يبحث في آليات وتقنيات السيطرة الصهيونية

”مقاومة الهيمـنة في فـلسطين”.. بحوث مـيـدانية

يقدّم هذا الكتاب دراسات نقدية مختارة متعلقة بتطور الهيمنة الصهيونية في أشكالها وأساليبها، تشرح بعمق آليات السيطرة والممارسات الاستعمارية وتكتيكات الاستعمار الاستيطاني الصهيوني. ويتبّنى المساهمون فيه استنادا إلى بحوث ميدانية تجريبية، نهجا متعدّد التخصصات في تحديد مواقع السيطرة والهيمنة الاستعمارية الصهيونية في فلسطين، ويوضحون كيفية تمثيل هذه المواقع مرتكزات أساسية للمقاومة الفلسطينية.
يحتوي الكتاب على 13 فصلاً، تبدأ بفصل تقديمي كتبه محررو الكتاب الثلاثة، وهم علاء الترتير وتيموثي سيدل وطارق دعنا، وتتوزع سائر الفصول على أربعة أقسام، يستكشف كل قسم منها بعدًا محددًا من الهيمنة والمقاومة.
يهتمّ القسم الأول بالأبعاد السياسية للسيطرة والهيمنة والرفض والمقاومة، وذلك من خلال تحليل الحكم والبنى المؤسسية وآليات السيطرة، فضلاً عن تحليل قطاعي الصحة والتكنولوجيا، والعنف الهيكلي في فلسطين المحتلة. يكشف طارق دعنا في الفصل الثاني، قدرة الكيان الصهيوني على الهيمنة والسيطرة على الفلسطينيين من خلال الحكم الذاتي الفلسطيني”الذي تمارسه السلطة الفلسطينية منذ توقيع اتفاقات أوسلو (1993-1994)، وينظر إلى هذا الحكم الذاتي بوصفه شكلاً جرى تصميمه من أجل تسهيل الحكم الاستعماري غير المباشر لدولة الاحتلال، الذي غالبا ما يواجه بمقاومة فعّالة من الفلسطينيين.
أما يارا عاصي، فتتناول في الفصل الثالث العنف الهيكلي لنظام التصاريح الطبية الصهيوني؛ إذ تحلّل بيانات التصاريح الطبية المتاحة من قطاع غزة والضفة الغربية في الفترة 2011-2019، وتربط ذلك بأمن دولة الاحتلال، لتخلص إلى أن الكيان الصهيوني على الرغم من أنه أصبح أكثر أمنا منذ عام 2011، فإن نظام التصاريح أصبح أكثر تقييدا، مشكّكة في ادعاءات أن هذه التصاريح وغيرها من القيود المفروضة على الحركة المفروضة على الفلسطينيين ضرورية بسبب المخاوف الأمنية.
وفي الفصل الرابع، تهتمّ نجمة علي بالتعبيرات الرقمية عن الهيمنة والمقاومة، والمدى الذي يوفره العصر الرقمي بوصفه قناة مفتوحة لممارسة الحريات في السياقات القمعية. وتجادل بأن هذا الرأي غير مكتمل نظرا إلى الاستخدام المضاد للتقنيات؛ مثل أدوات المراقبة والتجسس وجمع المعلومات، وتقييد الأنشطة. وتؤكد أن الكيان الصهيوني صار مصدرًا رئيسًا لتكنولوجيا المراقبة هذه.
في الفصل الخامس، وهو الفصل الأخير في هذا القسم، ينصب اهتمام وئام حمدان على التجارب الحية للعاملين في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الأراضي المحتلة. وتنتهي الباحثة إلى ثلاثة مواضيع مشتركة في تجارب العاملين في مجال تكنولوجيا المعلومات هي علاقات القوة الناتجة من الاحتلال الصهيوني المفروض، وتأثير الرأسمالية في التعليم والبنى الاجتماعية للأسرة الأبوية.
أما القسم الثاني، فيهتم بالأبعاد الاقتصادية للاستغلال ونزع الملكية والتخلّف، بما في ذلك الأدوات المصرفية والضرائب والعلاقات بين رأس المال والمعونات والاحتلال العسكري. ففي الفصل السادس، تدرس هبة طه الروابط النظرية والتجريبية بين صناعة المساعدات الاقتصادية والتقنية الصهيونية في بعض الدول الإفريقية والممارسات الاستعمارية تجاه الفلسطينيين في العقود التي تلت قيام الكيان الصهيوني مباشرة. وتسلّط الضوء على “إنتاج الفلسطينيين” بوصفهم موضوعًا للرأسمالية الصهيونية والاستعمار، في حين تكشف - في الوقت نفسه - عن الطرائق التي يصبح من خلالها نزع ملكية الفلسطينيين جزءا من التصوّرات التنموية العالمية في خمسينيات القرن العشرين.
أما الباحث كولن باورز Colin Powers فيتناول في الفصل السابع التفاعل بين الاستعمار الاستيطاني الصهيوني والديناميات الفلسطينية الداخلية من حيث صلتها بمسائل السياسة النقدية والمال والتمويل متتبعا آثار هذا التبادل الجدلي منذ عام 1967 حتى يومنا هذا. ويثبت تحليله أن اعتماد السلطة الفلسطينية القسري على الشيكل الصهيوني يحد من التنمية الفلسطينية، وأن غياب نظم مستقلة للدفع والمقاصة يبقي الاقتصاد الفلسطيني في حالة ضعف دائمة.
يختتم الباحث أنس قطيط القسم الثاني في الفصل الثامن الذي يستكشف فيه الديناميات المالية داخل السلطة الفلسطينية التي شكلها بروتوكول باريس ونظام السيطرة الاقتصادي الصهيوني، ويكشف تأثير الهياكل الاستعمارية الاستيطانية في عمليات السلطة.
وفي القسم الثالث من الكتاب ينصب الاهتمام على الأبعاد البيئية للهيمنة والمقاومة في إطار السياق الاستعماري الاستيطاني؛ إذ تركز فصوله على الأرض والأصلانية Indigeneity والفضاء العام، بوصفها عناصر حاسمة لفهم الاستعمار الاستيطاني، وتوضيح سياق الرأسمالية العنصرية في فلسطين المحتلة. فيبدأ غابي كيرك Gabi Kirk وبول كولبري Paul Kohlbry في الفصل التاسع بدراسة ريف فلسطين من خلال إبراز القوى العابرة للحدود الوطنية التي تشكل الملكية الريفية والعمل والزراعة، ويُظهران أن فهم ما يحدث للأراضي الريفية في أراضي فلسطين التاريخية، لا بد أن يتمّ من خلال تضمين اللاجئين الفلسطينيين والمهاجرين والمنفيين الذين يعيشون في الخارج.
 ثم يستكشف تيموثي سيدل وفيديريكا ستاني Federica Stagni في الفصل العاشر الاستعمار الاستيطاني ونضال السكان الأصليين في فلسطين، مع التأكيد أن تحليل إنهاء الاستعمار Decolonial Analysis لا يولي اهتماما للأصلانية الدائمة فحسب، بل إنه يهتم أيضًا بدور الأرض في النضال من أجل الحكم الذاتي والسيادة وتقرير المصير؛ أي فحص أعمال المقاومة والنضال الشعبي “اليومي” التي تتخذ شكل الصمود الذي قد لا يتعلق بنهاية اقتصادية وسياسية محددة سلفا في حد ذاتها، بل بالوجود والأرض ورفض الاستبعاد والمحو.
ويتناول القسم الرابع، وهو القسم الأخير الأبعاد المعرفية للهيمنة والمقاومة، ويُسلط الضوء على الطرائق التي يمكن من خلالها أن تظهر المعايير والسرديات وإنتاج المعرفة التزاما بالتحرر والحرية، أو إدامة السيطرة والهيمنة. فينظر سومديب سين Somdeep Sen في الفصل الحادي عشر، إلى اعتماد تعريف
International Holocaust Remembrance Alliance, IHRA التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست المتعلق بمعاداة السامية في مؤسسات التعليم العالي، ويحلل جهد هذا التحالف في الرقابة الأكاديمية في ضوء الأيديولوجيا والسياسة الأوسع للاستعمار الاستيطاني. ويشير إلى أن تعريف الرابطة يسعى لتقييد المناهج الدراسية والتربوية التي تعترف بشرعية القضية الوطنية الفلسطينية ووجودها واستمرارها، نظرًا إلى أن هذا الأمر يقوّض أسطورة أن الكيان الصهيوني “بني على أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض”، ويخلص إلى أن هذا التحالف هو امتداد للرغبة الاستعمارية الاستيطانية في محو الأدلة على وجود السكان الأصليين، وأن اعتماده هذا التعريف في جامعات الشمال العالمي، ليس سوى دليل على عولمة سياسات الاستعمار الاستيطاني.
في الفصل الثاني عشر، يتتبع جيريمي وايلدمان Jeremy Wildeman كيفية إفادة تدخل الديمقراطيات الليبرالية الغربية في بناء الدولة الاستعمارية الاستيطانية الصهيونية، وذلك على حساب الدولة الفلسطينية والسلام. ويركز على أمثلة من ثلاث فترات تقسيم الأمم المتحدة لفلسطين (أربعينيات القرن العشرين، وعملية أوسلو للسلام تسعينيات القرن العشرين، وبناء الدولة الفلسطينية بقيادة الغرب بعد الانتفاضة الثانية منتصف تسعينيات القرن العشرين حتى عام 2010). وينتهي إلى القول إن طرائق التفكير الاستعمارية العنصرية متأصلة في كيفية تعامل القوى الغربية مع فلسطين والكيان الصهيوني، وأنها تفضل دومًا الصهاينة الأكثر “أوروبية” على الفلسطينيين؛ ما يثير تساؤلات عديدة من بينها خاصة إذا ما كان في إمكان الفلسطينيين الوثوق بالتدخل الغربي في المنطقة.
في الفصل الثالث عشر، وهو الفصل الأخير في الكتاب، تلقي ميلاني مينزر Melanie Meinzer نظرة فاحصة على مناهج التعليم الفلسطينية في مرحلة ما بعد أوسلو؛ إذ أدى اعتماد المنظمات غير الحكومية الفلسطينية على المساعدات الخارجية خلال أوسلو إلى إعادة توجيه طاقات المجتمع المدني نحو أولويات المانحين وإضعاف حركات المقاومة الفلسطينية. وتجادل بأنه على الرغم من هذه العقبات، فإن روح التدريس وطرائقه في مناهج تعليم ما بعد الانتفاضة لا تزال حية، ولا تزال تعمل بوصفها حصنا ضد المحو الثقافي في حالة الاستعمار الاستيطاني الصهيوني الذي مكّنه المانحون.
واعتمادًا على المقابلات والدراسات الاستقصائية، تظهر كيفية إعادة المنظمات غير الحكومية والمنظمات المجتمعية والمعلمين تشكيل حركة التعليم الشعبي The Popular Education Movement باستخدام المسرح السياسي والفنون البصرية والنقاش ورواية القصص لتوعية الشباب وتعبئتهم، وتخلص إلى أن الاعتماد على المساعدات يقيد تقرير المصير الفلسطيني، لكن التعليم الشعبي لا يزال وسيلة للتحرر الشخصي والجماعي.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19651

العدد 19651

الأربعاء 18 ديسمبر 2024
العدد 19650

العدد 19650

الثلاثاء 17 ديسمبر 2024
العدد 19649

العدد 19649

الأحد 15 ديسمبر 2024
العدد 19648

العدد 19648

السبت 14 ديسمبر 2024