مراقِبة تقنية للسيارات بتندوف

ميلودة معطى الله..المرأة التي لا تشبهها أخرى

تندوف: علي عويش

بين حداثة الفكرة وتميزها، وصلابة الحديد ونعومة يديها، تواصل شق طريقها في صمت بعيداً عن الأضواء، مستخدمةً مهاراتها الفنية العالية بإتقان واحترافية، وعفوية طفولية في الحديث، تدفعنا إلى ولوج عالمها المليء بالأرقام، وما مركبات الوزن الثقيل في يومياتها إلا مهربها الأخير وملاذها الآمن من ضغوطات الحياة.
 معطى الله ميلودة، هي تلك المرأة التي فتحت عينيها على صور ومشاهد عائلتها المحافظة والمنفتحة على الآخر في آن واحد، فخرجت سيدةً مثابرةً مكافحة، وهي لا تزال في ريعان شبابها، لتبقى هذه الصورة محفورة في وجدانها، راسخةً في ذكرياتها صورة المدينة التي تفتقر الى الكثير من الحاجيات الأساسية، لتحط بها هذه الذكريات كشابة سلكت دروب العلم والاجتهاد في مجتمع رجالي، زاهدةً ببريق المرأة التي تعيش بداخلها، لتبدأ من هناك حكايتها مع حلم خوض تجربة المراقبة التقنية للسيارات.
بعد مسيرة تعليمية كافحت فيها ومن أجلها طويلاً، واضعةً نصب عينيها هدفاً رئيسياً وهو اختراق مجال وظيفي كان ولا يزال حكراً على الرجل، وهي التي لا ترى مانعاً في تجربة المرأة للعمل الميداني الى جانب الرجل، كانت ميلودة أول شخص يتحصل على شهادة البكالوريا، وأول من يدخل الجامعة من عائلتها، درست الكيمياء الصناعية بجامعة مستغانم وهي التي كانت تحلم مذ نعومة أظافرها بأن تكون مهندسة معمارية.
تخرّجت من جامعة مستغانم سنة 1997 بشهادة مهندس دولة في الكيمياء الصناعية، لتصطدم بشبح البطالة لقرابة 20 شهراً كاملاً، حاولت جاهدة طيلة هذه الفترة للحصول على وظيفة تتماشى ومؤهلاتها العلمية في مدينة تخلو من مناطق صناعية، لينتهي بها المطاف في مديرية الصناعة والمناجم، ومن هنا كانت بداية قصتها مع المركبات.
تعشق الأرقام
  بعد حصولها على وظيفتها الأولى بمديرية الصناعة والمناجم، استفادت «ميلودة» من العديد من التربصات خارج الولاية في مجال المراقبة التقنية للسيارات، كان أهمها تربص ميداني في الشركة الوطنية للعربات الصناعية «سوناكوم»، فكانت المرأة الوحيدة التي تشغل هذا المنصب على  المستوى الوطني، حفّزها في ذلك كمية الدعم الكبيرة التي حصلت عليها من طرف الأهل، ومن طرف مدير الصناعة و المناجم آنذاك، الذي استشعر بقدرتها على العطاء في هذا الميدان.
شغلت «ميلودة» وظيفة مراقِبة تقنية للسيارات بتندوف، لتكون بذلك أول امرأة، بل الوحيدة التي اكتسحت هذا المجال من بنات جنسها بالجزائر، ناقلةً حلمها إلى واقع ملموس بالرغم مما صاحب هذا الواقع من مطبّات وعثرات، أجبرها تكوينها وحياتها الخاصة على التمسك بقوة العزيمة والإرادة الصلبة على الاستمرار في العطاء، وإبقاء خبرتها وتمكّنها من تفاصيل المهنة رهن إشارة أصحاب المركبات، لتحصل في النهاية على إشادة وثناء الرجال قبل النساء، في مهنةٍ، لم تكن لتنجح فيها لو لم تكن معطى الله ميلودة.
لم يكن اقتحام «ميلودة» لمجال المراقبة التقنية للسيارات بالأمر الصعب، فهي ترى أنّ المجتمع التندوفي تقبّل الفكرة منذ الوهلة الاولى، وهو ما اكتشفته من خلال تعاملها مع أصحاب المركبات من أبناء الولاية عكس نظرائهم من الولايات الأخرى، الذين لم يتقبّلوا فكرة قيام سيدة بفحص مركباتهم، محاولين التأقلم مع الوضع الجديد بالنسبة لهم.
عملها اليومي مع المركبات لا يخلو من طرافة، قد تضطر خلاله الى الاستعانة بكرسي، وفي بعض الأحيان بسلالم من أجل الوصول الى الرقم التسلسلي لبعض الشاحنات، كما أنّها اعتادت أن تكون محط أنظار وحديث زملائها من الولايات الأخرى خلال التربصات الميدانية التي تشارك فيها، لكونها المرأة الوحيدة التي تعمل كمراقِبة تقنية للسيارات.
لا تذكر «ميلودة» طيلة مشوارها المهني تعرضها لأي مضايقات أو تجاوزات من طرف أصحاب المركبات، عدا نظرات الحيرة والاستغراب التي ترتسم على أوجه من يقابلها للمرة الأولى، فهي التي كسّرت القاعدة واكتسحت بكل جرأة وثقة ميدان عمل لطالما كان ولا يزال حكراً على الرجال، وهي التي ترى بأن المرأة التندوفية قادرة على اقتحام أي مجال إذا ما تحلّت بالشجاعة والاجتهاد، والحرص على تأدية عملها على أحسن وجه في حدود طاقتها وامكانياتها كامرأة، يساعدها في ذلك مجتمعها المحلي الذي وصل الى درجة عالية من الانفتاح والتحضر يمكنها من ممارسة عملها بكل احترام.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024