تحيي الجزائر، اليوم الأحد، اليوم الوطني للجيش المصادف للرابع أوت من كل عام، ويأتي الاحتفال باليوم الوطني للجيش للمرة الثانية على التوالي في ظل ما يحققه سليل جيش التحرير الوطني من إنجازات وأرقام تقف شاهدةً على احترافيته ومقدرته على التصدي للمتربّصين بأمن الوطن وسكينته.شكّل الجيش الوطني الجزائري مثالاً للعديد من دول العالم، تضبط عليه بوصلتها إذا ما أحسّت بالتيه واختلطت عليها المسالك، متأسيةً في ذلك بما كان عليه جيش التحرير الوطني إبان سنوات الثورة التحريرية، والذي شكّل هو الآخر طوقَ نجاة للعديد من حركات التحرّر ولزعمائها التاريخيين من أمثال تشي غيفارا، كاسترو ومانديلا.
إقرار رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون ليوم وطني للجيش، هو من قَبيل الاعتراف بجهود رجال ضحوا في سبيل صون أمانة الشهداء والمجاهدين وإعلاء كلمة الوطن، وعرفانٌ بتضحيات رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه من أبناء الوطن المخلصين.
اليوم الوطني للجيش الذي أقرّه رئيس الجمهورية في ذكرى تحوير جيش التحرير الوطني الى الجيش الوطني الشعبي سنة 1962، يُعدُّ مناسبةً يستذكر فيها ومن خلالها الشعب الجزائري مآثر جيش التحرير وسليله، وفرصةً لتجديد العهد مع المؤسسة العسكرية والوقوف معها في بناء الوطن والدفاع عن سيادته ووحدته.
مسيرة طويلة قطعها الجيش الوطني الشعبي منذ الاستقلال، حملت في طيّاتها كل معالم الشرف، الوفاء، الكبرياء والشجاعة الممزوجة بالتجارب الرائدة التي جعلت منه جيشاً ذو خبرة وعقيدة قتالية قلّ نظيرها في العالم.
تقف الشواهد كثيرة على عظمة الجيش الوطني الشعبي، سواء داخل الوطن أو خارجه، فوقائع الحروب العربية المتعاقبة مع الكيان الصهيوني تُسَجِّل بأحرف من ذهب المواقف المشرّفة لأفراد الجيش الوطني الشعبي، الذين دافعوا باستماتة من أجل نُصرة أم القضايا العربية والاسلامية، وهو ذات الموقف المُسجّل خلال حرب الرمال سنة 1963، أين دافع أفراد الوطني الشعبي عن مناطق عين البيضاء وتينجوب ومركالة بتندوف وجراحهم لم تندمل بَعدُ من معاركهم مع المحتل الفرنسي، وصولاً الى سنوات العشرية السوداء التي قدّمت فيها المؤسسة العسكرية ومختلف مؤسساتها الأمنية ومستخدميها الشبهيين جحافل من الشهداء فداءً للوطن، فكان الثمن غالياً بقدر غلاء سلامة وأمن الوطن.
ولا تزال المؤسسة العسكرية الجزائرية الى اليوم، حاضرةً في المشهد الوطني، متصدّرةً كل أحداثه بتفاصيلها الدقيقة، حيث يُشارك أفرادها بعزم وثقة، وبوطنية منقطعة النظير في إخماد حرائق الغابات صيفاً وفتح الطرق والممرات الجبلية شتاءً.
إلى جانب ذلك، يبرز الجيش الوطني الشعبي كحامٍ لحدودنا الجنوبية المترامية الأطراف ضد الجماعات التخريبية التي تتحيّن الفرصة تلو الأخرى من أجل العبث بأمن وسلامة الوطن، وقد اكتسب جيشنا من الخبرة الطويلة والتكنولوجيات المتطورة ما مكّنه من مجابهة مخاطر جمّة وأحداث مصيرية وتحدّيات كبرى بشهادة قوى عالمية عظمى، وما أحداث تيقنتورين عنا ببعيد.
ولايات أقصى الجنوب شاهدةً هي الأخرى على بسالة المؤسسة العسكرية وإنسانيتها، حيث تشرع بين الفَينة والأخرى في إنشاء مستشفيات ميدانية في وادٍ غير ذي زرع، تُقدّم الرعاية الصحية لسكان البدو الرحل والمناطق الحدودية المعزولة، بالإضافة الى المشاركة في عمليات بحث عن المفقودين في الصحاري، وإنقاذ ضحايا الفيضانات الطوفانية بولايات الجنوب.
هذه المواقف الإنسانية لقوى الجيش الوطني الشعبي، سواء في شمال البلاد أو في جنوبها، قوبلت بترحيب شعبي وتآزر يَنُمُّ عن وحدة هذا الشعب وتلاحمه مع جيشه، ويؤكّد للمرة الألف على متانة رابطة «جيش -أمّة»، وعلى مدى قوة شعار «الجيش الشعب خاوة خاوة» التي تصدح بها حناجر الشعب الجزائري من الحدود الى الحدود.
الجيش الوطني الشعبي الجزائري وهو يحتفل بعيده الوطني الثالث، يقف شامخاً مُنافحاً عن كرامة الوطن وسيادته، يدفعه في ذلك كمٌ هائل من التجارب القتالية والمواقف الإنسانية التي شكّلت رصيداً معرفياً استطاع من خلاله مواجهة آلة الارهاب الدموية، متصدياً بحزم للجريمة العابرة للحدود، وسنداً قوياً للمواطن في كل الظروف.
استطاع سليل جيش التحرير الوطني من خلال تاريخه المشرّف أن يتصدّر المشهد الاقليمي من خلال النأي بالجزائر عن الصراعات الاقليمية والمصالح الضيقة، وأن يتحوّل الى شريك موثوق إقليمياً وقارياً، فقد أبانت عقيدته القتالية الحد الفاصل بين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من التطرّف، محافظاً على الجزائر واحِدة، مُوحَّدة ومُوحِّدة.
للإشارة، يتم الاحتفال بهذا اليوم الوطني على مستوى جميع مكونات الجيش الوطني الشعبي المنتشرة عبر كامل التراب الوطني، من خلال تنظيم تظاهرات وأنشطة مختلفة تمجيدا وعرفانا لشهداء ومجاهدي ثورة التحرير المباركة، ولشهداء الواجب الوطني ولكبار معطوبي مكافحة الإرهاب، وكذا أفراد الجيش الوطني الشعبي على تفانيهم الراسخ وتضحياتهم الجسام.ويعرف الجيش الوطني الشعبي في السنوات الأخيرة طفرة مشهودة في عصرنة وتحديث قدرات قوام المعركة والاحترافية، وتنمية وتأهيل العنصر البشري.
وقد تمكّن من تحقيق نتائج باهرة في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة من باب الدفاع عن مبادئ الثورة المجيدة، وصون سيادة وأمن الوطن وحماية الحدود وحرمة الأراضي ووحدة الشعب، إلى جانب مساهمته في تطوير الاقتصاد الوطني من خلال استراتيجية مدروسة تسعى لتحقيق الاكتفاء الذاتي، وتلبية حاجيات السوق الوطنية وتطوير القاعدة الصناعية للبلاد.
وقد كانت هذه الجهود محل تقدير وعرفان من قبل رئيس الجمهورية، الذي أشاد في كل مناسبة بالأدوار الريادية والمحورية للجيش الوطني الشعبي، الذي يواصل مهامه في حماية الوطن، وفاء لرسالة الشهداء.
وقد أكّد رئيس الجمهورية في تصريحاته في عدة مناسبات، أن قوة الجيش الجزائري تكمن في كونه «جيش - أمة»، بحيث تمكّن من تأسيس رابطة قوية مع الشعب الجزائري الفخور بمؤسسته العسكرية.