اتجهت الجزائر نحو سنّ تشريعات قانونية جديدة، -أصبحت سارية المفعول- بشأن حماية البيانات الشخصية للأفراد، ضمن القانون 18-07 الذي تزداد أهميته في ظل الانتشار الواسع للتكنولوجيا، لاسيما مع تزايد جمع واستخدام البيانات الشخصية من قبل الشركات والمؤسسات، حيث يضمن القانون حماية خصوصية الأفراد ويمنع الاستغلال غير المصرّح به لمعلوماتهم، كما يفرض معايير وإجراءات أمنية لحماية البيانات من الاختراقات والهجمات السيبرانية، مما يقلّل من المخاطر التي تهدّد معلومات الأفراد، ويعزّز من جهة أخرى ثقة الأفراد في استخدام التكنولوجيا والخدمات الرقمية، مما يدعّم الاقتصاد الرقمي والنموّ التكنولوجي.
قال الخبير في التكنولوجيا، بشير تاج الدين، في تصريح لـ “الشعب” “إن القانون 18-07 جاء ليكرّس أحكام الدستور الجزائري الذي يتضمن مواد تتعلّق بحماية البيانات الشخصية للأفراد، ضمن المادة 47 التي تنصّ على احترام وحماية البيانات الشخصية للأفراد، عبر جمعها ومعالجتها في إطار الشفافية والأمان، وبموافقة صاحبها وفقًا للشروط التي يحدّدها القانون 18-07، الذي أعطى 4 حقوق للأفراد، أوّلها الحقّ في الإعلام بالهدف من جمع البيانات الشخصية، والحقّ في الولوج إلى البيانات المجمّعة والمعالجة بطريقة مبسطة وواضحة، والحقّ في التصحيح، كما يطبق القانون على المؤسسات التجارية الخاصّة والعمومية الوطنية وحتى الأجنبية التي تكون وسائل معالجتها داخل الوطن والقانون يفرض عليها أن يكون لها ممثل داخل الوطن، زيادة على الدوائر الحكومية، على أن تقوم السلطة الوطنية لحماية البيانات الشخصية بمراقبة مدى امتثال الجهات المشرفة على معالجة البيانات الشخصية للأفراد- للقانون 18-07.”
تفـادي عمليـات الاحتيال والجرائم
وأكد الخبير بشير تاج الدين، أن الجزائر بسنّ هذا القانون، تكون قد خطت خطوات هامّة نحو تنفيذ نظام معلوماتي وطني آمن، غير أنه من الضروري أن يعرف الأفراد أحكام القانون الخاص بحماية البيانات الشخصية، كل لما يسمح برفع درجة الوعي لديهم بحقوقهم اتجاه مختلف الخدمات الرقمية التي تتطلب إدراج بياناتهم الشخصية، التي يمكن استخدامها لأغراض خبيثة، مثل ارتكاب عمليات احتيال أو جرائم، حيث جاء القانون 18-07 بأحكام تمنع مثل هذه الانتهاكات وتلزم الشركات والمؤسسات الجامعة لبيانات الأشخاص باحترامها وحمايتها من التسريب أو الاستعمال السيء، ما يمكّن من تعزيز الثقة في المجتمع الرقمي، على غرار الشركات والدوائر الحكومية التي تجمع وتعالج بيانات الأشخاص، سواء بطريقة يدوية أو إلكترونية.
ويشكّل القانون 18-07 الصادر في الجزائر، بحسب الخبير تاج الدين بشير، إطارًا قانونيًا شاملاً لحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، حيث يهدف إلى تأمين الخصوصية وحماية البيانات الشخصية للأفراد، تمت المصادقة على هذا القانون في 10 جوان 2018، وأصبح ساري المفعول في 10 أوت 2023 وهو يمثل خطوة هامّة نحو تعزيز الحقوق الرقمية وحماية المعلومات الشخصية في الجزائر، والتي تعرّف على أنها أي معلومات تتعلق بشخص طبيعي محدّد أو يمكن تحديده، سواء كان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر، ويتضمن ذلك الاسم، العنوان، رقم الهاتف، البريد الإلكتروني، والمعلومات البيومترية، ويفرض القانون على الجهات التي تقوم بمعالجة البيانات (المسؤولين عن المعالجة) عمومية كانت أو خاصة، عدة مسؤوليات، من بينها، ضمان الامتثال للقانون واتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لحماية البيانات، تعيين مسؤول حماية البيانات للإشراف على الامتثال وتقديم المشورة وسمته نقطة الاتصال، زيادة على الإبلاغ عن الخروقات الأمنية التي تؤثر على البيانات الشخصية للجهات المعنية والسلطات التنظيمية.
ولفت الخبير المتحدث، النظر إلى أن القانون 18-07 يعطي للأفراد حقوقا عدّة بشأن بياناتهم الشخصية، ومنها: حق الاعلام، الذي يلزم المسؤول عن المعالجة أن يبلغ الشخص عند جمع معلوماته، بغايات المعالجة ومع من سيشارك معطياته، إلى جانب حق الدخول، بطلب من الأفراد للوصول إلى بياناتهم الشخصية ومعرفة كيفية معالجتها، وحق تصحيح البيانات غير الدقيقة أو غير المكتملة. بطلب من الأفراد، وحتى حق الاعتراض على معالجة بياناتهم في ظروف محدّدة، كما ينص القانون على فرض عقوبات صارمة في حالة عدم الامتثال لأحكامه، والتي قد تشمل الغرامات المالية والعقوبات الجنائية للمسؤولين عن المعالجة الذين ينتهكون أحكام القانون- قد تصل هذه العقوبات إلى 5 سنوات سجن.
رفــع الوعـي المواطناتـي
ويعتقد الخبير هادف، أن الجزائر تقوم بعمل جبار من خلال إصلاح وعصرنة المنظومة القانونية والرقمية، من أجل التحوّل الرقمي، بالنظر لما تقوم به المحافظة السامية للرقمنة وحتى الهيئات الامنية من أجل تقوية قدراتنا الدفاعية للتقليل من مخاطر الهجمات السيبرانية، وهو ما يستدعي العمل أيضا على المستوى الأكاديمي ومستويات تعليمية أدنى، بهدف ايجاد مقاربة جديدة في التعامل مع البيانات وخاصّة البيانات الشخصية.
وعن تحدّيات وآليات تأمين منظومة البيانات والمعطيات الشخصية في الجزائر، يرى هادف، أنه لابد من تحسين الإطار القانوني والتنظيمي من خلال قانون الرقمنة، سلطة ضبط، وتحفيزات جبائية للفاعلين والمتهمين بمجال الرقمنة وتسهيلات لإنجاز الاستثمارات في أنشطة الأمن السيبراني، زيادة على إعادة النظر في النصوص المرجعية للتشغيل البيني للأنظمة المعلوماتية، التي توجب وتلزم الربط بين كل المؤسسات والإدارات العمومية، موضحا أنه مع التقدّم التكنولوجي وزيادة الهجمات السيبرانية، يوفر القانون 18-07 إطارًا قانونيًا لمواجهة التهديدات وتطوير تدابير حماية فعّالة، كما يساهم في خلق بيئة آمنة وموثوقة للتكنولوجيا، مما يدّعم الاستخدام المسؤول والمستدام للمعلومات الشخصية في العصر الرقمي.