يقف لبنان على عتبة الخروج من أزمة معقدة تستنزفه منذ السنوات الأخيرة. ولعل الانتخابات البرلمانية هي القارب الذي يرسو ببلد الأرز في شاطئ الأمان، ليستعيد الشعب اللبناني حيويته، في ظل الاستقرار والنمو دون أن يفقد الرابطة الوثقى بالوطن العربي وبالذات الانتصار للقضايا العادلة تتقدمها فلسطين، التي تبقى بوصلة العمل العربي المشترك أمام تجاهل المجموعة الدولية لما يحدث من اعتداءات وانتهاكات تستهدف الهوية العربية لفلسطين والمنطقة برمتها.
أمام لبنان فرصة التخلص من تبعات أزمة طال أمدها بفعل تطورات متسارعة استثمرت فيها أطراف عديدة، همها الوحيد إضعاف هذا البلد الصغير جغرافيا والكبير تاريخيا بحضارته العريقة ومواقف شعبه الثابتة، فقد قدم مثالا رائعا في الصمود أمام هزات عنيفة والتصدي لمشاريع التفكيك اللعينة، التي وجد فيها الكيان الصهيوني مادة دسمة لمحاولة اللعب على أوتار التنوع، غير مدرك أن التنوع بكل مفاهيمه هو ثراء ومصدر مناعة.
بالتأكيد سوف يصل لبنان إلى مرفأ الأمان ليتجاوز أزمة مرفأ بيروت التي كانت تقود إلى ضرب المجتمع من الداخل عبر دفعه إلى مرحلة عنف ذاق مرارتها في الماضي القريب، قبل أن تتغلب الحكمة ويعلو العقل ليستعيد لبنان عافيته وينطلق في مسار البناء. غير أن قوى الشر في المنطقة لم تمنحه الوقت والفرصة، لتدفعه مجددا إلى حافة انهيار محدق، كان لزاما تفاديه عبر الحوار والاضطلاع بالمسؤولية الوطنية.
حقيقة واجه البلد جراء ذلك مأزقا قاتلا للأمل بوصوله إلى حافة انهيار مالي كاد أن يضع السيادة الوطنية بين قوسين، لولا أن التبصر والمسؤولية تغلبت في الأخير لتبلور المخرج الآمن، عبر بوابة الديمقراطية ضمن المعايير اللبنانية، التي أجمع عليها اللبنانيون أبا عن جد من أجل تحصين السيادة اللبنانية وتوفير المناخ الأفضل للشعب اللبناني لتجسيد تطلعاته دون ابتزاز أو مساومة ترمي إلى إبعاده عن القضايا الجوهرية للأمة العربية والإسلامية وحتى القضايا الإنسانية العادلة.
لقد فشلت كل تلك المخططات والمناورات وأثبت الشعب اللبناني قدرته على تجاوز أزمات حادة، ليحافظ على تنوعه وانسجامه وتكامله، وهي القيمة المثلى التي تعطيه بالتأكيد المناعة، ليبقى في الحضن العربي صوتا جهوريا وموقفا صريحا حريصا على السلم في المنطقة ولكن في نفس الوقت على المصالح العربية.