تثمين الأجـور والحفـاظ على القـدرة الشرائيـة
أصدر المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي والبيئي تقريره حول التنمية الاجتماعية والبشرية بالجزائر 2019- 2023، استعرض من خلاله التقدم المحرز في هذه الفترة والتحديات الواجب رفعها في هذا المجال.
وفقا للتقرير الذي تحصلت وأج على نسخة منه، “فقد اتخذت السلطات العمومية في السنوات الأخيرة العديد من الإجراءات في مواجهة التحديات الديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية الكبيرة”، مشيرا إلى أن هذه التدابير سمحت بتحقيق تقدم “ملحوظ” في مجالات مكافحة الهشاشة المالية للأسر، الحفاظ على القدرة الشرائية، تسهيل الادماج الاقتصادي لا سيما للشباب والنساء، وتعزيز المشاركة في خلق الثروة وضمان الوصول إلى الخدمات الأساسية.
وقام المجلس في تقريره برصد مختلف المؤشرات التنموية وتقييمها، مستندا على معطيات دقيقة لوضع “أسس للتفكير النقدي والبناء بخصوص السياسات الاجتماعية المنتهجة بالجزائر خلال السنوات الأخيرة، بهدف إثارة نقاش مستنير حول المسارات الواجب اتباعها لبناء مجتمع أكثر ازدهارا ووحدة واحتراما لحقوق الانسان”.
وتضمن التقرير تسعة أقسام تتعلق بالسياق العام، تعزيز الحقوق الاجتماعية والديمقراطية التشاركية، التكوين والتعليم، سياسات القطاع الصحي ونظامه، مكافحة الهشاشة وتحقيق العدالة الاجتماعية، النشاطات الاجتماعية للتضامن الوطني لصالح فئات معينة، تعزيز التشغيل ودعم استحداث الانشطة، الضمان الاجتماعي، سياسة الاسكان، واهم الرهانات المرتبطة بالتنمية الاجتماعية.
وعلى ضوء ذلك، خلص التقرير إلى أن التعديل الدستوري لسنة 2020 عزز الاطار القانوني والمؤسساتي لحقوق الانسان، وساهم في إرساء حقوق أساسية جديدة على غرار الوصول العادل إلى الخدمات العمومية، تعزيز حرية تكوين الجمعيات، وحق الالتماسات المدنية.
كما تم انشاء أو تفعيل هيئات للحوار والمشاركة المدنية -يضيف التقرير- “مما يدل على الرغبة في تعزيز الانفتاح الديمقراطي”، مثل المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بتسميته الجديدة، والمرصد الوطني للمجتمع المدني، والمجلس الأعلى للشباب.
وفي الجانب التعليمي، أشار المجلس إلى “الالتزام القوي” تجاه تطوير المنظومة من مرحلة الطفولة المبكرة إلى التعليم العالي، عن طريق بذل جهود مالية كبيرة لإعادة استثمار جزء كبير من الناتج المحلي الإجمالي في قطاعات التعليم والتكوين، مؤكدا أن هدف الوصول الشامل للتعليم الإلزامي اقترب من التحقيق، وذلك بفضل زيادة البنية التحتية للمدارس وتعزيز عدد المعلمين.
ورغم التحسينات التي تم إحرازها على مستوى الابتدائي والمتوسط والثانوي، فإن مشكلة التسرب المدرسي بقيت “مصدر قلق”، بحسب التقرير.
كما يشهد قطاع التعليم العالي هو الآخر، تقدما في ظل وجود شبكة واسعة من المؤسسات تغطي جميع أنحاء البلاد، كما يتم تعزيز المقاولة الطلابية بشكل نشط، بينما يتم تخصيص استراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي تتضمن تعبئة الجامعات.
من جهته، يسعى قطاع التعليم والتكوين المهنيين لتكييف برامجه مع الاحتياجات الفعلية لسوق العمل، عن طريق تعزيز الشراكات مع القطاع الاقتصادي ودمج ريادة الأعمال في المناهج الدراسية المقدمة، يؤكد التقرير.
وفي المجال الاجتماعي، أشاد المجلس بجملة الخطوات المتخذة في مجالات مكافحة الفقر، والحد من عدم المساواة، ودعم الفئات الهشة، بالإضافة إلى رفع الأجور ومنح التقاعد والمعاشات، وتنفيذ برامج محددة لمساعدة الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، والأسر المعوزة، وتمكين المرأة اقتصاديا.
كما أدى تنفيذ خطة واسعة النطاق لتطوير المناطق النائية إلى تحسين الظروف المعيشية للسكان من خلال توفير خدمات أساسية مثل الكهرباء والغاز والماء والصرف الصحي والطرق والمدارس والمرافق الصحية المحلية، تضيف ذات الوثيقة.
وبخصوص نظام الضمان الاجتماعي، فقد شهد هو الآخر تقدما من حيث التغطية الشاملة التي تجاوزت الـ77 بالمائة في سنة 2023، بعد دمج فئات جديدة من العاطلين عن العمل، وأصحاب المهن الحرة، والفنانين. وتم كذلك تعزيز المزايا بما في ذلك تغطية تكاليف الولادة في العيادات الخاصة، وتعزيز الشبكة الإقليمية بإنشاء 845 هيكلا محليا لتحسين الوصول إلى الرعاية الصحية والحقوق.
وفي قطاع الصحة العمومية، تميزت هذه الفترة بتعزيز القدرات وتحسين الحوكمة وتنفيذ البرامج ذات الأولوية على غرار صحة الأم والطفل، مكافحة الأمراض المزمنة والسرطان، والأمن الصحي.
وعلى الرغم من التحديات المالية والتشغيلية، فقد أدت هذه الجهود إلى إحراز تقدم ملحوظ يتضح جليا من انخفاض معدلات وفيات الرضع والأمهات، يقول المجلس في تقريره.
وفي سياق متصل، أكد التقرير أن تعزيز التوظيف وريادة الأعمال شكلت أحد المحاور الرئيسية للتنمية في الجزائر، ولهذا فقد تم تخصيص موارد هائلة لتحقيق هذا الهدف، بإعادة هيكلة برامج الإدماج العامة، وإدخال منحة البطالة التي مكنت من دمج وتوجيه ما يقرب من 320 ألف مستفيد من أصل مليوني مستفيد من نظام منحة البطالة إلى سوق العمل.
وبالموازاة مع ذلك، تم تطوير نظام بيئي ريادي موات للشركات الناشئة واقتصاد المعرفة (الاعتماد، التمويل، حاضنات الأعمال)، وفقا للوثيقة ذاتها.
وتوجت هذه الجهود المبذولة في مختلف المجالات في الجزائر -بحسب التقرير- بنتائج ملموسة حيث تم تصنيفها ضمن البلدان ذات التنمية البشرية المرتفعة، وفقا لتقارير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لسنة 2021 التي أظهرت تقدم الجزائر بمنطقة المغرب العربي من حيث التنمية البشرية.