ملف الذاكرة يقتضي جرأة ونزاهة.. ويجب التخلص من عقدة الماضي الاستعماري
جدد رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، حرص الدولة المستمر على الدفاع عن أبناء الجالية الوطنية بالمهجر، ورعاية مصالحهم وتوفير الشروط المثلى لاندماجهم في مسار التقويم والتجديد الوطني.
في رسالة وجهها للشعب الجزائري، بمناسبة اليوم الوطني للهجرة، المخلد للذكرى 63 لمظاهرات 17 أكتوبر 1961، قال رئيس الجمهورية: «أقف بخشوع مترحما على أرواح ضحايا ذلك اليوم المشؤوم وأحيي بنات وأبناء الجزائر في المهجر».
بالمناسبة، أكد رئيس الجمهورية ‘’حرص الدولة المستمر على الدفاع عنهم ورعاية مصالحهم وتوفير الشروط المثلى لاندماجهم في مسار التقويم والتجديد الوطني وفي ديناميكية التحول بالجزائر نحو المستقبل برؤية جديدة واثقة في مقدرات البلاد وفي كفاءاتها ووعي شبابها وشعبها بالتحديات ومؤمنة بكسب الرهانات وتحقيق أحلام شهدائنا الأبرار بجزائر مرفوعة الرأس، جزائر الوطنية والكرامة، المتمسكة بمبدإ الحق والإنصاف فيما يتعلق بملف الذاكرة الذي تحاول أوساط متطرفة تزييفه أو إحالته إلى رفوف النسيان، في وقت تحتاج فيه مسألة الذاكرة إلى نفَس جديد من الجرأة والنزاهة للتخلص من عقدة الماضي الاستعماري والتوجه إلى مستقبل لا إصغاء فيه لزرّاع الحقد والكراهية ممن مازالوا أسيري الفكر الاستعماري البائد».
كما ذكر رئيس الجمهورية في السياق ذاته، بأن إحياء الذكرى 63 لليوم الوطني للهجرة، يأتي «تخليدا لنضالات جاليتنا في المهجر، المعبرة عن التحام الجزائريات والجزائريين المقيمين في فرنسا آنذاك بثورة التحرير المجيدة»، حيث تظل هذه الذكرى «راسخة في الأذهان لما تحمله من قوة الدلالة على وحدة الشعب والتفافه حول تحقيق الأهداف التي رسمها بيان أول نوفمبر الخالد».
وبالرغم من اكتمال أركان الجريمة ضد الإنسانية التي ارتكبتها فرنسا الرسمية وتتحمل تبعاتها القانونية منذ أزيد من ستة عقود، إلا أن الدولة الفرنسية تصر على التغاضي عن مجازر نهر «السين» بجريمة أخرى تتمثل في التكتم أو «الصمت المنظم» وفق التعبير الذي استخدمه المؤرخ الفرنسي جيل مانسيرون في كتابه «الصمت الثلاثي إزاء مجزرة».
ولم يتمكن مسؤولو الدولة الفرنسية المتعاقبون من التعامل مع هذا الملف ومع ملف الذاكرة عموما بصفة مسؤولة وصريحة وبقراءة موضوعية وصادقة، مثلما تطالب به الجزائر وينص عليه «إعلان الجزائر» الذي وقع عليه رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون سنة 2022، بل اختاروا سبيل التصريحات الاستفزازية وسياسة المراوغة، على حد قول الأكاديمي الفرنسي أوليفيه لوكور غراند ميزون.
وفي آخر لقاء إعلامي له، أشار رئيس الجمهورية إلى أن اللجنة الجزائرية-الفرنسية المشتركة المكلفة بالملفات المتعلقة بالذاكرة «لعبت دورها في البداية، غير أن التصريحات السياسية التي تدلي بها أقلية فرنسية تكنّ الكره للجزائر أثرت على عملها».
وجدد بالمناسبة «موقف الجزائر الثابت المطالب بالحقيقة التاريخية وبالاعتراف بالمجازر التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي»، مؤكدا أن الجزائر «لن تقبل الأكاذيب» ومذكرا بأن مقولة الرئيس الراحل هواري بومدين «نحن نطوي الصفحة ولا نمزقها» لاتزال سارية.
ومن أبرز المراوغات الفرنسية، مصادقة الغرفة السفلى للبرلمان الفرنسي، شهر مارس الماضي، على مقترح لائحة تدين القمع الدموي والإجرامي الذي مورس على الجزائريين تحت سلطة محافظ الشرطة موريس بابون، في 17 أكتوبر 1961 بباريس، وتقترح إدراج يوم لإحياء ذكرى هذه المجزرة. غير أن هذه اللائحة خضعت لعملية تنقيح وتعديل حالت دون تحميل الدولة الفرنسية المسؤولية القانونية، لتقوم الغرفة العليا بعد ذلك بتسجيل مقترح يميني يتحدث عن «مجازر» بحق الفرنسيين والأوروبيين في الجزائر العاصمة ووهران سنة 1962.
ولايزال هؤلاء الذين يكنون الحقد للشعب الجزائري ينفثون سمومهم في كل مناسبة يذكر فيها تاريخ الجزائر، من خلال ممارسات تنمّ عن «انحطاط سياسي»، مثلما وصفه رئيس مجلس الأمة، المجاهد صالح قوجيل، في مساهمة إعلامية سابقة له، انتقد فيها بعض الدوائر السياسية الفرنسية التي عوض تكريمها لتضحيات المهاجرين الجزائريين ومساهمتهم في تحرير فرنسا من النازية وإعادة بنائها، تقوم باستغلال مسألة الهجرة لأغراض سياسوية وتهاجم المهاجرين الجزائريين بشكل مجحف وتطالب بمراجعة أو إلغاء الاتفاق الموقع بين الجزائر وفرنسا سنة 1968 حول تنقل الجزائريين، والذي لم يخدم إلا الجانب الفرنسي.
ويبقى تاريخ 17 أكتوبر 1961 «شاهدا على جريمة العار الاستعماري وعلى أحد فصول التضحيات العظيمة التي قدمها شعبنا الأبي في سبيل الحرية والانعتاق»، مثلما ذكره رئيس الجمهورية في مناسبة سابقة، أكد خلالها أن الاحتفاء باليوم الوطني للهجرة يعد «محطة معبرة عن اعتزازنا بملاحم تاريخنا الوطني ووقفة نجدد فيها العهد مع الشهداء».