قرار باريس انتهاك للشرعية الدولية وتعزيز لعـدم الاستقرار

تحالف فرنسـا والمخزن.. المُحتلــون ملّة واحدة

علي مجالدي

 الباحث مصطفــى بوحاتم  لـ«الشعب»: الموقف الفرنسي خبــيث فــي توقيتـه وسياقـه

تعتبر الصحراء الغربية أقدم الأقاليم التي ما تزال خاضعة للاستعمار في إفريقيا، حيث يمتد إلى أكثر من أربعة عقود مضت، ويأتي موقف الحكومة الفرنسية الأخير الداعم لما يسمى «خطة الحكم الذاتي» المغربية لتزيد من تعقيد المشهد أكثر، ويشكل هذا الموقف انتهاكاً صارخاً لقرارات الشرعية الدولية التي تؤكد حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، هذا الموقف الفرنسي المرتبط بتاريخها الاستعماري في المنطقة، يثير تساؤلات جدية حول الدور الفرنسي في القضية ويمثل استفزازاً صريحاً للشعب الصحراوي وللجهود الدولية الرامية إلى حل عادل ودائم لهذا النزاع.


أثار الموقف الفرنسي الجديد حفيظة الجزائر بشكل كبير، وهذا ما عبرت عنه صراحة في بيان لوزارة الخارجية أن هذا القرار «غير المنتظر وغير الموفق وغير المجدي» يعزز الاستعمار المغربي على أراضي الصحراء الغربية، وهو ما يتنافى مع حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره وفقًا للشرعية الدولية.
وفي نفس الإطار، يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، الدكتور مصطفى بوحاتم، في تصريح لـ «الشعب» أن الموقف الفرنسي «خبيث» بالنظر إلى توقيته وسياقه والذي يسبق الانتخابات الرئاسية في الجزائر بشهرين فقط.
وأضاف أن هذا الموقف لا يمكن فصله عما يحدث في منطقة الساحل الأفريقي، وخصوصاً مالي، والتي تشهد حالة من عدم الاستقرار الأمني خلال هذه الأيام مع تجدد النزاع.
وأكد بوحاتم أن هناك نية مبيتة لدى فرنسا لإشعال المنطقة دون مراعاة للعواقب بعد أن خسرت مواقعها في المنطقة لصالح قوى أخرى. وعليه، فإن البيان الجزائري مؤسس، لا سيما وأن الجزائر على تماس مباشر مع طرفي النزاع، سواء المملكة المغربية أو جبهة البوليساريو المسيطرة على أجزاء من الإقليم.
وانتهاك وقف إطلاق النار الموقع عام 1991 قد يؤدي إلى تعقيد الأمور أكثر ـ حسبه ـ  فالجزائر معنية بمسألة الاستقرار في المنطقة لأن الأمن كلي وشامل ولا يمكن تجزئته، ورغم أن الجزائر ليست طرفاً في النزاع، إلا أنها تتأثر به كونها على تماس مباشر معه.
علاوة على ذلك أدان مجلس الأمة في بيان رسمي الموقف الفرنسي، وأشار مجلس الأمة إلى أن « هذا القرار يشكل تجاوزا من طرف فرنسا الرسمية لالتزاماتها بصفتها عضوا دائما بمجلس الأمن وتجاوزا للشرعية الدولية المقترنة بمسؤولية مجلس الأمن وأعضائه الدائمين في تطبيق اتفاق سنة 1991، تماشيا مع قرارات الأمم المتحدة ومقتضيات القانون الدولي»
كما أثارت القرار الفرنسي بشأن الصحراء الغربية موجة من الاستنكار والاستياء في الساحة السياسية الجزائرية. فقد عبرت مختلف الأحزاب السياسية عن رفضها القاطع لهذا الموقف الذي اعتبرته انحيازاً صارخاً وتناقضاً سافراً مع القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية.
حيث أعربت حركة مجتمع السلم عن استغرابها البالغ من هذا التحول في الموقف الفرنسي، واعتبرته استمراراً لسياستها الاستعمارية القديمة، مؤكدة أن هذا الموقف لن يغير من حقيقة أن الشعب الصحراوي له الحق المشروع في تقرير مصيره.
أما حزب التجمع الوطني الديمقراطي فقد أدان بشدة هذا القرار، واصفاً إياه بتواطؤ مكشوف يتماشى مع التوجهات الاستعمارية القديمة لفرنسا، مؤكداً على ضرورة تضافر الجهود الدولية لدعم حق الشعب الصحراوي في الحرية والاستقلال.
بدورها جبهة المستقبل عبرت عن أسفها العميق لهذا الموقف الانحيازي، مؤكدة أن فرنسا بذلك تنكرت للتاريخ وتجاهلت الحقائق الثابتة، وأن هذا القرار لن يغير من حقيقة وجود دولة الصحراوية العربية الديمقراطية.
أما حزب جبهة التحرير الوطني اعتبر أن هذا القرار يعد استفزازاً صريحاً وتحالفاً خطيراً مع المغرب، مما يهدد أمن واستقرار المنطقة، ودعا إلى تكاتف الجهود العربية والإسلامية لمواجهة هذه التحديات.
وفي نفس السياق، أدانت حركة البناء الوطني القرار الفرنسي باعتباره انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي ومبادئ حقوق الإنسان، وحذرت من عواقبه الوخيمة على جهود الأمم المتحدة لحل النزاع، مؤكدة على ضرورة استمرار دعم القضية الصحراوية حتى تحقيق النصر النهائي.
قرارات مشبوهة لا يمكن أن تشرعن الاحتلال
إن الحل العادل والدائم لقضية الصحراء الغربية لا يكمن في فرض الحلول من الخارج أو في تجاهل حقوق الشعب الصحراوي، بل يكمن في احترام القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، وفي إطلاق عملية سياسية شاملة وجادة تهدف إلى تمكين الشعب الصحراوي من تقرير مصيره بنفسه من خلال تنظيم استفتاء حر ونزيه.
كما أن دعم الموقف المغربي وخطته المزعومة في قضية الصحراء الغربية ليس بالأمر الجديد. فقد سجلت سابقًا محاولات مماثلة من إسبانيا عندما أعلنت دعمها للمغرب عقب أحداث سياسية وضغط مغربي بملف الهجرة غير الشرعية، وكذلك اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بعد تغريدة الرئيس السابق دونالد ترامب بسيادة المغرب المزعومة على الصحراء الغربية مقابل تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني.
ورغم هذه المحاولات المتكررة، والتي تهدف جميعها إلى حسم القضية لصالح المغرب، إلا أنها فشلت في تحقيق أهدافها، ولم تؤثر على الحقائق الثابتة على الأرض، ولم تستطع طمس الحقوق المشروعة للشعب الصحراوي في تقرير مصيره ونيل استقلاله.
وأي محاولة لتجاوز إرادة الشعب الصحراوي أو فرض حلول عليه بالقوة لن تؤدي إلا إلى مزيد من المعاناة والدمار. وعلى المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته وأن يضغط على الأطراف المعنية للعودة إلى طاولة المفاوضات والعمل بجدية للتوصل إلى حل سلمي وعادل يضمن حقوق جميع الأطراف.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024
العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024