يؤكد خبراء أن المعطيات ذات الطابع الشخصي هي أحد أهم الموارد في العصر الرقمي، وهذا ما جعلها تحظى باهتمام السلطات العليا، ودفعها لسنّ برامج وسياسات لتوعية الأفراد والمؤسّسات بأهم التحدّيات التي نواجهها في عصر التطوّر الرقمي والذكاء الاصطناعي، الذي جعل المعطيات ذات الطابع الشخصي هدفا رئيسا للهجمات السيبرانية، التي جعلت دول العالم تسارِع إلى تطوير وتعزيز منظومتها التشريعية والتنظيمية لحماية هذه المعطيات من الاستعمال غير المشروع، حفاظا على سلامتها وأمنها.
عززّت الجزائر ترسانتها التشريعية الرامية إلى تكريسِ الحق في الخصوصية، إذ وثّق التعديل الدستوري لسنة 2020 لاسيما المادة 47 حماية معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي كحق أساسي يعاقب القانون على انتهاكه، ورسّخ القانون رقم 18-07 الساري المفعول منذ 10 أوت 2023، المتعلق بحماية الأشخاص الطبيعيين في مجال معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي، مجموعة من الضوابط والآليات الفعلية لضمان هذا الحقّ وهذه الحماية.
وانطلاقا من مبدأ وجوب أن تتم معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي بما يضمن عدم سوء استعمال هذه المعطيات والتلاعب بها لأغراض غير مشروعة، سنّ ذات القانون جُملة من الالتزامات وضعها على عاتق المسؤول عن المعالجة تحفظ حقوق الأشخاص وشرفهم وسُمعتهم، وفي مقابل ذلك حدّد أيضا مجموعة من الحقوق للشخص المعني بالمعالجة وبين كيفية ممارستها، وذهب إلى أبعد من ذلك حين زاد وضع عقوبات إدارية وأخرى جزائية تصل في بعض الحالات إلى الحبس لمدة أقصاها 5 سنوات لكلّ من تعدّى على هذا الحقّ الدستوري.
ويعتبر خبراء في الرقمنة وتكنولوجيات الإعلام والاتصال، مبادرة إنشاء السلطة الوطنية كسلطة إدارية مستقلة لدى رئيس الجمهورية، خطوة استكملت وجسّدت حرص رئيس الجمهورية على حماية وصون الحقوق والحرّيات الأساسية للأفراد، فصارت السلطة الوطنية بموجب القانون 18-07 تتولى أساسا السهر على مطابقة معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي للقانون، كما تسهر على عدم انطواء استغلال تكنولوجيات الإعلام والاتصال على مخاطر المساس بحقوق الأشخاص وشرفهم وسمعتهم، وذلك من خلال تحديد قواعد حماية الأشخاص الطبيعيين في هذا النطاق.
وعملت السلطة الوطنية لحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي في المرحلة الأولى من تأسيسها على إصدار مختلف النصوص التنظيمية للقانون السالف الذكر، وتنظيم عملها فتوّجت هذه المرحلة بإصدار المرسوم الرئاسي رقم 23-73 المؤرخ في 14 فيفري سنة 2023، الذي حدّد مهام الأمانة التنفيذية للسلطة الوطنية وكيفيات تنظيمها وسيرها، وقد بين هذا المرسوم الرئاسي عمل السلطة وتنظيمها من خلال مصالح الأمانة التنفيذية متمثّلة في مديرية الإدارة العامة، مديرية الاتصال والأنظمة المعلوماتية، ومديرية الشؤون القانونية والمطابقة.
وكمرحلة لاحقة، عملت السلطة الوطنية لحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي على تسهيل الإجراءات الخاصّة بالمطابقة مع أحكام القانون من خلال اعتمادها مقاربة عصرية مُدمجة، تعتمد أساسا على رقمنة مختلف الاستمارات وإجراءات دراستها ومتابعتها، فوضعت لذلك بوابة رقمية للمسؤولِين عن المعالجة تمكنهم من المطابقة مع أحكام القانون، ومتابعة نتيجة دراسة طلباتهم من خلال تلقي الإشعارات والتبليغات إلكترونيا.
وفي المدّة الأخيرة، رفعت السلطة الوطنية وتيرة عملها، وانتقلت إلى تنفيذ سياستها القائمة على مقاربة تشاركية للمرافقة والتحسيسِ من خلال دعوة مختلف الهيئات العمومية والخاصة، وقد نظمت في هذا السياق عدّة لقاءات مع أفراد وهيئات عمومية ومؤسسات اقتصادية، وأقامت موائد مستديرة وأيام دراسية متخصّصة بحسب ميدان النشاط، وذلك إيمانا منها أن العمل المشترك الداخلي هو تمهيد لبناء بيئة رقمية ناجعة تحفظ فيها الحقوق.