«كيف ولماذا وافقت على خطوبة أسير محكوم بالسجن فترة طويلة، وقضى خلف القضبان سنوات عديدة؟ وكيف تجازفين بحياتك ومستقبلك مع أسير خلف القضبان؟” هذه بعض الأسئلة التي تواجهها بشكل مستمر الشابة هبة مصطفى عابد (30 عاما) منذ إعلان عقد قرانها قبل 4 أعوام على الأسير محمد فاروق شريف أبو الرب من قباطية، وهو من أقاربها، رغم أنّه يمضي حكماً بالسجن الفعلي مدّته 30 عاماً.
رغم تكرار السؤال في كلّ مناسبة وموقف، فإنّ هبة تسارع للحديث عن خطيبها الذي اختارته كما قالت بإرادتها الحرة ليكون رفيق دربها، كما تقول، وتتحدّث بفخر واعتزاز عن بطولاته وتضحياته في سبيل حرية شعبه، معبّرةً عن إيمانها وقناعتها بأنّ فجر حريته قريب. طوال عمرها لم تلتق هبة المولودة في بلدة كفرذان غرب جنين بخطيبها محمود، الذي ينحدر من عائلة تربطها بأسرتها قرابة وتعيش في بلدة قباطية، لكنّها عرفته كما تروي من خلال أحاديث أسرته ووالدته عنه، وتعرفت على سيرته وخصاله وبطولاته وصموده في غياهب السجون، والتي جعلته “بطلها” الكبير وفارس فلسطين الذي تنتظر عودته منتصراً قريباً.
وقالت هبة: “تردّدت في البداية عندما تقدّمت عائلة محمود لخطبتي، لكن عندما فكرت بمواقفه وتضحياته التي قدّمها من أجل شعبنا، وافقت فوراً على الارتباط به، وفي عام 2019، تمت قراءة الفاتحة، وبتاريخ 3/3/ 2020 جرى عقد القران، ومن يومها ازداد ارتباطي به فأعطيته الأمل بالحرية، وأعطاني أملاً كبيراً بأن نجتمع قريباً، رغماً عن الاحتلال وسجّانيه وسجونه”. وأضافت: “خلال فترة زياراتي له، ازداد إعجابي وتقديري لشخصية محمود، الذي جعلني أشعر بفخر واعتزاز بأن أكون زوجة أسير دافع عن الأرض وشعبه وضحى بزهرة شبابه خلف القضبان من أجلنا”.
وقالت “محمود يتمتع بشخصية قيادية ووطنية، وهو متعلم ومثقف وجريء وشهم وشجاع وصاحب مبدأ وعقيدة راسخة، إضافة إلى كونه متعلما ومثقفا، فإنّه يحب القراءة والتعليم عدا عما يمتاز به من إنسانية في شخصيته، فهو طيب وحنون”. منذ ارتباطها به، واظبت هبة على زيارة خطيبها محمود، رغم ما كانت تواجهه من عقبات وقيود وإجراءات متعمّدة من إدارة السجون كعقاب وانتقام بشكل متعمد، وقالت:« في كلّ زيارة كان يمنحني القوة والأمل باللقاء وكسر القضبان، ويخفّف عني الألم والمعاناة بسبب ممارسات إدارة السجون التعسفية بحقي في كلّ زيارة، فقد كانت تتحول غالبية الزيارات لمشقة وتعب، وإجراءات تعسّفية”.
وأضافت: “عندما كنا نصل للسجن كانت قوات الاحتلال تقوم بإدخال كافة أهالي الأسرى للزيارة، ولكن أبقى أنا الوحيدة محتجزة في غرفة لوحدي حتى تنتهي الزيارات ويغادر الأهالي، ليرغمهم الاحتلال على انتظاري حتى أقوم بالزيارة لوحدي، دون مبرر أو سبب، لكن هدف ذلك عقاب الأسير وعائلته والضغط علينا للتوقف عن زيارتهم والتواصل معهم”.
وقالت “ بشكل دائم كنّا نواجه قيوداً وعقبات في الزيارات فلا يمكن مصافحة الأسير الذي نراه من خلف الزجاج، ونتحدث عن طريق الهاتف المشوش دائماً لمدة 45 دقيقة، وهي فترة غير كافية للحديث، لأنهم يريدون منعنا من التواصل والحديث”. وتواظب هبة، على الحضور بشكل مستمر للمشاركة في الاعتصام الأسبوعي تضامناً مع الأسرى في مدينة جنين، وتقول: “أمام ما يتعرض له أسرانا وبينهم خطيبي من قمع وقتل وجرائم، لم يبق أمامنا سوى التظاهر والاعتصام، وإعلاء أصواتنا في وجه العالم ليتحرك لإنقاذهم، فلا طعام ولا غذاء ولا زيارات ولا علاج، ولا حتى أدوات تنظيف منذ بداية الحرب والعدوان على غزّة، ولا يمارسون سوى القتل والقمع ضدّ الأسرى، حتى أصبحت حياة أسرانا في خطر يومي حقيقي”.
وتضيف “طوال الفترة الماضية أخبار محمد مقطوعة، ولم نتمكن من معرفة مصيره، وما يزيد قلقنا أنّه يعاني من عدّة مشاكل صحية، منها وخز في القلب وأوجاع في البصر، أثرت على رؤيته، وخلال فترة الحرب واقتحام الغرف قاموا بتكسير نظارته التي كان يستخدمها، ومازالوا يرفضون إدخال وتوفير أدويته، لذلك نحن نطالب الصليب الأحمر والجميع بالتحرك قبل فوات الأوان”. وتوضح هبة، أنّ قوات الاحتلال كانت اعتقلت خطيبها محمد المرة الأولى خلال انتفاضة الحجر، وتحرّر ضمن صفقة الإفراجات التي أعقبت توقيع اتفاق أوسلو، وبعد اندلاع انتفاضة الأقصى الثانية طاردته قوات الاحتلال حتى تمكنت من اعتقاله في كمين في بلدته قباطية في 17/ 7/ 2002، وبعد تعذيب وتحقيق واحتجاز في ظروف قاسية، حكم عليه الاحتلال بالسجن الفعلي 30 عاما”. وتقول:« تعرّض محمد للكثير من القمع والعقوبات طوال فترة اعتقاله، وشطب الاحتلال اسمه من صفقات التبادل والإفراجات، لكنه صمد وأكمل المشوار وتحدى الاحتلال بالاستمرار في التعليم، وحقّق النجاح في الثانوية العامة، ثم حصل على شهادة البكالوريوس في الخدمة الاجتماعية، والتحق بدرجة الماجستير، ولكن بسبب الحرب انقطعت أخباره ولا ندري عن أوضاعه أيّة معلومات، وأملي بالله كبير أن يدرج اسمه في أيّ صفقة جديدة، ويتحرّر قبل إنهاء محكوميته ليلتم شملنا ونؤسس الأسرة التي طالما حلمنا بها، وسأبقى صابرة حتى يتنسم الحرية ويُكسر قيده”. وبخطوبة الأسير محمد، تعيش الوالدة الستينية ابتسام أبو الرب مشاعر الفرحة لأول مرة منذ اعتقال ابنها، وتقول:« سرقوا حياتنا واعتقلوا أفراحنا ومرت السنوات الطويلة بكلّ صنوف القهر والمعاناة، وعمر ابني يضيع خلف القضبان، وقد بكيت في حفلات زواج الأقارب والأبناء ورفاقه، ولم أعرف سوى معنى الدموع، حتى كرمني ربّ العالمين لأعيش وأفرح بخطوبته. وتضيف: “بعد عقد قران محمد ازداد أملي أكثر بحريته، وأصبحت أتابع الأخبار ليل نهار، بانتظار بشرى إعلان أيّ صفقة، وعندما أسمع أيّ خبر أتصل بخطيبته وأقول لها هانت وسيفرج عن محمد ونحتفل بزفافكما إن شاء الله، وهذا أملي الأخير والوحيد في هذه الحياة.