مهــام إنسانيـة في خدمـة الوطـن والمواطـن
الصّناعـة العسكريـة ركيـزة اقتصاديــة
احترافية ومكانة بين أقوى جيوش العالم
ولد من رحم الشعب، وفجّر أعظم ثورات القرن العشرين، وعلى عكس بقية جيوش العالم كان الجيش الشعبي الوطني، سليل جيش التحرير الوطني سباقا لقيام الدولة الجزائرية المستقلة، لتتأسّس علاقة خاصة بينه وبين أمته، وتوطّدت أكثر بوقفاته إلى جانب الشعب الجزائري في عديد المحطات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية بموجب الدساتير المتعاقبة، ومساهمته في الاقتصاد الوطني، وفي الإنقاذ وقت الكوارث، وفك العزلة عن المنكوبين، كل ذلك إلى جانب مهمته الأساسية في الدفاع عن الوطن وصون استقلاله.
يحتفي الجيش الوطني الشعبي يوم الرابع أوت بالذكرى الثالثة لـ«اليوم الوطني للجيش الشعبي الوطني»، الذي أقرّه رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة، وزير الدفاع الوطني، عام 2022، عرفانا بالدور المحوري للمؤسسة العسكرية في مسيرة بناء الوطن، والحفاظ على الوحدة والدفاع عن السيادة الوطنية. تأتي الذكرى وهو يقوم على أكمل وجه بمهامه الدستورية التي نصت عليها كل دساتير الجزائر من أول دستور 1963 إلى دستور 2020، من خلال مزاولة مهامه الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، وقبلها وظيفته الاولى في حماية الأمن القومي ووحدة وسلامة التراب الوطني، والحفاظ على الاستقلال والسيادة الوطنيين، بعيدا عن الحياة السياسة.
جيـش - أمّــة..رابطــة تتعــزّز
حافظ الجيش الوطني الشعبي على مكسب الاستقلال على مدار ستة عقود، وكان بقدر المسؤولية الملقاة عليه عند كل مناسبة، وأبرزها ثلاث محطات كبرى، الأولى كانت ضد العدوان المغربي، بعد 15 شهرا فقط من الاستقلال، ليقدّم قوافل من الشهداء أضيفت لأكثر من خمسة ملايين شهيد.
وتتعلق المرحلة الثانية بمكافحة الإرهاب، حيث استطاع الجيش الوطني الشعبي القضاء على ظاهرة الإرهاب داخليا، وحور أساليب خاصة به وضع من خلالها حدّا لظاهرة عابرة للحدود، حيث حافظ على الدولة الجمهورية ومؤسساتها بعد أن كانت مهدّدة بالانهيار بفضل صمود أفراد القوات المسلحة، وتحليهم بروح الانضباط العالية والسلوك العسكري القويم والانسجام ووحدة الصف، وحرصهم الكبير على سلامة ووحدة التراب الوطني، وتحقيق الأمن والاستقرار في كل ربوعه، وهي القيم التي راهن الأعداء على تفكيكها من خلال الإشاعات والدعايات المغرضة والتصريحات التي كان يدلي بها بعض الأشخاص الذين باعوا ذممهم، ووضعوا أنفسهم في خدمة أعداء الجزائر، وروّجت لها بعض وسائل الإعلام الموجّهة والمأجورة، لكن الجيش الوطني الشعبي تصدى لها بكل ثبات وإرادة صلبة.
وبفضل تلك التجارب الفريدة أصبحت خبرة الجيش الوطني الشعبي في مكافحة الإرهاب مطلب القوى الكبرى في العالم، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر.
كما أدّى الجيش الوطني الشعبي دورا مفصليا في مكافحة المخدرات باعتبارها تهديدا للأمن الوطني الجزائري، والتي أدرجت منذ العام 2011، في إطار مهامه ضمن مهمة مكافحة الإرهاب، وقد أكدت الإحصائيات المتزايدة بشكل مضطرد جاهزية الجيش في التصدي للظاهرة التي غزت الجزائر من حدودها الغربية، واحباط حرب المخدرات التي شنها المخزن على الجزائر.
وأما المحطة الثالثة فكانت في مرافقة الحراك المبارك، حيث التزم الجيش بمهامه في حماية الدولة بكل مكوناتها، وعلى رأسها الشعب الذي نزل إلى الشوارع رفضا للتدجين وطلبا للتغيير، فكانت تلك المرافقة تجسيدا حقيقيا لرابطة جيش - شعب، وتأكيدا على لحمة الجيش بالشعب، وأن أفراده هم من أبناء الشعب.
وتصدّى الجيش الوطني بحنكته التي اكتسبها على مدار عقود، لمحاولات تفكيك الرابطة القوية بينه وبين شعبه، وأحبطت المحاولات البائسة في تشكيك الشعب بجيشه، ومنذ ذلك الوقت، أصبح تاريخ 22 فيفري مناسبة وطنية تحتفي بالعلاقة المميزة، حيث وفي شهر فيفري 2021، وقّع رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، على مرسوم جعل 22 فيفري «اليوم الوطني للأخوّة والتلاحم بين الشعب وجيشه من أجل الديمقراطية».
الصّناعة العسكرية رافد في الاقتصاد الوطني
ففي إطار برنامج الإصلاح الاقتصادي لرئيس الجمهورية، وزير الدفاع الوطني، القائد الأعلى للقوات المسلحة، السيد عبد المجيد تبون، واصلت الجزائر سياسة تطوير وعصرنة الجيش، من خلال تطوير الصناعة العسكرية وتحقيق الاكتفاء الذاتي تمهيدا للتوجه نحو التصدير، وهذا من شأنه تقليص فاتورة الاستيراد، وتشغيل قدر كبير من اليد العاملة، وبالتالي المساهمة في النسيج الصناعي والاقتصادي للبلاد وتوليد الثروة، فإلى جانب صناعة بعض أنواع السلاح محليا، تصنّع المؤسسة العسكرية منتجات موجهة للاستغلال المدني على غرار الشاحنات وحافلات النقل الحضري الموجهة للمؤسسات العمومية والخاصة وكذا للأشخاص الطبيعيين، وصناعة البيوت الجاهزة، والمعدات الطبية والمستشفى المتنقل، والتي تم عرضها خلال معرض الجزائر الدولي في طبعته 55 شهر جوان الماضي، كل ذلك يتم في إطار محلي تام أو بالشراكة مع الشركاء الأجانب، ما يسمح بتشغيل قدر كبير من اليد العاملة المحلية.
في خدمـــة المــهام الإنسانيــة
ومن الصناعة ودعم الاقتصاد الوطني إلى الدور المنوط به في المهام الإنسانية، ومنها التدخل السريع أثناء الكوارث الطبيعية على غرار تدخله في زلزال الشلف، عين تموشنت وبومرداس، وفيضانات باب الوادي وغرداية، وفك العزلة عن السكان في المناطق الجبلية جراء تساقط الثلوج كلما اقتضت الحاجة إلى ذلك، أو تقديم الخدمات الطبية والصحية في المناطق النائية والحدودية، والمرافقة الدائمة اثناء جائحة فيروس كورونا، حيث وضع الجيش الشعبي كل مقدراته العسكرية وموارده البشرية للتخفيف من حدة الضرر، وتقديم الخدمات الطبية لرعاية المصابين.
محطة أخرى قدّم فيها أفراد الجيش الوطني من أبناء الشعب الجزائري أنفسهم فداء لإخوانهم في الحرائق المدبرة التي شهدتها ولايتي تيزي وزو وبجاية خلال صائفة 2022، وارتقى خلالها 27 جندياً أثناء تأدية واجبهم الوطني.
وفي إطار تنمية المناطق الحدودية، كإحدى المهام الإنسانية، كانت المهمة الأولى التي اضطلع بها الجيش الشعبي الوطني نزع الالغام المضادة للأفراد على طول الحدود الشرقية والغربية فيما عرف بخطي «شال وموريس»، وهو التحدي الذي نجح فيه وأعلن الانتهاء منه بتاريخ 31 ديسمبر 2016. دون أن نغفل مجهودات أفراد الجيش الوطني الشعبي في مكافحة ظاهرة التصحر، من خلال بناء السد الاخضر، الذي أطلق سنة 1970م وأعيد بعثه عام 2023، بإشراف رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، لدى زيارته إلى ولاية الجلفة، يوم 29 أكتوبر 2023، وأعطى إشارة إطلاق مشروع بعث السد الأخضر الذي يحمل أبعادا بيئية واقتصادية جديدة لخلق الثروة في مناطق شاسعة من الوطن.
ورافق هذه المهمة بناء القرى الفلاحية، وبناء المدارس وشق الطرقات، بناء القرى النموذجية ومختلف مرافقها الحيوية، وتشييد السدود وإصلاح القديم منها، شقّ الطرق، حفر الآبار ومدّ الأنابيب، وربط أعمدة الكهرباء وأسلاك الهاتف، إلى جانب شق طريق الوحدة الأفريقية بين الجزائر ونيجيريا، الذي أريد له أن يكون شريان الحياة العابر للصحراء
عصرنــة واحترافية
بلوغ الجيش الوطني الشعبي هذا المستوى من الأداء على جميع الأصعدة العسكرية والاقتصادية والانسانية، جاء نتاج عمل متواصل من أجل عصرنته وتحقيق الاحترافية، بداية من مكننة وحداته التي بدأت العام 1971، أي بعد أقل من عشر سنوات من الاستقلال، بالتوازي مع تكوين المورد البشري الكفء، وإعادة تشكيل وهيكلة الجيش من خلال إنشاء أركان الجيش الوطني الشعبي في 28 / 11 / 1984 وقيادة القوات البرية في 03 / 05 / 1986، ثم القوات البحرية والقوات الجوية والمفتشية العامة للجيش ومندوبية الدفاع الشعبي، 27/10/1986، واكتمل بناء الجيش الوطني الشعبي بهياكله وفروعه مع إنشاء قيادة قوات الدفاع الجوي عن الإقليم في 05 ديسمبر 1988.
هذا عن هياكل وفروع الجيش، وأما التكوين فاشتملت المؤسسة العسكرية على عديد المدارس والمعاهد التي سهرت على تكوين عنصر بشري فعال وكفء قادر على مواجهة التحديات والتكيف مع المستجدات، وبلغ عددها 30 هيكلا بين مدارس عليا ومدارس تطبيقية، ومراكز تدريب، ومدارس أشبال الأمة التي تستقبل الحائزين على شهادة التعليم المتوسط، التي تمكّن المؤسسة العسكرية من اختيار العنصر البشري الفعال في سن مبكرة للاستفادة من تميزه لخدمة البلاد.
وتضمن هياكل التكوين المذكورة، والموزعة على مختلف النواحي العسكرية، إلى ضمان تكوين عسكري في مختلف التخصصات وتكوين جامعي وفق نظام «أل أم دي»، لتخريج ضباط على قدر عال من الكفاءة والجاهزية والرصيد المعرفي في عالم يتجه نحو التحكم في المعلومة والتكنولوجيا ويتطلب مردا بشريا ذا كفاءة عالية، وتجلى ذلك في تخريج الكثير من الدفعات التي تولت مناصب قيادية عسكرية عليا، قادت الجيش طيلة الستين سنة الماضية ليحافظ على استقلال البلاد وسلامته ووحدة ترابه.
ولم يقتصر توظيف المورد البشري الذي تلقى تكوينا عسكريا وأكاديميا على المؤسسة العسكرية، إذ وبموجب المرسوم الرئاسي رقم 24-218 المؤرخ في 27 جوان 2024، الصادر في الجريدة الرسمية رقم 46 لسنة 2024، المحدد لشروط انتداب المستخدمين العسكريين لدى الادارات المدنية العمومية، أصبح بإمكان الإدارات العمومية المدنية توجيه طلب إلى وزير الدفاع من أجل انتداب عسكريين عاملين أو متعاقدين لشغل منصب عمل على مستواها، وهذا إقرار آخر بكفاءة أفراد الجيش والصرامة في الإدارة بفضل التكوين النوعي الجاد.
ولا يمكن التمسك اليوم بإبعاد الجيش عن الحياة المدنية، في عصر أصبحت فيه التهديدات عابرة للحدود وللأزمنة، ولم يعد المدني آمنا حيالها، ولا العتاد العسكري وحده قادرا على حماية أمنه، وصارت التهديدات غير التماثلية السمة الطاغية عليها، وترتّبت على ذلك مهام جديدة لأفراد الجيش الشعبي الوطني، ومنها حماية مؤسسات الدولة سيما ذات الطابع الاستراتيجي، باعتبارها إحدى ميادين الأمن الوطني الواجب حمايتها.
إنّ التطور الذي وصل إليه الجيش الوطني الشعبي بفضل مسار العصرنة، جعله يحتل مكانة متقدمة بين أقوى جيوش العالم، إذ صنف موقع «غلوبل فاير» الأمريكي المتخصص في الشؤون العسكرية، الجيش الجزائري ضمن المراتب الأولى والمتقدمة ومن بين أقوى جيوش العالم .
إشـادة وعرفــان
وتثمينا لمجهودات الجيش الوطني الشعبي في كل المناحي، أشاد رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة، وزير الدفاع الوطني، السيد عبد المجيد تبون، بمناسبة بزيارة إلى مقر وزارة الدفاع الوطني، يوم 8 ماي 2024 بالمجهودات التي تقوم بها مختلف وحدات الجيش الوطني الشعبي»، وأكّد أنّ «السّيادة الوطنية تصان بالارتكاز على جيش قوي مهاب واقتصاد متطور، وأن التطور الذي تشهده الجزائر أمر ملموس لا ينكره إلا جاحد، وأن وتيرة النمو وباستكمال المشاريع الكبرى ستعرف في آفاق 2027 إنجازات كبيرة على مختلف الأصعدة».
كما ثمّن المجهودات التي يبذلها الجيش الوطني الشعبي، لاسيما ما تعلق بالبحث عن وسائل علمية جديدة تعطي للجزائر مناعة أكبر.
وذكر رئيس الجمهورية أنه سبق له أن أكّد على أهمية البحث العلمي خلال تدشينه المدرسة العليا للذكاء الاصطناعي، معتبرا أن «ما يقوم به الجيش الوطني الشعبي في كل الجوانب، وتحديدا في مجال البحث العلمي، بالتنسيق مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، مكّن الجزائر من أن تخطو خطوات عملاقة بهذا الخصوص».
ويتّضح اهتمام رئيس الجمهورية بأداء الجيش من خلال تأكيده في مناسبات عديدة عزم الجزائر على مواصلة مشوار تطوير وعصرنة أداتها الدفاعية من كافة النواحي، وذلك خدمة للدفاع الوطني. والميزانية الكبيرة التي تخصّص للدفاع التي تحتل المرتبة الأولى بين ميزانيات كل الوزارات.
وينبع اهتمام السلطات العليا في البلاد بتطوير وعصرنة الجيش الوطني الشعبي، من قناعة أن الأمن مصدر الرخاء والازدهار، ودافع لتحقيق النمو والتنمية، ومنه بناء اقتصاد قوي، وهذه الثنائية تعمل في شكل اعتماد متبادل، حيث أنّ الجيش القوي يحتاج إلى اقتصاد قوي لتزويده بالعدة والعتاد، ويحتاج الاقتصاد إلى قوة عسكرية تحميه وتوفر له شروط التقدم والانتعاش، لتشكّل القوة العسكرية والقوة الاقتصادية عجلتين تسيران بالبلاد نحو المكانة التي تستحقها بين الأمم، والتي تليق بماضيها المشرق ومستقبلها المأمول، وركيزتين للحفاظ على الاستقلال والسيادة الوطنيين، لأنّه لا تطور ولا ازدهار في غياب الأمن.