحوال، أن يكون عرضة للتحايل أو التزييف، مثلما يسعى لذلك اليمين المتطرف الفرنسي.
بل إن في فرنسا، من يريد علاقات مع الجزائر، لا يؤتى فيها على ذكر التاريخ أو التطرق لموضوع الذاكرة، في وقت مازالت سموم التجارب النووية إحدى أبرز مخلفات الاستعمار، تقتل الطبيعة والحيوانات في الصحراء الجزائرية.
لقد أغلق الرئيس تبون، في رسالته بمناسبة اليوم الوطني للهجرة، أبواب التنازل أو الاستكانة فيما يتعلق بالذاكرة، وفاء «لتضحيات الشهداء وأحلامهم» في «رؤية جزائر مرفوعة الرأس.. جزائر الوطنية والكرامة».
ومن يحتاج إلى الجرأة ومشاهدة التاريخ وجها لوجه، فهي فرنسا، التي عليها أن تفك أسرها من قبضة اليمين واليمين المتطرف الذي يريد عبثا تمجيد ماضي «مليء بالقتل والإبادة»، والتخلص نهائيا من عقدة الاستعمار.
ومشاهد الجزائريين في ميترو الأنفاق بباريس في 17 أكتوبر 1961، وأنفاسهم التي لفظوها أحياء تحت مياه نهر السين، كفيلة لوحدها بمطاردة حملة الفكر الاستعماري المقيت، إلى ما لا نهاية.
وفي وقت كانت اللجنة المشتركة للمؤرخين بصدد إنجاز عملها، وإثبات حقيقة التاريخ، لم يتوقف المتطرفون والحاقدون على الجزائر عن بث السموم، وإثارة مواضيع هامشية، كشماعة للفرار من النظر إلى وجههم القبيح في المرآة.