التـزام متواصـل بصيانــة وديعـة الشّهـداء والمجاهديــن البواســل
إنّ العقيدة الراسخة لجيشنا العظيم الجيش الوطني الشعبي تقوم على الولاء والانتماء للأمة الجزائرية، والدفاع عن المصلحة العليا للدولة بلا هوادة؛ فهو درع الوطن وسيف بتّار مسلّط على رقبة كل متآمر خائن، ومعتد آثم على أرض المليون ونصف المليون شهيد.
أجمع باحثون ومختصون في الشؤون السياسية والأمنية، على أن الجيش الوطني الشعبي أصبح له شأنٌ عظيمٌ على المستويَيْن الإقليمي والدولي، وصار أعداء الوطن يهابونه ويعدّون له ألف حساب قبل أي محاولة للمساس بأمن البلاد واستقرارها، وأضحت مختلف أجهزته وتشكيلاته متكيفة مع المتغيرات الإجرامية الراهنة، وقادرة على مواجهة وصد الحروب السيبرانية والدعائية المَعنوية المُغرضة.
قال الباحث في علم الاجتماع السياسي، البروفيسور عبد السلام فيلالي، إن الجيش الوطني الشعبي ومعه الجزائريين يحتفلون باليوم الوطني للجيش الموافق لـ 04 أوت من كل سنة، كعنوان للاستمرارية على نهج ومآثر جيش التحرير الوطني.
وأوضح فيلالي في تصريح لـ «الشعب»، أنّ المناسبة تمثّل تأكيدا على دور الجيش الوطني الشعبي المحوري في الدفاع عن أمن واستقرار الجزائر ووحدتها الترابية، باعتبارهما يظلان مهمان في كل الأوقات ومهما تغيرت الوقائع على المستويين الخارجي والداخلي، بمضامين عقيدة جيشنا المستلهمة من قيم ثورة أول نوفمبر الخالدة في التاريخ والوفاء لتضحيات الشهداء الأبرار.
علاوة على ذلك، تتسق المجهودات مع العهد الذي قطعه المؤسسون بأن يكون الاستقلال أرضية يقوم عليها، ويُفعَّل المشروع التنموي في هذه المرحلة الفاصلة من تاريخ الجزائر، الذي هدفه أن تصبح بلادنا ضمن قائمة الدول الناشئة، وبالتالي يبرز دور مؤسسة الجيش الوطني الشعبي باعتباره العمود الفقري للدولة وتبعا لمهامه الدستورية، حاسما في النقلة التي تعيشها الجزائر منذ 22 فيفري 2019م بالتلاحم بين الشعب والجيش، مثلما أضاف المتحدث.
وتبعاً لهذه الخلفيات، أفاد فيلالي أنه يُلاحظ جيدا ظهور تحديات مستجدة في هذه المرحلة فيما يخص الأمن والاستقرار مع ما تشهده المنطقة من تغيّرات وتحولات يمكن وصفها بالخطيرة، في ظل الصراع المحتدم بين القوى الدولية الكبرى المتسم بثلاثة أبعاد؛ أولها ما يتعلق بمظاهر عدم استقرار دول الساحل والجوار، وبروز تهديدات ناتجة عن أزمات سابقة وتجلياتها الحالية التي يجب الانتباه بإمعان لانعكاسها على أمننا القومي مثل تنامي الهجرة والنزوح والإرهاب والأمراض والأوبئة والمخدرات وتجارة السلاح وغيرها.
أما ثانيا فيتجلى في تعديل إستراتيجية الدفاع وفق عقيدتنا الأمنية فيما يخص الوسائل والأدوات المستعملة المرتبطة بالتطور التكنولوجي الهائل التي غيرت جذريا من مفهوم الأمن واتصاله بالتهديدات السيبرانية ووسائل التواصل الاجتماعي، بحيث حصل ويحصل هذا من خلال تزويد مختلف مصالح الجيش الوطني الشعبي بإمكانيات تحصين وتدعيم وسائل الحماية والوقاية السيبرانية، وأصبح بذلك يستطيع مواجهة كل التهديدات والتصدي لكافة محاولات الاختراق.
وفي البُعد الثالث تحدّث الباحث السياسي على ضرورة إحداث تغيير جذري فيما يتعلق بـ «العقل الجمعي الجزائري»، الذي ينبغي أن يُساير التغيرات الحاصلة دوليا ومحليا تبعا لمشروع النهوض الاقتصادي، على أن يعني التغيير جميع بنى وفئات المجتمع الجزائري بترسيخ قيم الصرامة والتفاني في العمل للمساهمة في المجهود التنموي الوطني، ووفقا لهذه الخلفيات والسياقات تبرز أهمية وحيوية دور الجيش الوطني الشعبي في الاستشعار والتخطيط الاستراتيجي، وإنجاز الأهداف العامة للدولة.
من جهته، أفاد رئيس منظمة الوحدة الجزائرية من أجل الأمن والسلم المدني، شابو فوزي، أنّ الجزائر تحتفي في الرابع من شهر أوت باليوم الوطني للجيش الوطني الشعبي، الذي أقره رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، القائد الأعلى للقوات المسلحة، وزير الدفاع الوطني، عرفانا بالدور المحوري الذي تقوم به المؤسسة العسكرية في مسيرة البناء والحفاظ على الوحدة الترابية للوطن والدفاع عن سيادته، إذ جعل من هذا اليوم مباركا كونه يصادف ذكرى تحوير تسمية «جيش التحرير الوطني» إلى» الجيش الوطني الشعبي».
وأبرز شابو فوزي في تصريح أدلى به لـ «الشعب»، أنّ رئيس الجمهورية خلّد هذا التاريخ اعترافا بمدى التزام المؤسسة العسكرية قيادة وأفرادا بصيانة وديعة الشهداء والمجاهدين البواسل، وإقرارا بأهليتهم لمواصلة الوفاء لتضحياتهم الجسام من أجل أن تحيا الجزائر وشعبها الأبي حرة مستقلة على نهج سلفها باعتبارها سليلة جيش التحرير الوطني .
وتابع شابو بأنّ الرابطة التي تجمع بين الجيش الوطني الشعبي والشعب الجزائري أضحت وجدانية ومتينة جدا بينهما، نابعة من اعتراف الأمة بتضحيات وإنجازات السليل الذي وُلد من رحم الشعب وثورته التحريرية المظفّرة، ثم مساهمته بعد الاستقلال في بناء وتشييد الجمهورية، مرورا بالتضحيات الجسام لإخواننا الشهداء والضحايا من أفراد السليل ومختلف أسلاك الأمن، الذين ضحّوا بأرواحهم من أجل الحفاظ على استمرارية الدولة ومؤسساتها الجمهورية ضد الإرهاب الدموي.
وقد سعت قيادة الجيش الوطني الشعبي إلى رفع مستوى تأهيل أفرادها موازاة مع عملها الدؤوب على عصرنة وتطوير مختلف تشكيلاتها ومكوناتها، وترقية مهنيتها واحترافيتها وفق رؤية إستراتيجية واستشرافية محكمة، إضافة إلى نوعية العدة والعتاد والأسلحة، والجاهزية القصوى المجسدة ميدانيا من خلال مختلف المناورات والتمارين البيانية بالأسلحة والذخيرة الحية، تحت إشراف رئيس الجمهورية والحضور والمواكبة الدائمة والنوعية للفريق أول رئيس الأركان، ناهيك عن التصديات المتواصلة الناجحة في مجال الحروب السيبرانية، وكذا نتائج محاربة الجريمة المنظمة والإرهاب المترائية يوميا، بحسب قوله.
فضلاً عن ذلك، إسهامه في دفع عجلة الاقتصاد الوطني بتطوير الصناعية العسكرية المحلية، والتركيز على توطين ونقل التكنولوجيات المتطورة، وتنويع مجالات النشاطات الموجه أساسا للسوق المحلية، بما يعزز دور القاعدة الصناعية للسليل، وهو ما يجعل من المؤسسة العسكرية الجزائرية العتيدة ركنا أساسيا في «المشروع النهضوي الشامل للجزائر الجديدة».
جاهزية السليل القصوى، مثلما أضاف شابو، انعكست إيجابيا على معنويات الشعب الجزائري وطمأنينته، إذ تأتي في سياق جيوسياسي دولي وإقليمي متوتّر ومتغيّر، وفي ضوء العودة القوية لدبلوماسية الجزائر على المستوى العالمي، بفضل النشاط الدؤوب والنوعي المتوّج بانتخابها كعضو غير دائم بمجلس الأمن الأممي، الذي أظهرت في معتركه حفاظا على قيمها وثوابتها الوطنية الراسخة المستمدة من ثورتها المجيدة، ورافعت بصوت عال على حق الشعوب في تقرير مصيرها على غرار الشعبين الفلسطيني والصحراوي في إطار احترام الشرعية الدولية.
ومن جانبه، أكّد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، البروفيسور عكنوش نور الصباح، أنّ المؤسسة العسكرية الجزائرية قائمة في وعي ووجدان الجزائريين، وهي أمّ المؤسسات التي ينطوي مسارها التأسيسي على أبعاد نضالية وأخلاقية ذات تأصيل تاريخي لجيش لم ينتج بقرار أو مرسوم أو نتيجة لانقلاب، بل يمثل نموذجا فريدا من نوعه على صعيد الهوية والبنية والرؤية لا مثيل له في العالم، ممّا يجعله يتبوّأ مكانة خاصة ضمن منظومة القيم التي تحكم العلاقة بين الدولة والمجتمع في الجزائر.
وقال عكنوش نور الصباح في اتصال مع «الشعب»، إنّ الجيش الجزائري ينفرد بطابعه الشعبي، ورمزيته الثورية، وعقيدته الوطنية، وإطاره الدستوري من جهة ومنطلقه الجمهوري من جهة أخرى، ويستمد قوته من مبادئ الحركة الوطنية وتراكم النخب والإرادات والأفكار، وهو ما أعطى له استقرار نسقي ووجودي أثر إيجابيا على بقاء الأمة ككتلة صلبة وموحدة رغم التحديات التي كادت تعصف بها على صعيد الإرهاب مثالا لا حصرا.
كما اعتبر عكنوش، الجيش الوطني الشعبي الوحيد في العالم الذي انتصر على الإرهاب عملياتيا وإيديولوجيا واستراتيجيا في مقاربة صارت مرجعية تأوي لها القوى الكبرى كركن شديد وقت الحروب والأزمات والنزاعات.
وعلى هذا الأساس، حازت المؤسسة العسكرية الجزائرية احترام وثقة المجتمع الدولي، وتجلى ذلك من خلال تصنيفها كقوة عسكرية محترفة ومتميزة بين جيوش العالم، ومن حيث تطبيقها معايير هندسة السلم والأمن الدوليين وفق أسس السيادة والاستقلالية والقانون الدولي التي تحرص مؤسسة الجيش على العمل في إطارها حماية للوحدة الوطنية، وصيانة للبلاد من التدخلات الأجنبية التي أصبحت حقيقة جيوسياسية في الإقليم والمنطقة الحبلى بجيل جديد من الحروب قائمة على الكلمة والصورة والفكرة، وتحسب على ثوان معدودات، مما يستدعي اليقظة والجاهزية والذكاء وفق منهجية محددة على مستوى الآليات والقرارات، وفقا لما ذكر محدثنا.
الجيش الوطني الشعبي يتمتّع بكفاءة عملياتية عالية في شتى التخصصات الأمنية، وأجهزته وتشكيلاته تتكيف سريعا مع المتغيرات الإجرامية والتكنولوجية والنيوكولونيالية، ويتميز بمستوى علمي وعملي عال يجعله مهيئا للمرحلة الجديدة من المهام والمسؤوليات الكبرى التي تحيط بالسليل في مساره الحافل بالنجاحات والانتصارات والالتزامات حفاظا على أمانة الشهداء، يختم أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية البروفيسور عكنوش نور الصباح.